بلومبرغ
لفح القيظ ثُمن سكان الأرض على مدى ستة أشهر خلت، فقد تخطت درجات الحرارة في مناطق شاسعة من الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا عتبة 40 درجة مئوية لعدة أيام متتالية في مارس الذي عادة ما يكون شهراً منعشاً نسبياً. رغم أن جنوب آسيا معروف بصيفه الحار، إلا أن درجات الحرارة القياسية سُجّلت باكراً هذا العام.
قتلت موجات الحرّ 280 إنساناً في الهند بين مارس ومايو، حسب إحصاء جزئي شمل 16 ولاية ولم تقدم الدول الأخرى أرقاماً رسمية. كما أتت درجات الحرارة القياسية على المحاصيل مع تراجع الأمطار دون معدلاتها السنوية فحوّلت الغابات إلى أرض محروقة. رغم هبوب الرياح الموسمية في نهاية مايو، بقيت السهول في شمال الهند وأجزاء من باكستان تعاني من درجات حرارة ومعدلات رطوبة أعلى من المعتاد.
بدأ سكان شبه القارة الهندية المقدّر عديدهم بـ1.9 مليار نسمة يعون احتمال أن يصبح الحرّ الشديد واقعهم الجديد. قالت شانديني سينغ التي شاركت في إعداد التقرير التقييمي السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، الذي ركز على مسألة التكيف مع التغير المناخي، أن ما يجري "ليس عابراً". قالت إن درجات الحرارة "تنسجم مع ما كنّا نتوقعه نتيجة التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية". كما افترضت ورقة بحثية نشرت في مايو أن موجات الحر التي اجتاحت العالم هذا العام زاد احتمالها أكثر بثلاثين مرة بسبب التغير المناخي.
أعلنت الهند في 2015 عن إنشاء صندوق تكيف وطني مع التغير المناخي ورصدت له مبلغاً أولياً بقيمة 3.5 مليار روبيه (44 مليون دولار). إلا أن الميزانية المخصصة له تراجعت تدريجياً في السنوات الخمس الماضية، مع انتقال التوجه الحكومي نحو جمع الأموال من خلال بيع السندات الخضراء وما تصفه الحكومة بالتمويل المختلط، الذي يمزج ما بين التمويل العام والخاص. فيما بدأت باكستان رسمياً العمل على صياغة خطتها الخاصة بالتكيف الوطني في يونيو من العام الماضي.
دعم مالي لم يصل
من شأن درجات الحرارة القصوى التي سجلتها القارة الآسيوية وموجة الحرّ غير المسبوقة التي اجتاحت أجزاء من أوروبا أن ترسم ملامح الحوار حول تقاسم تكلفة محاربة التغير المناخي والتكيف معه في المرحلة المقبلة من المحادثات المناخية الدولية المرتقبة في مصر في نوفمبر.
كانت الدول الغنية المسؤولة عن 79% من إجمالي انبعاثات الغازات في العالم قد تعهدت في قمّة كوبنهاغن المدعومة من الأمم المتحدة في 2009 بتخصيص 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2020 لمساعدة الدول الأفقر على الانتقال نحو موارد طاقة نظيفة وعلى حماية نفسها من المخاطر المتنامية الناجمة عن موجات الحرّ والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات. إلا أن الدول الغنية لم تقدم إلا 20.1 مليار دولار لتمويل جهود التكيف في الدول في طور النموّ حتى الآن، فيما تعهدت بالمبالغ الأكبر، أي نحو 80 مليار دولار للتخفيف من آثار التغير المناخي.
قد تحتاج دول في طور النموّ، بينها الهند وباكستان إلى 300 مليار دولار بحلول نهاية هذا العقد و500 مليار دولار بحلول 2050 للتكيف مع تغيّر المناخ، حسب تقديرات الأمم المتحدة. ستغطي هذه الأموال مجموعة حلول، بدءاً من تلك البسيطة المباشرة مثل زيادة استخدام أجهزة التكييف، وصولاً إلى الأصعب، مثل انتقال مجتمعات كاملة تسكن في مناطق ما عادت صالحة لحياة البشر.
يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي أعلن عن خطة بلاده لتصفير انبعاثات الكربون بحلول 2070، لتأمين تريليون دولار خلال العقد المقبل من الدول الغنية من أجل المساعدة في عملية التحول. كانت بلاده قد حققت انتصاراً الشهر الماضي مع انضمام بنك الاستثمار الأوروبي إلى أستراليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ليصبح جزءاً من ائتلاف مؤلف من أكثر من ثلاثين دولة بقيادة الهند لرصد الأموال من أجل إنشاء بنية تحتية مقاومة للمناخ.
فيما يسعى التكنوقراط من مكاتبهم المكيفة لتأمين مزيد من الأموال، يتعيّن على المجتمعات المتضررة أن تتوصل إلى استراتيجياتها الخاصة التي غالباً ما تقوم على ميزانيات ضئيلة. أرسلت بلومبرغ نيوز في شهري يونيو ومايو مراسلين إلى ثلاثة مواقع في الهند وموقع في باكستان لرصد تكيف السكان هناك مع التغير المناخي. زرنا قرى قبلية في أدغال وسط الهند، حيث أسلوب الحياة المتجذر لقرون من التاريخ بات مهدداً بحرائق الغابات، ومزارع إنتاج ألبان في غرب البلاد حيث يكافح المزارعون لحماية قطعانهم من الحرّ الشديد، إضافة إلى مدينة ساكنة على سفح جبال الهمالايا تسجل ارتفاعاً في الإقبال على مكيفات الهواء. في باكستان، توجهنا إلى جاكوب آباد التي تُسجّل فيها درجات حرارة مصحوبة مع رطوبة تفوق قدرة تحمّل البشر، لنكتشف كيف تعالج المستشفيات ذات الموارد المحدودة عدداً قياسياً من المصابين بضربات الحرّ.
مكافحة حرائق الغابات
جلس بريم نارايان الستيني القرفصاء أمام كوخه ورسم دائرة على التراب الجاف وقال "إنها بهذا الحجم"، واضعاً راحة يده اليمنى داخل الدائرة الأوسع للتأكيد على حجم مخالب الفهد.
فقد أصبح السنوري الضخم زائراً ليلياً متكرراً لبركة الصغيرة خلف منزل نارايان على طرف إحدى الغابات في مقاطعة سيهور في ماديا براديش في وسط الهند منذ مارس. يقضّ هذا الأمر مضجع نارايان بما أنه ينام مع زوجته وولديه في الخارج في الليالي الحارة جداً وقد باتت كثيرة هذا الصيف.
تظلل أدغال ماديا براديش أشجار كثيفة من خشب الساج وأبنوس شرقي الهند والماهوا والأشار. تعمل عائلة نارايان كما سواها من عائلات المنطقة في حصاد أوراق الأبنوس المستخدمة في تغليف التبغ لصنع سجائر "بيدي" الهندية، فيما تستخدم بذور الأشار والصمغ الطبيعي والعسل وأزهار ماهوا في إعداد مأكولات وأدوية. كما تزرع بعض القبائل محاصيل موسمية في فسحات في الغابة.
إلا أن ارتفاع درجات الحرارة يهدد غابات الهند التي تسهم في إعالة 275 مليون نسمة وهي قادرة على امتصاص 3 مليارات طنّ من ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030. ترزح نحو 65% من الولايات الهندية تحت تهديد حرائق الغابات، حسب إحدى الدراسات مقارنة مع 58% في العقد الماضي. رغم أن القبائل المحلية تحرق في العادة الشجيرات في الأدغال لتسهيل قطف أزهار الماهوا وأوراق الأبنوس أو لإفساح المجال لزراعة الكفاف، فإن درجات الحرارة القياسية والجفاف يتحملان مسؤولية الدمار غير المسبوق في السنوات الماضية.
تسبب القيظ في سيهور، بزيادة عدد حرائق الغابات بأكثر من الضعف ليبلغ ثمانية حرائق في الشهر. قال كبير محافظي الغابات في ماديا براديش جاسبير سينغ تشوهان إنه استعداداً لفترة الصيف الممتدة بين 12 و14 أسبوعاً قبل الرياح الموسمية، حين كان خطر الحرائق في أوجه، انكب فريقه على حفر آبار تعمل بالطاقة الشمسية وبناء السدود الترابية على الأنهار. كما بدأوا بإعادة ملء حفر المياه عبر نقل المياه في صهاريج. إذ غالباً ما يؤدي تقلص حفر المياه في الصيف إلى نزاعات بين الفهود والنمور ولتعرض الحيوانات للبشر من أجل المياه.
وقف سايا رام الذي يعتمد سكان قريته البالغ عددهم 800 نسمة بشكل كامل على الغابة لكسب رزقهم وسط جذوع الأشجار المحترقة بعدما دمّر حريق ظلّ مشتعلاً طوال الليل قبل بضعة أيام نحو 50 فداناً من الأراضي حسب تقديره. لجأ وسكان قريته لاستخدام أوراق أشجار الساج الضخمة لإخماد الشجيرات المحترقة، لكن ما إن وصل الحريق إلى الأشجار، لم يتبق أمامهم إلا الاستسلام.
لم تنمُ كثير من أجناس الأشجار المحلية، ومنها موشام حسب التسمية المحلية التي يساعد لحاؤها على تبريد الجسم في الصيف، مجدداً بعد الحرائق السابقة. (لاحظ علماء البيئة في أميركا الشمالية علاقة بين التغير المناخي وتراجع مرونة الغابات بعد الحرائق). لذا أرسل رام ابنه إلى المدينة ليحصّل تعليمه في مدرسة داخلية تشرف عليها إحدى الجمعيات الخيرية على أمل ألا يضطر الجيل المقبل من عائلته للاعتماد على الأدغال الآخذة بالانحسار.
قال جي. أن. كانسوتيا، المسؤول الأعلى في الولاية لشؤون البستنة والصناعة الغذائية: "يجب على التكيف أن يشتمل تخفيف الضغط على الغابات... يجب أن نضمن بأن الأشخاص الذين يعتمدون على الغابات لديهم فرص إنتاج وأن يتلقوا التدريب على مهارات في قطاع الخدمات ويحصلوا على فرص عمل في الصناعة، حتى لا يضطر الشباب للاعتماد على الغابات".
حرّ قاتل
ترقد شيهنيلا على سرير في الجناح المخصص لمرضى ضربات الحرّ في المستشفى المدني في جاكوب آباد في باكستان، وهي ترتدي سروالاً وقميصاً فضفاضين تقليديين لونهما بنيّ مع أساور باللون نفسه تزين يديها المزينتين بالحناء، فيما يراقب زوجها ووالدتها وحماتها الطبيب وهو يعطيها حقنة وريدية لمعالجتها من الجفاف.
قالت المريضة البالغ عمرها 20 عاماً وتعرف عن نفسها باسمها الأول فقط كما كثير من الباكستانيات: "بدأت فجأة أتقيأ في زفاف أحد أقاربنا مساء أمس، ثمّ أصابني إسهال... يقولون إن هذا بسبب موجة الحرّ".
شيهنيلا واحدة من كثير من المرضى الذين اكتظت بهم مستشفيات المقاطعة التي يسكنها أكثر من مليون نسمة غالبيهم من صغار المزارعين والتجار والعمال المياومين في إقليم السند جنوب باكستان، حيث تجاوزت الحرارة في مايو 51 درجة مئوية.
رغم أن المقاطعة تُعرف تاريخياً بطقسها الجاف والقاحل، إلا أن موجة الحرّ هذا العام كانت قاسية جداً. في جاكوب آباد، تخطت درجات الحرارة 38 درجة مئوية في مارس، وظلّت على هذا المعدل طيلة يونيو، لكنها تجاوزت في بعض الأيام 49 درجة مئوية.
تُعدّ جاكوب آباد واحدة من مناطق قليلة في العالم تخطت فيها درجات الحرارة عتبة درجة حرارة الهواء الرطب البالغة 35 درجة مئوية، وهي تُعتبر نظرياً الحدّ الأقصى الذي يتحمّله البشر. إلا أن درجة حرارة الهواء الرطب التي غالباً ما يُشار إليها باسم "الحرارة الملموسة" أو "مؤشر الحرارة" في الولايات المتحدة تقيس المزيج بين الحرارة والرطوبة، ما يعني أن تسجيل حرارة تبلغ 35 درجة مئوية يماثل ما يساوي 71 درجة تقريباً.
صحيح أن درجة الحرارة في جاكوب آباد لم تتخطّ هذه العتبة هذا العام، مع ذلك سجلت باكستان 65 حالة وفاة على الأقل نتيجة الحرّ حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
تُعدّ ضربات الحرّ المرض الأخطر الذي يسببه الحرّ الشديد، حيث إن التعرض لفترة طويلة لدرجات حرارة مرتفعة إلى جانب الجفاف قد يؤدي إلى قصور في جهاز التحكم بالحرارة داخل الجسم. يصف الطبيب شير محمد بروهي الذي يدير قسم المرضى الخارجيين في معهد جاكوب آباد للعلوم الطبية الحالة قائلاً إن المرضى يعانون فجأة من ارتفاع في درجة الحرارة ويتوقفون عن التعرق. قد تُسبِّب ضربات الحرّ إن لم تُعالج فشلاً كلوياً ونزيفاً دماغياً. قال الطبيب بروهي إن وحدته التي تضمّ أربعة أسرّة استقبلت 10 إلى 12 مريضاً يومياً منذ الأسبوع الأخير من مايو حتى نهاية يونيو.
أجهزة التكييف هي الطريقة المثلى لتجنّب الإصابة بالأمراض الناجمة عن الحرّ، إلا أن سكان جاكوب أباد والمؤسسات المحلية يعانون انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، ما يعقّد استجابة خدمات الطوارئ لاتصالات الاستغاثة.
في معهد الطبيب بروهي، من النادر أن ينقطع التيار الكهربائي بما أن المبنى مزوّد بألواح شمسية. حتى أن الطبيب نفسه أصبح أشبه بالمنظّر للطاقة الشمسية. قال: "أشعة الشمس قوية لما يصل إلى 12 ساعة هنا... لدينا هذه الميزة النسبية، أي درجات الحرارة الأعلى التي تمنح نظام الطاقة الشمسية لدينا فولتية كاملة".
لا تتجاوز نسبة العمال في جاكوب أباد القادرين على تجهيز منازلهم بأنظمة طاقة شمسية 10%. أمّا البدائل الأقل تكلفة لتبريد المنازل، تشمل غرس مزيد من الأشجار من أجل ظلالها. يُعرف شجر النيم، الذي ينتمي إلى عائلة الماهوجيني، بمقاومته القوية للحرارة، ما يجعله مرشحاً جيداً.
فيما يفضّل السكان الميسورون الانتقال من المنقطة في فصل الصيف الحار، إلا أن آخرين، أمثال شيهنيلا لا خيار أمامهم إلا الصمود. قالت: "نحن عائلة من 11 شخصاً، لا يمكننا تحمّل تكلفة شراء مزيد من مكيفات الهواء... زوجي يعمل خياطاً".
إبقاء الأبقار منتعشة
تُعدّ أبقار هولستين فريجن مثل تلك التي تملكها غاياتري ريتيش كومار باتيل الجنس الأنسب لمزارع الألبان طيلة العام باستنثاء موسم الحرّ. فهي في العادة أكثر خصوبة، وأمد حياتها أطول وتدرّ حليباً أكثر من الأجناس الأخرى.
لكنها تعاني من مشكلة تصعّب الأمور على باتيل في فصل الصيف، فهي لا تتحمل الحرّ. تبدأ أبقارها تنفق في كلّ عام مع ارتفاع درجات الحرارة فينخفض إنتاج الحليب في المزرعة التي تملكها مع زوجها في ولاية غوجارات في غرب الهند بنحو 25% و30%.
تولّد الأبقار وتمتص حرارة أكبر ممّا يمكنها تصريفه عبر التنفس والتعرق، ما يخفف شهيتها ويقلل إدرارها فتزيد احتمالات إصابتها بالأمراض ونفوقها، وتتراجع خصوبتها وقدرتها على الحفاظ على الحمل حتى اكتمال العجل. يطلق العاملون في مجال الألبان على ذلك تسمية "الإجهاد الناجم عن الحرّ".
ليست باتيل الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة، فالهند هي أكبر منتج للحليب في العالم، وتسهم في نحو ربع إجمالي الامدادات العالمية. يُستهلك معظم هذا الإنتاج محلياً، فيما صدرت الهند 108711 طنّاً من منتجات الألبان بقيمة نحو 391 مليون دولار في السنة المالية 2021-2022.
كان الباحثون قد حذّروا في دراسة نُشرت في دورية "لانسيت" من أن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن التغير المناخي قد يؤدي لانخفاض إمدادات الحليب 25% في بعض المناطق بحلول 2085. نشرت مطبعة جامعة كامبردج تقريراً خاصاً في مايو توقعت فيه أن تتكبد الهند خسائر اقتصادية تصل إلى 158 مليون دولار بسبب انخفاض إنتاج الحليب الناجم عن الحرّ بين 2010 و2039.
تستعد باتيل، 43 عاماً، في المزرعة لمواجهة فصول الصيف المقبلة التي يُتوقع أن تكون أشد وطأة. استثمرت في 2018 في رشاشات مياه عالية الضغط، واشترت هذا العام مرواح ضخمة تدور كلّ يوم لخمس ساعات بلا توقف تقريباً ابتداءً من الظهيرة في الأشهر الأكثر حرارة.
تأمل باتيل أن تقدم الحكومة دعماً لشراء ألواح شمسية "حتى نشغل المرواح وأجهزة الرذاذ لفترة أطول". كما تحفر باتيل بعض الخنادق الصغيرة في المزرعة وتبلل الأرض كي تستلقي الأبقار في الطين لتبترد. حتى أن بعض المزارعين يعطون الأبقار مشروبات الإلكتروليتات لتفادي إصابتها بالجفاف.
تخطط باتيل على المدى الطويل لزيادة عدد الأبقار من نوع "غير"، وهي جنس أبقار هندية أقدر على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة، وهي أكثر مقاومة لبعض الأمراض. رغم أن تلك الأبقار ليست ولّادة بقدر هولستين فريجن، إلا أن باتيل تقول إن حليبها الأعلى جودة "سيُباع بأسعار جيدة".
تنتج مزرعة باتيل 350 ليتراً من الحليب في اليوم، وتبيعها لشركة "أمول ديري" التابعة لعلامة "أمول" التجارية الأكبر في الهند. تدعم الشركة أسعار البسط والمرواح ورشاشات المياه للمزارعين، وتبيع العلف المدعّم بالفيتامينات والمعادن. كما تعتزم مساعدة المزارعين على وضع طبقة عاكسة للحرّ على أسطح إسطبلات الأبقار بتكلفة أقل. قال أميت فياس، المدير الإداري للشركة: "التغير المناخي هو أحد أكبر التحديات في هذه المرحلة".
مخاطر التطوير العقاري
يتذكر بالجيندر سينغ زمناً لم تكن هناك فيه أي مراوح سقف في ديهرادون الواقعة في وادي الهمالايا شمال الهند. حتى أن الرجل الذي بلغ عمره 54 عاماً يقول إن الكهرباء كانت تُفصل عن البرادات في الشتاء "لترييح الآلات". أمّا المكيفات فلم يكن أحدٌ قد سمع عنها.
يبيع سينغ حالياً نحو 1400 مكيف كلّ صيف، وهو ما يمثّل خمس الإيرادات السنوية لمتجر الأدوات الكهربائية الذي يملكه والذي ينتشر مئات مثله في أرجاء ديهرادون. علّق سينغ على تغير الطقس في المدينة التي تضمّ نحو 750 ألف نسمة قائلاً "كان التحوّل جذرياً... لم تظهر أجهزة تكييف الهواء في مدن مثل ديهرادون إلا منذ 15 أو 20 سنة، وتسجل سوقها نموّاً".
تقع ديهرادون على ارتفاع 670 متراً، أي تقريباً نفس ارتفاع بلدة التزلج الألمانية وينتيربرغ، وكانت تُعرف بصيفها المعتدل وأنهارها النظيفة وغطائها النباتي الكثيف حتى تسعينيات القرن الماضي، حسب وصف جايا سينغ، التي تدير مزرعة عضوية في المنطقة. كانت المنطقة تشتهر أيضاً بمدارسها الداخلية النخبوية، مثل مدرسة دون" التي تضمّ بين متخرجيها رؤساء حكومات سابقين. لكن هذا العام، سجلت ديهرادون درجة حرارة قصوى بلغت 40.2 درجة مئوية في 6 يونيو، وي درجة الحرارة الأعلى منذ عقد.
قالت سينغ، 61 عاماً: "تغيّرت الأوضاع ابتداءً من 2000 حين أصبحت ديهرادون عاصمة لولاية أوتاراخاند"، في إشارة إلى قرار الهند ضمّ 13 مقاطعة في الهمالايا تحت الولاية 23 التي تتشارك حدوداً مع التبت والنيبال. أضافت: "عندها بدأ قطع الأشجار لشقّ طرقات جديدة وبدأت لعنة التطوير العقاري". خسرت الولاية الفتية 50 ألف فدان من الغطاء الشجري على مرّ عقدين، حيث قُطعت الغابات من أجل شقّ الطرقات وجلب النازحين والسياح، في ظلّ توسع أعمال التعدين وإنتاج الطاقة الكهرومائية.
ألقى هذا التطوير العقاري الجديد بثقله على النظام البيئي الحساس بالغ الأهمية. إذ تضمّ ولاية أوتاراخاند 1439 تكتلاً جليدياً في الهملايا، ينبع منها نهر الغانج، مصدر المياه العذبة الرئيسي الذي يغذي نصف سكان بنغلاديش والهند وباكستان. أعلنت إدارة المقاطعة في 2019 أن 270 فداناً غنية بالأسطح المائية بينها جداول وقنوات قد استُغلت للبناء منها 100 فدان في ديهرادون.
قال هيمانشو أرورا، 43 عاماً، الذي ينتمي مع سينغ إلى جمعية "مواطنين من أجل مدن خضراء": "دفعنا ثمناً باهظاً لنغدو مدينة كبيرة". وكانت الجمعية قد أطلقت حملات من أجل إنقاذ أشجار المدينة من "التطوير غير القائم على الاستدامة"، وشاركت في جهود لمنع الحكومة المحلية من تمهيد 87 هكتار من محمية "فيلة شيفاليك" لتوسيع المطار المحلي.
عايش مانغيش بال ارتفاع درجات الحرارة على مرّ فصول صيف في العقود التي عمل بها في البساتين في ضواحي ديهرادون. اليوم، بات العامل الستيني يقسم نهار عمله إلى ورديتين لتجنب التعرض لأشعة الشمس خلال موجات الحرّ المتكررة. أمّا مياه النهر فما عادت تتجمد في الشتاء.
تقدّم ديهرادون دليلاً على عدم إيلاء الهند ما يكفي من الاهتمام أو التمويل للتكيف المناخي الحضري، رغم أنه يُتوقع أن يعيش نصف سكان البلاد في المدن بحلول 2050. كان برنامج رئيس الوزراء مودي لعام 2016 الذي كان قد رُوّج له بشكل واسع ويهدف لإنشاء 100 "مدينة ذكية" مستدامة بيئياً بحلول 2023 قد واجه كثيراً من التأخير، بالأخص في فترة الوباء حسب البيانات الحكومية.
يجلس سينغ في متجره يحاول تخيل المستقبل. قال: "القادرون على شراء أجهزة التكييف سيشترونها، ولكن ماذا عن ملمّع الأحذية الذي يجلس في الشمس؟ ثم هل العيش في بيئة مكيّفة خلف أبواب مغلقة صحي؟".