بلومبرغ
جمعت شركة الماشية "كونيكسيون غاناديرا" (Conexión Ganadera) التابعة لبابلو كاراسكو في أوروغواي قطيعاً قيمته 100 مليون دولار على مدى 23 عاماً، وقد حوَّل كاراسكو جيلاً من رواد المدينة إلى مُربي ماشية رابحين بمرور الوقت.
تتولى شركة كاراسكو حوالي 120 ألف بقرة نيابة عن حوالي 1,400 مستثمر من الأفراد، معظمهم من سكان أوروغواي، ويواجه كاراسكو الآن مشكلة يحسد عليها وهي أنه لديه قائمة انتظار لشراء أبقار بقيمة 30 مليون دولار، لكن ليس لديه أراضٍ لترعى فيها. لذا تروج شركته مراعٍ على مستثمرين محتملين.
قال المؤسس المشارك كاراسكو في مقابلة في مكتبه في مونتيفيديو، المُزين بسجاد من جلد البقر: "إن مشكلتنا ليست المستثمرين بل العثور على أماكن لوضع الماشية".
تُعد أموال التجزئة التي تتدفق إلى الماشية بمثابة رهان على أن الأبقار ستستمر في كونها أصولاً قيِّمة حتى مع تعرض الميثان الذي تنتجه الأبقار للتدقيق المتزايد من النشطاء والمستهلكين والحكومات.
ترتبط الماشية ارتباطاً وثيقاً بتاريخ أوروغواي وهويتها حيث تصل حصة الفرد فيها لأكثر من ثلاث بقرات.
مهَّدت سلالة الأبقار الأيبيرية السوداء، التي أدخلها الإسبان في أوائل القرن السابع عشر، الطريق لسلالات مثل أنغوس وهيرفورد وغيرهما من السلالات الإنجليزية في أواخر القرن التاسع عشر. كما ساهم ظهور سفن الشحن المبردة بقيام صناعة لتوضيب اللحوم ذات مستوى عالمي.
تنتج وتستهلك بوفرة
تُصنف أوروغواي دائماً بين أكبر 10 مصدرين للحوم البقر عالمياً، حيث شحنت مصانع تعبئة اللحوم 423,390 طناً، بقيمة تزيد عن 2.4 مليار دولار في 2021. رغم أن معظم لحوم تلك الأبقار تذهب الى مطابخ الصين، التي تستحوذ على ثلثي الإنتاج، وتليها أوروبا وأميركا، إلا أن الأوروغوايين أيضاً من بين أكثر شعوب العالم استهلاكاً للحوم البقر، حيث بلغ استهلاك الفرد 46 كيلوغراماً العام الماضي، فيما يستهلك الأميركي أقل بقليل من 27 كيلوغراماً.
يُسمن نحو 11.8 مليون بقرة حالياً في المراعي التي تغطي أكثر من نصف الدولة الجنوب أميركية والتي تزيد مساحتها عن مساحة تونس بقليل.
شركة ناشئة تقدم لحوماً نباتية باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
كاراسكو، 65 عاماً، مهندس زراعي وهو من المشاهير المحليين بفضل عمله في برنامج إذاعي يناقش فيه مع ضيوفه آخر الأحداث. أسس كاراسكو "كونيكسيون غاناديرا" مع زوجته آنا إيوديوكو وزوجين آخرين في 1999. قبلها ببضعة أشهر، تظاهر آلاف المزارعين ومربي الماشية الغاضبين في مونتيفيديو، رافعين شعار "الربح أو الموت".
لم تكن الصين حينها الشاري المهيمن كما هي اليوم. عانى مربو الماشية المثقلون بالديون في أوروغواي من ارتفاع قيمة العملة ومحدودية الوصول إلى رأس المال المصرفي. رأى كاراسكو وشركاؤه فرصة لتحديث الصناعة وكسب المال من خلال توجيه المستثمرين المبتدئين إلى تربية المواشي.
لدى أوروغواي تقليد يعود إلى ما لا يقل عن قرن من الزمان يعهد فيه صغار شراة الماشية إلى أصدقائهم أو معارفهم في مجال تربية المواشي بالحيوانات التي يملكونها ويقتسمون العائدات بالتساوي وغالباً ما يكون ذلك عبر اتفاق شرف فقط. قال كاراسكو: "أدى ذلك لنسف صداقات عديدة، لأن الماشية التي نفقت كانت دائماً ما تحتسب مما يملكه المستثمرون".
دخل بقري ثابت
اعتمد كاراسكو، وهو مُزارع من الجيل الثالث، هذه الممارسة مع ضمانات أقوى للمستثمرين وجعلها قابلة للتطوير، فتقوم "كونيكسيون غاناديرا" بشراء العجول وتربية الماشية والأبقار نيابة عن المستثمرين، ومن ثم تؤجر الشركة الحيوانات لمزرعة تدفع للمستثمرين دخلاً سنوياً ثابتاً قدره 7% عن العجول وما يصل إلى 11% عن الأبقار.
يستعيد المستثمرون رأس مالهم الأولي في نهاية العقد الذي يكون عادة بين 6 و24 شهراً. يتراوح الحد الأدنى للاستثمارات بين 15000 و50000 دولار، بناءً على عدد الماشية ونوعها. لذا يمكن لأي شخص يجهل تربية المواشي أن يصبح مالكاً مسجلاً للماشية مقابل أقل من 15,000 دولار. يتلقى المستثمرون علامة تحددها الحكومة وتوسم بها حيواناتهم.
الأرجنتين تودِّع سوقاً تاريخية للماشية في بوينس آيرس عمرها 120 عاماً
يمكن أن ينمو عجل زنته 250 كيلوغراماً وثمنه اليوم 700 دولار ليبلغ 450 كيلوغراماً في سنة ثم يباع مقابل 1250 دولاراً. وفقاً لكاراسكو، يذهب 756 دولاراً للمالك و454 دولاراً للمُزارع، فضلاً عن حصول "كونيكسيون غاناديرا" على 40 دولاراً كرسم عن كل رأس ماشية.
ماذا إذا ماتت بقرة أو أكثر؟ تسمح عقود إيجار الماشية لشركة "كونيكسيون غاناديرا" بأخذ بعض العائدات التي كانت ستذهب إلى المُربي من بيع حيوانات أخرى في نفس المزرعة. تمنح آلية إعادة التوزيع هذه أصحاب المزارع حافزاً مالياً ليعتنوا جيداً بأصول أصحاب الماشية.
هذا يعني أنه لم يخسر أي مستثمر أموالاً منذ تأسيس الشركة، فضلاً عن الارتفاع السريع في قيمة البقرة، رغم أن كاراسكو يقول إن تعرض أي مزرعة لانهيار كبير قد يؤدي إلى خسائر.
تسمين الأصول
يشبه الأمر امتلاك حصة في رأس المال، حيث يشتري المستثمر أصولاً وهي أبقار يُحدد سعرها في سوق الماشية المحلي، ثم يعهد لشركة "كونيكسيون غاناديرا" برعايتها، وهو ما يشبه إدارة الشركات. يحصل المستثمرون، الذين يستعيدون رؤوس أموالهم بعد فترة محددة، على نسبة عائد ثابتة، وذلك باستثناء أن أداء الاستثمار هذا يشبه شهادة الإيداع إلى حد كبير. يتجنب كاراسكو مصطلح "سعر الفائدة" لتجنب الرقابة التنظيمية.
تبين أن استثمارات الماشية التي قدمتها "كونيكسيون غاناديرا" ومنافسيها أصبحت شائعة جداً، فضلاً عن أساليب التسويق لبعض الشركات شديدة العدوانية، لدرجة أن البنك المركزي في أوروغواي بدأ منذ حوالي ثلاث سنوات بالتحقيق فيما إذا كانوا يقدمون خدمات مالية غير مصرح بها. حذَّر الجمهور في فبراير من عدم خضوع الشركات التي تعلن عن الماشية والاستثمارات الزراعية لإشرافه.
أكبر مورّد لحوم في العالم يتجه لتأسيس شركة منتجات نباتية
أنهى البنك المركزي تحقيقه بشأن "كونيكسيون غاناديرا" في يوليو دون اتخاذ أي إجراء، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها "بلومبرغ". قال البنك، دون التعليق على الشركة على وجه الخصوص، أنه لم يجد أي مخالفات في قضيتين، كما أمر شركتين بالتوقف عن الإعلان عن منتجاتهما، ويواصل التحقيق في خمس شركات أخرى.
هناك تهديد أكبر يلوح في الأفق، حيث تتسبب صناعة الماشية في العالم بحوالي 14.5% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية السنوية المتعلقة بالنشاط البشري، ويأتي حوالي ثلثي هذه الانبعاثات من الأبقار، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
تتجشأ البقرة الواحدة حوالي 100 كيلوغرام من الميثان كل عام، وفقاً لباحثين من جامعة "كاليفورنيا" في ديفيس. يمثل انتفاخ البطن جزءً صغيراً من انبعاثات البقرة، بينما يكون الباقي، أي حوالي 95%، على هيئة تجشؤ.
الأبقار والمناخ
كان انبعاث الميثان، أحد عوامل الاحتباس الحراري، أقوى بنحو 80 مرة في أول عقدين له في الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون، ما دفع بلجنة تابعة للأمم المتحدة للتحذير من أنه يجب خفض انبعاثات الميثان عالمياً بمقدار الثلث بحلول 2030 لإبطاء احترار الكوكب. أعطى هذا الهدف دعاة حماية البيئة دفعة قوية في حملتهم لإقناع الناس بتجنب لحوم البقر لصالح مزيد من النظم الغذائية القائمة على النباتات.
قالت كاتي أندرسون، مديرة صندوق الدفاع عن البيئة، إن صناعة لحوم البقر تحتاج لخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري في أسرع وقت ممكن، وخاصة غاز الميثان. أضافت أندرسون، التي تحث المستثمرين على مطالبة الشركات التي يستثمرون فيها بأهداف علمية محددة لتقليل الانبعاثات ووضع معالم لتحقيق ذلك: "نحتاج لأن نكون قادرين على إطعام العالم دون رفع درجة حرارة كوكب الأرض".
ينتقد كاراسكو ما يعتبره تشويهاً لسمعة الماشية لمساهمتها في الاحتباس الحراري، قائلاً: "يهدف برنامج (كونيكسيون غاناديرا) لمكافحة تغير المناخ للحصول على مزيد من الأبقار أكثر من أي وقت مضى".
شركة ناشئة تقدم حلاً مبتكراً لمشكلة انبعاثات الأبقار
بدأت سلطات أوروغواي بالتعامل مع تهديد الاحتباس الحراري لأكبر صناعة تصدير في البلاد على محمل الجد. شكلت الحكومة فريق عمل للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لكل كيلوغرام من اللحوم عبر إصلاح تدهور المراعي التي تمتص الكربون وزيادة معدل المواليد من الماشية لإنتاج مزيد من اللحوم من نفس السلالة.
يُعد الوصول إلى أراضي الرعي أمراً أساسياً إذا أرادت شركة "كونيكسيون غاناديرا" زيادة عدد الأبقار التي ترعاها. اشترت الشركة بالفعل حوالي 20 كيلومتراً مربعاً من الأراضي مقابل أكثر من 5 ملايين دولار نيابة عن العملاء منذ بدأت بعرض الأراضي كاستثمار في يونيو.
تُؤجّر الأرض لشركة تربية مواشي يملكها كاراسكو وزوجته إيوديوكو. يحصل المستثمرون على عائد سنوي قدره 3% مع زيادة محتملة من بيع أرصدة الكربون وارتفاع الأسعار، حيث تُباع الأرض بنهاية العقد الذي يصل أمده إلى 10 سنوات.
أشار كاراسكو إلى أن أسعار الأراضي مستقرة مؤقتاً قبل أن تعاود الارتفاع. ارتفع متوسط سعر الدنم 6% إلى ما يقرب من 350 دولاراً في 2021، وفقاً لبيانات جمعتها وزارة الزراعة. ما يزال هذا أقل من الرقم القياسي المسجل في 2014 وهو 393 دولاراً.
يشعر كاراسكو بالتفاؤل بشأن توقعات الطلب على اللحوم، حيث تتوقع الأمم المتحدة ارتفاع استهلاك البروتين 70% حتى 2050. كما يرحب كاراسكو بظهور تقنيات غذائية جديدة مثل اللحوم المنتجة عبر الخلايا، التي ستنافس لحوم الأبقار المذبوحة.
قال كاراسكو: "ساعدونا لأننا لن نكون قادرين على مواكبة الطلب في المستقبل".