بلومبرغ
يحاول المستثمرون تحديد كيف يمكن أن تؤثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان على الأسواق العالمية بدءاً من تسريع الانفصال بين أكبر اقتصادين في العالم وصولاً إلى مناقشة ما إذا كانت الصين ستستخدم حيازتها الهائلة من سندات الخزانة كسلاح أم لا.
تقلّبت أصول الملاذ الآمن برغم هدوء المخاوف بشأن مستوى رد الصين العسكري، وتعرّضت سندات الخزانة لضغوط بيعية بسبب التعليقات المتشددة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، وشهد الين تحولاً مفاجئاً، إذ هبط بأكثر من 1%، أمس الثلاثاء، بعد الارتفاع الأقوى له لأربعة أيام متتالية منذ عام 2020 ثم صعد مرة أخرى اليوم الأربعاء، وكافحت معظم الأسهم والعقود الآجلة للأسهم من أجل اكتساب زخم صعودي.
مخاطر جديدة
أثارت زيارة بيلوسي مخاوف جديدة بين المستثمرين القلقين بالفعل من خطر التباطؤ العالمي وسط ارتفاع التضخم، وحذّر بعض الاستراتيجيين من الانتقاد السابق لأوانه لرد فعل الصين المبدئي- التدريبات العسكرية وبعض القيود التجارية التايوانية- لأنَّ الأسواق ضعيفة أمام أي تلميح لتدهور العلاقات الصينية الأميركية.
قال مايكل إيفري، مدير أبحاث الأسواق المالية الآسيوية في "رابوبنك": "ستستمر هذه المسألة لوقت أطول مما يستوعبه النطاق الزمني لتركيز السوق.. مع ذلك؛ يتفق استراتيجيو الجغرافية السياسية على وجهة النظر بأنَّنا ما زلنا قريبين بشكل مقلق من أزمة مضيق تايوان رابعة".
الصين وسندات الخزانة
يواصل المستثمرون تحليل العناوين الرئيسية وتحركات السوق، اليوم الأربعاء، بحثاً عن أدلة حول الكيفية التي يمكن أن تنتقم الصين بها، وأثار الارتفاع المذهل في عوائد سندات الخزانة بين عشية وضحاها مناقشات حول ما إذا كانت بكين ستستغل كومة السندات الحكومية الأميركية التي تناهز قيمتها تريليون دولار أم لا، وارتفعت أسهم شركات الدفاع الصينية بينما تراجعت أسهم الشحن والسياحة التايوانية.
قال إيان لينجين، المحلل الاستراتيجي في "بي إم أو كابيتال ماركتس": "بالنظر إلى حجم عمليات البيع؛ فإنَّها مسألة وقت فقط قبل التكهن بأنَّ الصين تستخدم حيازاتها الكبيرة من سندات الخزانة في الرد على زيارة بيلوسي.. في حال كان الأمر كذلك (ونحن نشك في ذلك)؛ من المفترض أن يكون الاتجاه الهبوطي محدوداً لأنَّ الوقع السلبي للتوقُّعات الكلية العالمية غطّى على تأثير التدفقات على المدى القصير".
سلاسل التوريد
يستعد آخرون مثل هوانغ هويمينغ، مدير صندوق في "نانجينغ جينغ هينغ إنفستمنت مانجمنت" (Nanjing Jing Heng Investment Management)، لبداية "تكتيكات السلامي" من قبل بكين - وهو نهج تدريجي لتقسيم المعارضة وقهرها- وكيف يمكن أن تؤثر على سلاسل التوريد المختنقة بالفعل.
قال هوانغ: "بالنظر عن كثب إلى مناطق التدريبات، فهي الأقرب إلى الجزيرة على الإطلاق وتحاوطها، وتتخفّى جميع العمليات العسكرية في البداية تحت مظلة التدريبات.. ربما يقلقنا استمرار التدريبات لوقت أطول وبصورة أكثر كثافة بما يؤثر على سلاسل التوريد، لكن لا توجد أي علامة على حدوث ذلك الآن".
انفصال أسرع
في حين يتطلّع بعض المستثمرين إلى الشراء وقت الشائعات، والبيع مع الأخبار في الوقت الحالي فيما يخص زيارة بيلوسي؛ فإنَّ آخرين يرسمون رؤية كلية طويلة المدى حول إمكانية أن تثبت هذه الزيارة أنَّها لحظة حاسمة في تاريخ آسيا والمحيط الهادئ، بل وربما تغيّر تخصيص الأصول في المنطقة. فـ"تايوان" مورد عالمي مهم لأشباه الموصلات وغيرها من السلع عالية التكنولوجيا.
هناك مخاطر انفصال اقتصادي أطول أجلاً بين أكبر اقتصادين في العالم، وما لهذا الأمر من عدد كبير من التداعيات المحتملة مثل الضغوط الجديدة على سلاسل التوريد، وهو ما سيفاقم التضخم. أعلنت بكين بالفعل عن استجابات اقتصادية أولية، وأوقفت صادرات الرمال الطبيعية إلى تايوان، ومنعت واردات الفاكهة والأسماك.
قال شيادونغ باو، مدير صندوق في "إدموند دي روتشيلد" لإدارة الأصول في باريس: "عودة النفوذ الأميركي رسمياً لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ستسرّع حتماً الانفصال بين الولايات المتحدة والصين.. نظراً لأنَّه حدث متطور، يتعيّن على المستثمرين الاستعداد لاختبار أعصاب يتضمّن زيادة معدل تقلّبات السوق على المدى القريب".
الحذر يهيمن
عندما يعم عدم اليقين كل شيء، يغلب على أكبر التداولات شراء الملاذات الآمنة التقليدية في العالم- أي سندات الخزانة والدولار. تلك هي وجهة نظر جيسيكا أمير من "ساكسو كابيتال ماركتس" التي تعتقد أنَّ الاضطرابات الأحدث لن تؤدي إلا إلى زيادة توتر المستثمرين، مما يحفّز تفوق أداء الأصول الأكثر أماناً.
قالت أمير: "في الوقت الحالي نعتقد أنَّ مسار الأسهم في أغسطس وبقية العام قد حُدد، وستزداد التوترات الجيوسياسية.. كما نتوقَّع اللجوء أيضاً إلى الملاذات الآمنة، وأن يشهد الدولار شراء متزايداً".
يتفق مع تلك التوقُّعات شين أوليفر، كبير الاقتصاديين في "إيه إن بي ماركتس" (AMP Capital Markets)، الذي يتوقَّع أن تحقق أصول، بدءاً من سندات الخزانة إلى الذهب، المكاسب إذا أشعلت الزيارة صراعاً حقيقياً. قال: "على المدى الطويل؛ يشير ذلك إلى مزيد من التصعيد في توترات الحرب الباردة بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، مما يعني زيادة علاوات المخاطر".
تعافي المعنويات
في زيورخ، يرى جيان شي كورتيسي، مدير صندوق، أوجه التشابه بين ما يحدث في السوق الآن إثر رحلة بيلوسي وما حدث أثناء رحلة نيوت غينغريتش إلى تايوان في عام 1997. حينها، انخفض مؤشر "هانغ سنغ" وبورصة تايوان قبل الزيارات، لكنَّهما انتعشا بقوة بعد ذلك، وهذه المرة، شهد المستثمرون ضعفاً مشابهاً في أسهم الصين وهونغ كونغ وتايوان قبل رحلة بيلوسي.
قال مدير الاستثمار في "جي أيه إم إنفستمنت مانجمنت" (GAM Investment Management) إنَّ التدريبات العسكرية الصينية بالقرب من جزيرة تايوان "قد تُبقي المستثمرين على أهبة الاستعداد لأي تطور.. لكن ستتعافى معنويات السوق بمجرد الانتهاء منها".