بلومبرغ
تبلور التحول الذي أحدثه جهاز أبوظبي للاستثمار مؤخراً إبان ذروة وباء كورونا عندما أمضى المسؤولون التنفيذيون عدة أسابيع في تدوين الأفكار على السبورة البيضاء في المقرات الشاهقة لصندوق الثروة السيادي.
ساعد التوقف القسري في الأعمال العادية على تعزيز مراجعة جهاز أبوظبي للاستثمار المستمرة لأعماله، مما أدى إلى إجراء بعض أبرز التغييرات الشاملة التي شهدها صندوق الثروة السيادية الذي تم تأسيسه قبل 46 عاماً والذي تبلغ ثروته 829 مليار دولار. لم يقم جهاز أبوظبي للاستثمار فقط بإصلاح هيكله الداخلي وعملياته، بل أيضاً أعاد تحديد كيفية اتخاذ قرارات الاستثمار المستقبلية.
بفضل حجمه الهائل، يمكن أن يكون لخيارات جهاز أبوظبي للاستثمار تأثير في جميع أنحاء العالم. يعد الجهاز أحد أكبر المستثمرين في سوق العقارات الأميركية وتشمل صفقاته الأخيرة حصصاً في قطارات السكك الحديدية الألمانية والطاقة في أميركا الشمالية وأكبر شركة إنترنت في إندونيسيا. كما يتطلع الجهاز أيضاً إلى اقتناص المزيد من الفرص في الأسواق الخاصة.
تغيير مستمر
"اشتدت المنافسة على جني العوائد، ولكن نشاط الاستثمار شهد تحولاً بسبب التكنولوجيا وهذه عملية مستمرة تؤثر على جميع أجزاء الصناعة. سيستمر هذا في التغيير وبوتيرة سريعة بشكل متزايد" حسبما قال متحدث باسم الصندوق في رد عبر البريد الإلكتروني.
قال المتحدث:"لهذا السبب حددنا الحاجة إلى أن نصبح أكثر ديناميكية ورشاقة، كوسيلة لإرساء المرونة في مؤسستنا حتى نكون مستعدين للاستجابة لهذه التغييرات".
في العامين الماضيين، تم غلق فرق الاستثمار التي تركز على الأسهم اليابانية وأميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا وأوروبا الناشئة في الصندوق، مع إسناد مهامها إلى مديرين خارجيين أو تمريرها إلى الصناديق الداخلية خاملة الإدارة. كما قام جهاز أبوظبي للاستثمار بدمج قسم الأسهم الداخلية والخارجية في قسم واحد.
البيانات والتحليلات
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو إطلاق مختبر علوم داخلي في العام الماضي يعمل فيه محللون كميون وفيزيائيون وخبراء بمجال الذكاء الاصطناعي و الحاسب الآلي، تم استقدامهم من صناديق التحوط أو الأوساط الأكاديمية.
كان تأسيس مختبر العلوم بمثابة بيان نوايا حول التوجه إلى الاستثمار القائم على البيانات والتحليلات، وهو أمر كانت تستكشفه الصناديق السيادية الرائدة الأخرى مثل مؤسسة حكومة سنغافورة للاستثمار "GIC" و"تيماسيك هولدينغز".
تتواصل التغييرات التي ينفذها جهاز أبو ظبي للاستثمار. في العام الماضي، أنشأ الجهاز وظيفتين مركزيتين جديدتين وقلص مكاتبه الوسطى والخلفية.
كما فصل مؤخراً بين قسمي العقارات والبنية التحتية وكلاهما يكتسب أهمية حيث يتطلع الصندوق بشكل متزايد إلى الأسواق الخاصة.
الكفاءة والرشاقة
كانت النتيجة الصافية لكل هذه التغييرات خسارة 160 شخصاً، أو ما يقرب من 10% من القوى العاملة، في الصندوق خلال عام 2021.
قال المتحدث إن جهاز أبوظبي للاستثمار بدأ في مراجعة كيفية عمله خلال عام 2019. وأوضح "كانت النتيجة أن البيئة الخارجية تتغير بشكل جذري وستكون لها عواقب طويلة الأمد".
"سيكون من الصعب العثور على مصادر العائد وتنفيذها على نطاق واسع في المستقبل، حيث يزداد ضيق نافذة تحديد الفرص والعمل على أساسها، مع استمرار التقدم التكنولوجي السريع في إحداث تحولات بالأسواق. لذا، باتت الكفاءة وخفة الحركة والسرعة الآن خصائص المستثمرين الناجحين من جميع الأنواع- بما في ذلك أولئك الذين لديهم أهداف طويلة الأجل"، حسبما قال المتحدث.
التعيينات الجديدة
تأسس جهاز أبوظبي للاستثمار عام 1976 لإدارة فائض عائدات النفط في أبوظبي، أحد أكبر مصدري النفط الخام في العالم. ويعد الجهاز أكبر صندوق ثروة سيادي في المدينة، متفوقاً على شركة "مبادلة للاستثمار" و"القابضة ADQ" وواحد من أكبر الصناديق في العالم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الصندوق فترة تعديل، ففي ثمانينيات القرن الماضي، كان من بين أوائل المستثمرين المؤسسيين الذين أضافوا صناديق التحوط والملكية الخاصة.
بعد ما يقرب من 10 سنوات، نفذ جهاز أبوظبي للاستثمار عملية رسمية لتخصيص الأصول لضمان التنويع -التي لا يزال يستخدمها حتى اليوم. منذ حوالي 15 عاماً، كان هناك تغيير مهم آخر يتمثل في الاعتماد بشكل أقل على المديرين الخارجيين وبدلاً من ذلك تطوير قدرات الاستثمار الداخلية.
على الرغم من تخفيض عدد الموظفين العام الماضي، يستعد جهاز أبوظبي للاستثمار لإعادة التوظيف، إذ يخطط فريقه الاستثماري في الملكية الخاصة لمضاعفة الرقم الحالي البالغ 60 في السنوات الثلاث المقبلة، على حد قول المتحدث. ولدى مختبر العلوم، المعروف رسمياً باسم قسم البحث والتطوير الكمي، الآن 50 شخصاً ولا يزال يوظف.
إدارة المحافظ الأساسية
أسفرت إعادة الهيكلة عن تشكيل إدارة المحافظ الأساسية التي تتولى حالياً الأنشطة التي كانت تُدار سابقاً عبر 4 وحدات منفصلة وهي مسؤولة عن تنفيذ انكشاف جهاز أبوظبي للاستثمار على المؤشرات القياسية عبر أسواق الأسهم والدخل الثابت وإدارة جميع الأنشطة المتعلقة بالخزانة وتنفيذ جميع العمليات الخاصة بالأسهم والدخل الثابت وأسواق المال وتجارة العملات.
في الوقت نفسه، تم إنشاء دائرة خدمات الاستثمار المركزية العام الماضي للقضاء على الازدواجية وتحسين العمل الداخلي للصندوق. وقال المتحدث:"إن كل هذه المبادرات مجتمعة قد تضافرت لتحقيق مكاسب في الكفاءة مع زيادة سرعة الجهاز وخفة الحركة الداخلية".