بلومبرغ
بعيداً عن الاضطرابات في الوقت الفعلي، كانت إحدى النتائج الملموسة لسياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي هي جعل استثمارات الدخل الثابت أكثر جاذبية على نحو متزايد مقابل الأسهم. أحد المقاييس، وهو نسخة مما يُعرف بـ"نموذج الاحتياطي الفيدرالي" الذي يتم فيه تقييم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مقابل السندات ذات التصنيف الاستثماري، يعطي إشارات مقلقة للأسهم أكثر من أي وقت مضى.
بالنسبة لسعره؛ فإنَّ "ستاندرد آند بورز 500" يُدر أرباحاً أقل بقليل من 5% اعتباراً من يوم الخميس، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ"، مقابل متوسط عائد 4.4% على سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية. ويعد فارق 0.54 نقطة مئوية أقرب ما يكون إلى أضعف ميزة تمتلكها الأسهم على الائتمان منذ عام 2010.
مثل هذه المقارنات تجعل من الصعب العودة إلى الأصول ذات المخاطر العالية مع زيادة المستثمرين لحجم الأصول التي ستتحمّل العبء الأكبر للسياسة المتشددة للبنك المركزي العازمة على تهدئة النمو.
نسب التقييم
يرى بيتر تشي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في "أكاديمي سيكيورتيز" (Academy Securities) أنَّ "الأرباح ستتأثر في حالة الانكماش الاقتصادي، مما سيؤثر على الأسهم بشكل مباشر، حتى لو لم تتغير نسب التقييم، في حين أنَّ الغالبية العظمى من الشركات ذات التصنيف الاستثماري لديها مجال كبير لتجنب تخفيض التصنيف الائتماني". ويقول: "يبدو أنَّ عائد سندات الشركات مقابل عائد توزيعات الأرباح لمؤشر (ستاندرد آند بورز 500) جذاب للغاية بالنسبة لي، ناهيك عن القلق بشأن الاقتصاد".
غرق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 2.9% يوم الجمعة، متوجاً بذلك الأسبوع التاسع للهبوط من أصل عشرة أسابيع، بضغط من عمليات بيع في أسهم التكنولوجيا ذات القيم العالية، إذ تعزز الإجماع على أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضاعف التشديد النقدي. تجاوزت عائدات سندات الخزانة لأجل عامين 3% للمرة الأولى منذ عام 2008 حيث نشر الاقتصاديون في "باركليز" و"جيفريز" عدة تقارير دعوا فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة 75 نقطة أساس في اجتماع الأسبوع المقبل. إنْ تمت هذه الزيادة فستكون الأكبر منذ عام 1994.
تراجعت الأسهم الأمريكية في أسوأ أسبوع منذ يناير بعدما أظهرت البيانات أنَّ ضغوط الأسعار الأمريكية بلغت أعلى مستوى في 40 عاماً في مايو، مما أدى إلى تبديد الآمال في أنَّ التضخم كان قد بلغ ذروته. ارتفعت عوائد سندات الخزانة إلى المستويات التي شوهدت لآخر مرة في عام 2008 فيما يستعد المتداولون لاحتمال أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس الشهر المقبل بعد تنفيذ أول زيادة بمقدار نصف نقطة منذ عام 2000.
لم نبلغ القاع
في حين أنَّ عمليات البيع قد أضرمت كل ركن من أركان أسواق الأسهم والسندات؛ إلا أنَّ تقييمات الدخل الثابت قد احتسبت بالفعل معظم المخاطر ، بحسب ماكس غوكمان، رئيس الاستثمارات في "ألفا تي آر ايه آي" (AlphaTrAI). ومع بقاء عوائد السندات عالية الجودة عند أعلى مستوى منذ عام 2020؛ يعد هذا مكاناً أفضل من الأسهم، إذ من المحتمل أن تكون هناك إعادة تسعير أخرى للأسهم، كما يقول.
ويوضح: "هناك مجال أكبر للانخفاض بالنسبة للأسهم، إذ ما يزال مستثمرو الأسهم في حالة إنكار أنَّ جيروم باول لن يُقدم على التحفيز النقدي، وأنَّ التضخم يمثل صدمة لكل من العرض والطلب. وعلى العكس من ذلك؛ يتردد مستثمرو السندات بين مرحلتي الاكتئاب والقبول. ويؤسفني القول إنَّه المكان الأفضل لكم".
لكنْ ليس كل شيء في الدخل الثابت يظهر إقبالاً كبيراً على الشراء. إذ تظهر بيانات "بلومبرغ" أنَّ عائد السندات غير الاستثمارية الأميركية يبلغ 7.5%، وهو قريب أيضاً من أعلى مستوياته منذ عام 2020. ومع ذلك؛ فهذا ليس كافياً بعد لتعويض الخطر المتمثل في أن تؤدي دورة زيادات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي إلى دفع الاقتصاد إلى الركود، وفقاً لسمير سامانا من "ويلز فارغو إنفستمنت إنستيتيوت" (Wells Fargo Investment Institute).
وقال سامانا، كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق العالمية بالشركة: "في الوقت الحالي، نتوقَّع ركوداً خفيفاً وقصيراً كحالة أساسية، ووضعنا احتمالاً نسبته 10% لاستبعاد هذا السيناريو. ولكن إذا ارتكب الاحتياطي الفيدرالي خطأً في السياسة النقدية وكان الركود الاقتصادي الأعمق وشيكاً؛ فقد لا تعوض نسبة 10% مستويات أعلى من التخلف عن السداد".
غير معصوم عن الخطأ
لا شكَّ أنَّ نسخ "نموذج الاحتياطي الفيدرالي" ليست أدوات معصومة عن الخطأ لتوقيت الاستثمار في السوق. عندما فقدت الأسهم ميزة عائد الأرباح مقارنة بالديون ذات الدرجة الاستثمارية في عام 2009، ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 23.5% في ذلك العام، وتلاه ارتفاع بنسبة 12.8% في عام 2010.
بالنسبة إلى مارتا نورتون، كبيرة مسؤولي الاستثمار في"مورنينغ ستار"؛ فإنَّ اقتراب مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" من الانخفاض بنسبة 18% منذ بداية العام حتى تاريخه يفتح فرصاً لاقتناص الصفقات. وقالت إنَّ العوائد التي لم نشهدها منذ سنوات لها جوانب عالية الجودة في سوق السندات، وتبدو جذابة أيضاً.
وخلال بث "كويك تيك ستوك" من "بلومبرغ"، أوضحت نورتون: "عندما نرى الأسهم عند هذا المستوى؛ فإنَّنا نفضل توجيه بعض المال تدريجياً نحو الأسهم". "كما نشهد عوائد عالية في الجزء عالي الجودة من سوق السندات، وهذا أمر نضيفه إلى محفظتنا أيضاً".