السعي لموظفين جدد يدفع الشركات للترحيب باللاجئين

مؤسس "شوباني" ينجح بإقناع عدد متزايد من الشركات بتوظيف اللاجئين عبر شبكة "تينت"

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيس التنفيذي لشركة \"شوباني\" - المصدر: بلومبرغ
الرئيس التنفيذي لشركة "شوباني" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان عظيم الله ظريفي في الثامنة عشرة من عمره حين اعتقدت عائلته أن الأمن مستتب في قندز بأفغانستان في 2017 بما يسمح أن تعيد فتح معرض سياراتها، لكن خدمة عملاء أميركيين وألمان أثارت حفيظة طالبان، فما كان إلا أن أصيب ظريفي بخمس رصاصات وفقد ساقه اليمنى بعدما ما رشق مسلحون المكان بالرصاص.

كان ظريفي بين آخر الأفغان الذين أُجلوا أثناء انسحاب الجيش الأميركي بعد ذلك بأربع سنوات وانتقل من قطر إلى ألمانيا إلى تكساس قبل أن ينتهي به المطاف في أوشكوش بولاية ويسكونسن، حيث عمل في طابق الإنتاج في شركة "أمكور" (Amcor)، وهي شركة تغليف عالمية. قال ظريفي الذي أصبح عمره الآن 23 عاماً ويتحدث الإنكليزية: "لم يكن هناك من عمل في بلدي وكانت حياتي في خطر، هناك كثير من الأمور أفضل في هذا البلد، وأنا سعيد الآن".

هنا "شارع العرب" الألماني... كيف أصبح إرث "ميركل" بعد 6 سنوات من اللجوء؟

لطالما كانت قصص النجاح مثل قصة ظريفي حلم حمدي أولوكايا مؤسس ورئيس شركة "شوباني" (Chobani) لصناعة المواد الغذائية، التي تشتهر شركته بإنتاج اللبن الرائب. تساعد مؤسسته غير الربحية "تينت بارتنرشيب فور ريفيوجيز" (Tent Partnership for Refugees) 250 شركة من جميع أنحاء العالم بالعثور على النازحين قسراً مثل ظريفي وتوظيفهم وتدريبهم. يزداد إشغال اللاجئين لفرص العمل حيث يقنع أولوكايا و"تينت" المنظمات بأن توظيفهم ليس مجرد إيثار. قال أولوكايا: "بالطبع يساعد الحصول على وظيفة اللاجئ في حياته، لكنه يساعد الشركة فعلاً كذلك".


يبدأ عالم الأعمال يبادر، فيما وضعت إدارة بايدن أهدافاً طموحة لقبول اللاجئين مع استحواذ الاضطرابات في أفغانستان وأوكرانيا على اهتمام العالم. زاد عدد المشاركين في "تينتس كواليشن فور ريفيوجيز إن ذا يو إس" (Tent’s Coalition for Refugees in the US)، وهي شبكة فرعية تضم الشركات الملتزمة بتوظيف اللاجئين، إلى أكثر من 100 شركة، منها "برغر كينغ" وفيديكس" و"ليفت" (Lyft)، منذ انطلاقها في سبتمبر 2021.

مع استمرار ظاهرة "الاستقالة الكبرى"، يخطط واحد من كل خمسة عمال حول العالم للاستقالة هذا العام وفقاً لاستطلاع أجرته شركة "بي دبليو سي" أخيراً، ما يعني أن توظيف اللاجئين لا يخفف من نقص العمال فحسب، بل يساعد أيضاً في تجنب حدوث شواغر في فرص العمل في المستقبل لأن هؤلاء الموظفين الجدد يميلون ليكونوا مخلصين بشكل استثنائي. قال 73% من أصحاب أعمال شملهم استطلاع "تينت" (Tent) ومعهد السياسة المالية في 2018 بارتفاع معدل استمرار العاملين من اللاجئين مقارنة بالموظفين الآخرين. كان متوسط ​​نسبة تبدل العمال البالغ 11% لدى المصنعين أعلى بثلاث مرات تقريباً من معدل تغيير اللاجئين لوظائفهم.

قرار قضائي يهدد مئات آلاف المهاجرين الشباب للولايات المتحدة

قال يارون شوارتز، رئيس "تينت" في الولايات المتحدة إن انخفاض نسبة تغيير الموظفين لوظائفهم يعوّض التكاليف الإضافية التي ينطوي عليها توظيف اللاجئين، ومنها تكاليف المترجمين الفوريين وترجمة المواد المطبوعة والنقل والمساعدة في التأقلم الثقافي. استبدال أي عامل ليس أمراً رخيصاً، وعادةً ما يكلف الشركات حوالي خُمس الراتب السنوي للشخص المغادر، وفقاً لدراسة مركز التقدم الأميركي في 2012. قال شوارتز: "إن قامت الشركات بهذا الاستثمار الأولي، فسترى أرباحاً طويلة الأجل في الأشخاص الذين يرغبون حقاً بالبقاء والنمو ضمن الشركة وأن يشغلوا أدواراً قياديةً".

قُدرات مُغْفلة

يعتبر أولوكايا الموضوع شخصياً، برغم أنه لم يكن لاجئاً بالمعنى الحرفي إلا أنه قدم إلى مدينة نيويورك من شرق تركيا في 1994 بعدما تسبب نشاطه حيال القضية الكردية بمتاعب مع الحكومة. قال: "غادرت لأنه لم يكن لدي خيار آخر". لم يكن يتحدث الإنكليزية وليس لديه إلا 3000 دولار فالتحق بدروس اللغة الإنكليزية في جامعة أديلفي. استفاد لاحقاً من طفولته البدوية التي رعى خلالها الماعز والأغنام في جبال منزور فأسس شركة لصنع جبنة فيتا شمال ولاية نيويورك مع شقيقه بلال. حصل أولوكايا في 2005 على قرض من هيئة الأعمال الصغيرة لشراء مصنع متهالك من "كرافت فودز" في مكان قريب. أنتج المصنع أول كأس من لبن "شوباني" الرائب بعد ذلك بعامين. حوّل أولوكايا "شوباني" عبر تقديم اللبن الرائب الكثيف على الطريقة اليونانية إلى الجماهير، إلى شركة قوية تبلغ قيمتها 1.6 مليار دولار ولديها اليوم مصانع في جنوب إدمستون بنيويورك وتوين فولز بإيداهو وداندينونغ ساوث بأستراليا.

بولندا تُحكم حدودها لمنع تدفق الأفغان المهاجرين عبر بيلاروسيا

كان لدى شركة "شوباني" وظائف أكثر مما يمكن للمجتمعات الريفية المحيطة بمصنعها في داندينونغ ساوث شغلها بحلول 2010. زار أولوكايا مركزاً للاجئين في مدينة أوتيكا القريبة وتواصل على الفور مع الأشخاص الذين التقى بهم من جميع أنحاء العالم والذين كانوا حريصين على بناء حياة جديدة. قال: "علمتني تجربتي أن جهلي باللغة الإنجليزية وعدم حيازة رخصة قيادة لا علاقة له بقدراتي". كان أداء الأشخاص المعينين حديثاً جيداً للغاية، وأثروا ثقافة الشركة بعمق لدرجة أنه كرر عملية التوظيف في مصنع "شوباني" في ولاية أيداهو. اليوم، تضم شركة "شوباني" مئات اللاجئين والمهاجرين بين موظفيها البالغ عددهم 2400 موظف.

وعود لم تُنفذ

أسس أولوكايا منظمة "تينت" في 2016 لإقناع شركات أخرى لتحذو حذوه. كانت السنوات القليلة الأولى مليئة بالمطبات، حيث خفّض الرئيس آنذاك دونالد ترمب سقف قبول اللاجئين في البلاد من 110 آلاف في السنة إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 15 ألفاً. دعا المعلقون من الجناح اليميني إلى مقاطعة "شوباني" كما تلقى أولوكايا تهديدات بالقتل. رغم أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر ترحيباً باللاجئين في عهد الرئيس جو بايدن، إلا أن إدارته لم تتمكن إلا من إعادة توطين أقل من 18000 لاجئ حتى تاريخ 31 يوليو، وهو جزء صغير من هدفها البالغ 125000 للسنة المالية التي تنتهي في 30 سبتمبر. وفي تلك الأثناء تزداد أزمة اللاجئين العالمية سوءاً مع أخذ أعداد الأوكرانيين النازحين بعين الاعتبار، حيث بلغ الآن عدد اللاجئين 36 مليوناً في جميع أنحاء العالم، حسب "تينت".

ما حقيقة تباطؤ حركة الهجرة العالمية؟

قال أولوكايا إنه يشجعه التقدم الذي أحرزه عالم الشركات في السنوات الأخيرة رغم العقبات. يكافئ المستهلكون العلامات التجارية التي توظف اللاجئين، على حد قوله، كما أصبح الرؤساء التنفيذيون ومديرو الموارد البشرية الذين يتحدث معهم أكثر انفتاحاً للاستفادة من عدد النازحين الهائل. نظمت "تينت" قمة الأعمال التجارية الأميركية حول اللاجئين المقرر عقدها في 19 سبتمبر في مدينة نيويورك، ويشارك أولوكايا وألبرت بورلا الرئيس التنفيذي لشركة "فايزر" وآخرون باستضافتها، حيث ستعلن مجموعة من الشركات عما تسميه "تينت" التزامات "محددة وقابلة للقياس" لتوظيف اللاجئين على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

هدفها العثور على مزيد من الناس من أمثال ظريفي الذي ترقى ليصبح مساعد مشغل بعد بضعة أشهر من عمله لدى "أمكور"، وأصبح مسؤولاً عن تغليف المنتجات النهائية ووضعها على منصات نقالة والمساعدة بتشغيل آلة تقطيع لفات الأغلفة المستخدمة في مجموعة متنوعة من المنتجات الاستهلاكية. أصبح لديه ساق صناعية جديدة وتأمين صحي، ويكسب ما يكفي لإرسال المال إلى والديه وأشقائه الستة في أفغانستان. كما أصبح لدى "أمكور" موظف مجتهد وممتن ومتفانٍ. أما ما يحصل عليه ظريفي، فيعرفه أولوكايا أكثر من أي شخص آخر وهو ما يسميه: "بداية جديدة وحياة جديدة كلياً".

تصنيفات

قصص قد تهمك