تقرير حكومي سري يرسم صورة قاتمة لمستقبل اقتصاد روسيا بعد الغزو

التقرير الداخلي الذي أعده مسؤولون وخبراء يخالف حالة التفاؤل في تصريحات أعضاء الحكومة

time reading iconدقائق القراءة - 17
شارع تفرسكايا ومتحف الدولة التاريخي في موسكو بروسيا. - المصدر: بلومبرغ
شارع تفرسكايا ومتحف الدولة التاريخي في موسكو بروسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ربما تواجه روسيا ركوداً أطول وأكثر حدة مع انتشار تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية، ما يعرقل القطاعات التي اعتمدت عليها البلاد لأعوام لتزويد اقتصادها بالكهرباء، بحسب تقرير داخلي أعدته الحكومة.

الوثيقة، الناتجة عن أشهر من عمل المسؤولين والخبراء سعياً لتقييم التأثير الحقيقي للعزلة الاقتصادية نتيجة العقوبات على روسيا بسبب غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ترسم صورة أسوأ كثيراً مما يقوم به المسؤولون عادة عبر تصريحاتهم العلنية المتفائلة. اطلعت "بلومبرغ" على نسخة من التقرير الذي جرت صياغته خلال اجتماع مغلق لكبار المسؤولين في 30 أغسطس الماضي. وأكد أشخاص مطلعون على المداولات صحته.

3 سيناريوهات

يوضح اثنان من السيناريوهات الثلاثة الواردة في التقرير تسارع الانكماش الاقتصادي خلال السنة المقبلة، مع عودة الاقتصاد إلى مستويات ما قبل الحرب فقط في نهاية العقد الجاري أو بعد ذلك. يرى سيناريو "القصور الذاتي" أن الاقتصاد سيبلغ أدنى مستوياته في العام المقبل بنسبة 8.3% أقل من مستوى 2021، في حين أن سيناريو "الإجهاد" يضع أدنى مستوى للاقتصاد في عام 2024 عند 11.9% دون مستوى العام الماضي.

تتوقع كافة السيناريوهات أن تتصاعد ضغوط العقوبات، مع احتمال انضمام دول أكثر إليها. وقال التقرير إن ابتعاد أوروبا بشدة عن النفط والغاز الروسيين ربما يلحق أيضاً الضرر بقدرة الكرملين على إمداد سوقها الخاصة.

علاوة على القيود ذاتها، والتي تطال نحو ربع الواردات والصادرات، يبين التقرير بالتفصيل كيف تواجه روسيا حالياً "حصاراً أضر فعلياً بكافة صور النقل"، ما عزل اقتصاد البلاد بشكل أكبر. وتزيد القيود التكنولوجية والمالية من الضغوط. ويقدر التقرير أن ما يصل إلى 200 ألف متخصص في تكنولوجيا المعلومات ربما يرحلون عن البلاد مع حلول 2025، وهو أول توقع رسمي يصدر بخصوص هجرة العقول المتزايدة.

بصورة علنية، يقول المسؤولون إن تأثير العقوبات جاء أقل مما كان متوقعاً، مع احتمال وقوع انكماش أقل من 3% السنة الحالية وحتى بقدر أقل سنة 2023. كما عدل خبراء الاقتصاد الخارجيين توقعات العام الجاري، وتراجعوا عن التوقعات الأولية بوقوع ركود حاد، إذ تماسك الاقتصاد بصورة أفضل من المتوقع.

هبوط التصدير

تطالب الوثيقة باتخاذ مجموعة تدابير لتدعيم الاقتصاد ومزيد من تخفيف تأثير الإجراءات التقييدية من أجل تعافي الاقتصاد إلى مستويات ما قبل الحرب في 2024، وتحقيق نمو مستقر بعد ذلك. لكن الخطوات تتضمن الإجراءات العديدة نفسها لتحفيز الاستثمار التي روجت لها الحكومة على مدى العقد الماضي، عندما كان النمو في حالة ركود بطريقة هائلة حتى بدون عقوبات مفروضة.

حولت الخدمة الصحفية الحكومية استفساراً بشأن التقرير إلى وزارة الاقتصاد، التي لم ترد فوراً على طلب للتعليق على الأمر.

في ظل تلاشي القدرة على الحصول على التكنولوجيات الغربية، وموجة سحب استثمارات الشركات الأجنبية ورياح ديموغرافية غير مواتية مقبلة، من المنتظر أن يتراجع النمو المحتمل للبلاد إلى نسبة تتراوح من 0.5% إلى 1.0% خلال العقد المقبل. عقب ذلك، سيهبط أكثر إلى مستوى فوق الصفر بقليل مع حلول 2050. ستكون روسيا أيضاً عرضة بطريقة متنامية لتراجع أسعار السلع الأساسية على مستوى العالم، حيث لم تعد توفر الاحتياطيات الدولية جدار حماية. - إلكسندر إيزاكوف، خبير اقتصادي روسي

ما تقوله "بلومبرغ إيكونوميكس"

خلال العام أو العامين المقبلين، يحذر التقرير من "حجم الإنتاج المنخفض لمجموعة من القطاعات المخصصة للتصدير"، بداية من النفط والغاز وصولاً إلى المعادن والكيماويات والمنتجات الخشبية. وبينما من الممكن تحقيق قدر من التعافي لاحقاً، "سينتهي عمل هذه القطاعات كمحركات للاقتصاد".

بحسب التقرير، فإن القطع الكامل للغاز عن أوروبا، سوق التصدير الأساسية لروسيا، قد يكلف خسارة ما يبلغ 400 مليار روبل (6.6 مليار دولار) سنوياً من عائدات الضرائب. ولن يكون في الإمكان تعويض الخسارة في المبيعات كاملة عبر أسواق التصدير الجديدة حتى في الأجل المتوسط.

أضرار قطاع النفط

قال التقرير إنه سيتوجب تقليص الإنتاج على إثر ذلك، ما يهدد أهداف الكرملين الخاصة بزيادة إمدادات الغاز المحلية. ويعد نقص التكنولوجيا اللازمة لمحطات الغاز الطبيعي المسال مسألة "حرجة"، وربما تعرقل جهود تشييد محطات جديدة.

قد تقلص خطط أوروبا لوقف استيراد المنتجات النفطية من روسيا - نحو 55% من الصادرات ذهبت إلى أسواقها العام الماضي - الإنتاج بطريقة حادة، ما يترك السوق المحلية تواجه نقصاً في الوقود أيضاً.

ذكر التقرير أن منتجي المعادن يخسرون 5.7 مليار دولار سنوياً نتيجة عمليات فرض القيود، محذرا من أنه إذا دخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود، فقد تشهد روسيا هبوطاً أكبر في الصادرات لأنها ستصبح "المُورد المتأرجح" في الأسواق العالمية، في ظل تلاشي الطلب على منتجاتها أولاً. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض في سعر صرف الروبل وزيادة التضخم.

لفت التقرير إلى أنه على صعيد الاستيراد، يعتبر الخطر الأساسي في الأجل القصير هو توقف الإنتاج نتيجة نقص المواد الخام والمكونات المستوردة، وفي الأجل البعيد، يمكن أن يحد عدم القدرة على إصلاح المعدات المستوردة من النمو بصورة دائمة.

"الواردات المهمة"

أوضح التقرير أنه "ببساطة ليس هناك موردون بديلون لبعض الواردات المهمة". وحتى في القطاع الزارعي، حيث يروج الكرملين لجهوده لاستبدال الإمدادات الأجنبية، فإن الاعتماد على المدخلات الرئيسية قد يضطر الروس للحد من الاستهلاك الغذائي لديهم مع تراجع ​​الإمدادات.

قد تدفع القيود المفروضة للحصول على التكنولوجيا الغربية روسيا جيلًا أو جيلين خلف المواصفات الحالية، لأنها مضطرة للاعتماد على بدائل أقل تطوراً توفرها الصين ودول جنوب شرق آسيا.

يحذر التقرير من أن العقوبات ستُجبر الحكومة أيضاً على إعادة النظر في مجموعة أهداف للتنمية حددها "بوتين" قبل نشوب الحرب، بما فيها تلك الخاصة بزيادة النمو السكاني ومتوسط ​​العمر المتوقع للسكان.

تفاصيل أكثر

يوضح التقرير تفاصيل انتشار تأثير العقوبات على أساس كل قطاع:

الزراعة: يقوم 99% من إنتاج الدواجن و30% من إنتاج أبقار "هولشتاين" على الواردات. كما تُجلب بذور المواد الغذائية الرئيسية على غرار بنجر السكر والبطاطس في معظمها من خارج البلاد، وكذلك أعلاف الأسماك والأحماض الأمينية.

الطيران: يُنقل 95% من حجم الركاب على متن طائرات أجنبية الصنع، وقد يقلص عدم الحصول على قطع الغيار المستوردة الأسطول عند خروجها من الخدمة.

تصنيع الآلات: تمتلك روسيا 30% فقط من أدوات الميكنة محلية الصنع ولا يوجد لدى الصناعة المحلية القدرة على تلبية الطلب المتنامي.

المستحضرات الدوائية: تُعول روسيا على المواد الخام المستوردة في نحو 80% من الإنتاج المحلي.

النقل: ضاعفت القيود المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي تكاليف الشحنات البرية 3 مرات.

الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: قد تترك القيود المفروضة على شرائح الهواتف المحمولة روسيا تعاني من النقص فيها مع حلول 2025، في حين أن قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية قد يتخلف 5 أعوام عن القطاعات الرائدة حول العالم في 2022.

تصنيفات

قصص قد تهمك