حلّ أزمة الجوع مرهون بمعالجة نظم دعم الغذاء عالمياً

دعم الغذاء لا يشمل إلى حد كبير أفقر الناس في العالم وأكثرهم عُرضة لخطر الجوع.. ونحو عُشر سكان العالم، كانوا عاجزين عن إطعام أنفسهم بشكل كافٍ في العام الماضي

time reading iconدقائق القراءة - 10
راكب دراجة يحمل طاولة من الخبز فوق رأسه بالقاهرة، مصر - المصدر: بلومبرغ
راكب دراجة يحمل طاولة من الخبز فوق رأسه بالقاهرة، مصر - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إذا أردت صورة عن الغذاء المدعوم في العالم، فقد تفكّر في مصر، حيث يتم تحديد سعر الخبز البلدي ويعيش أكثر من نصف السكان على أرغفة خبز تبلغ تكلفة الرغيف منها 0.05 جنيه مصري فقط (0.25 سنت) بفضل الدعم الحكومي الكبير.

المنح المجانية للمحتاجين من أقدم أشكال الدعم. ولا يزال هذا التقليد قائماً حتى يومنا هذا، في شكل قسائم طعام بالولايات المتحدة، وبنوك طعام في المملكة المتحدة، ووجبات مدرسية مجانية في اليابان، وبرامج دعم مباشر مثل مصر، وضوابط لأسعار المنتجات الزراعية في الهند. وعلاوة على ذلك، هناك إعفاءات من ضرائب المبيعات لمكونات الغذاء الأساسية في العديد من الدول. وفي ظل وجود ما يقرب من 800 مليون شخص، نحو عُشر سكان العالم، غير قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كافٍ في العام الماضي، ربما تتوقّع أن يتزايد هذا النوع من الرعاية والدعم الاجتماعي من حيث الحجم والأهمية.

في الواقع، الوضع أقرب إلى الحالة العكسية، إذ إن دعم الغذاء إلى حد كبير لا يشمل أفقر الناس في العالم وأكثرهم عُرضة لخطر الجوع، ولكن أغنى الناس وأوفرهم شبعاً. فالإنفاق ينصرف بشكل كبير إلى المزارعين بدلاً من الجياع، وفي حين أن الكثير من ذلك الدعم يساعد على زيادة المعروض من سلع الأغذية، فإن مئات المليارات من الدولارات تحقق أثراً عكسياً، بأن تقلل من كمية الغذاء المتاحة لإطعام العالم.

دعم لغير مستحقيه

هناك تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة يفصّل ذلك. ففي حين أن الدعم المباشر للمستهلكين، خاصةً إذا كان موجّهاً لمن هم في أمسّ الحاجة إليه، هو أحد أكثر الطرق فعالية لمواجهة الجوع، إلا أنه يمثّل جزءاً محدوداً من إجمالي الدعم العالمي إذ يبلغ 72 مليار دولار فقط من أصل 630 مليار دولار مخصصة لقطاع الأغذية والزراعة على مستوى العالم. والأكثر من ذلك، أنها تُوجّه بنسبة أكبر إلى الأشخاص في البلدان ذات الدخل المرتفع، وهم الأقل عُرضة لخطر نقص المنتجات الغذائية. ففي الدول الأغنى، يمثل دعم المستهلك 4.6% من قيمة الإنتاج الزراعي . أما في الدول الأشد فقراً فتصل هذه النسبة إلى 0.6٪.

الأهم من ذلك بكثير هو ما يُمنح للمزارعين. يذهب نحو 92 مليار دولار لدعم المُدخلات، مثل البذور والأسمدة. وتُنفق 152 مليار دولار أخرى على دعم أوسع نطاقاً محسوباً على مساحة المزارع أو مستويات الإنتاج العامة أو العوامل البيئية. مرة أخرى، تذهب هذه الأموال إلى حد كبير إلى البلدان الغنية، التي توفر للمنتجين حوافز تعادل 24% من الناتج، وتنخفض إلى 16% في دول الشريحة العليا من الدخل المتوسط، مثل الصين والبرازيل. وبالنسبة إلى الدول الأقل ثراءً، فإن حظر التصدير والتعريفات الجمركية وتدخلات السوق الأخرى المستهدف بها خفض التكاليف على المستهلكين المحليين غالياً ما يكون لها تأثير معاكس، حيث تشكّل ضريبة على الإنتاج وتنفّر المزارعين من زراعة منتجات كافية. وتزيد هذه الإجراءات من تكلفة الإنتاج بنسبة 4% في بلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط مثل الهند، وترتفع إلى 9% في البلدان ذات الدخل المنخفض مثل تلك الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء.

معضلة الفوضى

التخلص من هذه الفوضى سيشكّل مُعضلة. وكما يعلم أي شخص متابع لسياسات قانون الزراعة بالولايات المتحدة والسياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، فإنه بمجرد إرساء دعم للزراعة، ربما يكون من الصعب تفكيكه. والتغييرات في مثل هذا القطاع المدعوم بشدة تنطوي حتماً على خسائر فادحة في الدخل بالمناطق الريفية، والتي غالباً ما تكون ممثّلة تمثيلاً زائداً في الهيئات التشريعية. ومن الصعب التخلص من تبعية المسار.

حتى في العديد من البلدان النامية، من الواضح أن الغذاء الأرخص ليس هو الهدف الرئيسي دائماً. وعندما يكون أفقر الناس في بلدك مزارعين، فإن أي دافع لتقليل تكلفة التغذية يهدد بخفض الدخل بالنسبة إلى الطبقة الدنيا من المجتمع. يزيد حجم المخاطر السياسية التي تلحق الضرر بالطبقة الوسطى الدنيا في الريف، بالنظر إلى ميلهم نحو العمل السياسي. وأدت محاولة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لإلغاء اختيار نظام ماندي في بلاده، والتي تشتري بموجبه الحكومة المنتجات بأسعار ثابتة من خلال ساحات التسويق الخاصة بها، إلى أكثر من عام من الاحتجاجات قبل التخلي عن هذا النظام. وأعرب المزارعون عن خشيتهم من أن فوائد السوق الحرة للمواد الغذائية ستعود في الغالب على التجار، وفضّلوا التمسك بالوضع الراهن.

يواجه العالم تحديات متعددة في إطعام نفسه حيث سينمو عدد سكانه إلى 11.2 مليار نسمة في عام 2100، ويؤدي تغير المناخ إلى تدهور وتقليص المساحة المتاحة للحصاد. وإلى جانب عبء الجوع المتزايد، هناك موجة من حالات السمنة التي تحاصر الدول الفقيرة. ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أن السُّعرات الحرارية من الدهون والسكر أرخص في الإنتاج من تلك الموجودة في الحبوب أو الخضراوات الصحية، وهو موقف يرتبط في حد ذاته بالطريقة التي تميل بها أوجه دعم المواد الغذائية إلى تفضيل بعض المحاصيل على غيرها.

هذا الوضع يجب أن يتغير. فإذا كانت الحكومات التي تواجه ضغوطاً مالية في أعقاب جائحة "كوفيد-19" تريد أن تفعل شيئاً حيال أزمة الغذاء التي ترتّبت عليها، فيمكنها أن تفعل ما هو أسوأ من النظر إلى الطريقة التي يؤدي بها إنفاقها إلى تفاقم المشكلة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

القاهرة

4 دقائق

24°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 24°/24°
11.1 كم/س
41%
الآراء الأكثر قراءة