بلومبرغ
قبل بضع سنوات، دفعت نوفي ديل كارمن ما قيمته 20 ألف دولار للاستقالة من وظيفتها في التمريض، فهي لم تقضِ سوى نصف المدة من التزام مدته ثلاثة أعوام قطعته على نفسها لصالح "هيلث كاروسيل" (Health Carousel)، وهي وكالة توظيف في مجال الرعاية الصحية ساعدت في نقلها من الفلبين إلى مستشفى في بلدة مانسي، الواقعة على بعد حوالي ثلاث ساعات شمال غرب فيلادلفيا. كان الاتفاق يبدو وكأنه الأفضل في سائر أنحاء المحيط الهادئ، لكن كارمن بدأ ينتابها شعور مختلف بمجرد وصولها إلى ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة.
تقول كارمن إنها تلقت أجراً أقل بكثير من الممرضات الأمريكيات الأخريات حولها، كما أنها مُنعت من مناقشة ظروف عملها أو الخروج من المدينة دون إخطار الوكالة.
اقرأ أيضاً: كنا نصفق لفرق التمريض.. والآن نتركهم يُستنزفون
يبدو أن "هيلث كاروسيل" استمرت في إيجاد طرق لعدم احتساب عدد ساعات عملها عند 6,240 ساعة المقررة في عقدها، حيث قالت إن كارمن لم تكن مؤهلة في الأشهر الثلاثة الأولى من مناوباتها، لأنها اعتبرت ذلك الوقت جزءاً من فترة تدريبها. كذلك، لم يتم احتساب الوقت الإضافي الإلزامي ضمن عدد ساعات عملها المحددة أيضاً. ولأنها لم تستطع رفض وقت العمل الإضافي، فإن نوبات عملها كان من الممكن أن تمتد إلى 16 ساعة في قسم الطوارئ الذي يعاني نقصاً في عدد الموظفين.
اقرأ المزيد: الخزانة الأمريكية: فشل نظام رعاية الأطفال يعيق تعافي الاقتصاد
تقول كارمن: "كنت محتجزة ببساطة. كنت في خدعة". اقترضت كارمن مالاً من صديق لها، كان يدخر لأعوام لشراء منزل، من أجل دفع رسوم الاستقالة من "هيلث كاروسيل"، والبالغة 20 ألف دولار. رفضت كارمن عرض صديقها هذا من قبل بدافع الشعور بالذنب والكبرياء، لكن كانت لديها أيضاً رغبة شديدة في ترك "هيلث كاروسيل" دون مقاضاتها بسبب الاستقالة، كما حدث للعديد من أقرانها.
دعوى جماعية
الآن كارمن هي التي تقاضي "هيلث كاروسيل". فقد رفعت دعوى جماعية مقترحة في ولاية أوهايو، حيث يقع المقر الرئيسي لوكالة التوظيف، متهمة إياها بالاتجار بالبشر. رغم أن "فكرة الاتجار بالبشر" تستحضر صوراً لأشخاص تعرضوا للضرب المبرح أو التقييد بسلاسل، فإن التعريف القانوني أوسع نطاقاً بكثير، ويتضمن محاولة إرغام شخص ما على فعل شيء عن طريق التهديد بإلحاق ضرر جسيم أو إساءة استخدام الإجراءات القانونية.
في يونيو، رفض قاضٍ محلي أمريكي طلب "هيلث كاروسيل" برفض الدعوى القضائية. وفي نهاية العام الماضي، أضافت كارمن ادعاءات سرقة الأجور والابتزاز، إلى جانب ضم مدعين اثنين آخرين إلى الدعوى.
رفضت "هيلث كاروسيل"، التي نفت ارتكاب أي أفعال غير مشروعة، الرد على أسئلة مفصلة حول القضية، لكنها قالت في رسالة بريد إلكتروني إنها "تدافع بقوة عن العمل الجيد" الذي تقوم به.
قالت الشركة في بيانها: "نحن فخورون بعملنا لتعيين ممرضات مدربات دولياً في أنظمة مستشفيات تعاني نقصاً في الموظفين في الولايات المتحدة. نستثمر لتوظيف هؤلاء المهنييات ورعاية تأشيرات العمل الخاصة بهن لتحقيق أحلامهن". وأوضحت أيضاً أنها تتوقع من الموظفين الذين لا يستكملون عقود عملهم، سداد النفقات التقريبية الأولية، التي تشمل عادةً تأشيرة الدخول والتصاريح والسفر والسكن المؤقت والهاتف المحمول وتكاليف موظفي الدعم.
نفي الادعاءات
في مذكرة أصدرتها العام الماضي، قالت الشركة إنها "تنفي كل ادعاءات المُدّعية، أو أي من الممرضات، بأنهن كنّ يعملن كخدم بعقود في (هيلث كاروسيل)". كما أنكرت الإدعاءات المدرجة في الدعوى القضائية، والتي تقول إن شروط عقدها "تعسفية"، وإنها تلزم الموظفين بإخطار الشركة عند السفر خارج المدينة، وإن العقوبة المفروضة على الاستقالة المبكرة "غير معقولة وغير متناسبة بشكل واضح"، وإنها تعزل الممرضات وتحمي نفسها من إجراءات الفحص من خلال قواعد السرية، وإن إجراءاتها تعني ضمنياً أن الممرضات سيعانين من عواقب سيئة على الهجرة إذا طردتهن، وإنها "مفرطة في مقاضاتهن".
بدأت الدعوى القضائية التي رفعتها كارمن بشكل متواضع، لكنها قد تعيد صياغة شروط أحد أكبر اتجاهات تشكيل الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، والتي تتمثل في الاستعاضة عن مقدمي الرعاية الأمريكيين المنهكين، بعمال أجانب أقل تكلفة لا يمكنهم ببساطة ترك العمل.
الاستقالة العظيمة
ترك أكثر من واحد من كل ستة عاملين في مجال الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وظائفهم منذ بداية جائحة كورونا، ويفكر واحد تقريباً من كل ثلاثة عاملين في الخطوط الأمامية بمجال الرعاية الصحية في ترك وظيفته، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة "كايزر فاميلي فاونديشن" (Kaiser Family Foundation) و"واشنطن بوست" في عام 2021. بالنسبة إلى الشركات التي تحضر أشخاصاً مثل كارمن إلى الولايات المتحدة، كانت "الاستقالة العظيمة" نقطة نقاش محورية. وقد أصدرت إحدى وكالات التوظيف العام الماضي دراسة استقصائية عن الممرضات الأمريكيات اللواتي قلن أشياء مثل: "كل نوبة عمل هي أسوأ نوبة عملت فيها على الإطلاق".
استقال أكثر من 500 ألف عامل في مجال الرعاية الصحية والمجالات المتصلة بها في شهر ديسمبر وحده، وفقاً لوزارة العمل الأمريكية. وكان يمكن أن يكون هذا العدد أعلى بكثير، لولا جحافل الموظفين العاملين بموجب عقود تمنعهم من الاستقالة. اعتاد الأمريكيون على استدعاء العاملين في مجال الرعاية الصحية باعتبارهم أفراداً أساسيين، وإذا كانت كارمن محقة، فإن الكثير منهم يمكن أيضاً تسميتهم بالأسرى.
قضايا بالجملة
قاضت وكالات التوظيف، مثل "هيلث كاروسيل"، المئات من موظفي الرعاية الصحية، نظراً لمحاولتهم ترك العمل أو رفضه، بحسب وثائق الدعوى المودعة لدى محكمة الولاية الأمريكية، والتي استعرضتها "بلومبرغ بيزنس ويك". ورفع البعض دعوى قضائية ضد العاملين نظير محاولتهم تغيير نوع تأشيرتهم الخاصة، أو محاولة الشروع في إجراءات الوساطة، أو تشجيع زملاء العمل على الاستقالة، أو كما في حالة أحد العاملين في نيويورك، والذي "ترك شقة خلسة بشكل غير متوقع"، بعدما تم استئجارها له قبل تركه العمل.
عادةً ما تستهدف وكالات التوظيف كسب مثل هذه المعارك. ففي عام 2015، وقع أرفي فيتنتي، وهو معالج فيزيائي فلبيني في ولاية ساوث كارولينا، تعهداً -وهو أمر قضائي متفق عليه بشكل متبادل- ينص على أنه تسبب في معاناة "هيلث كاروسيل" من خسائر بقيمة 93,500 دولار، بسبب فشله في العمل خلال الفترة التي وافق عليها، وكان يدين بهذا المبلغ بالإضافة إلى الفوائد وتكاليف المحكمة للوكالة. جادلت "هيلث كاروسيل" بأن أحد البنود الواردة في العقد الذي وقعه فيتنتي ينص على تعويض الشركة عن الدعاوي "الناشئة عن مشاركتك وأدائك أو الناتجة عنهما"، ما يلزمه بدفع نفقات الشركة لمقاضاته، لأنه لم يترك لها أي خيار.
إساءة معاملة
عند استجواب فيتنتي، الذي اتهم الشركة بانتهاك قانون الأجور، وهو اتهام نفته الشركة، سأله محامي الشركة قائلاً: "كان يتعين على (هيلث كاروسيل) رفع دعوى قضائية ضدك بسبب أشياء فعلتها بموجب العقد، أليس كذلك؟". وكان رد فيتنتي، "نعم سيدي"، ثم أوضح أنه شعر بأنه قد أُجبر على خرق الاتفاق، بسبب إساءة المعاملة المزعومة.
قالت "هيلث كاروسيل"، في رسالة بريد إلكتروني، إنها تفاوضت على خطة سداد مدتها ثلاثة أعوام لمبلغ يقل بكثير عن 20 ألف دولار مع فيتنتي، الذي لم يرد على الاستفسارات.
لم يكشف قطاع توظيف الكوادر الطبية البالغ حجمه 30 مليار دولار، عن العدد الإجمالي للعاملين الذين يجري استقدامهم بموجب مثل هذه العقود، لكن "هيلث كاروسيل" وحدها قالت إنها تقدم عروض توظيف "في أفضل مرافق الرعاية الصحية في البلاد في كل الولايات الأمريكية الخمسين"، وإن طاقمها ساعد نحو 7.7 مليون مريض، وهو عدد يضاهي عدد سكان ولاية أريزونا.
في أغسطس، قالت الشركة إنها شهدت ارتفاعاً بمقدار خمسة أضعاف في طلب العملاء منذ بداية تفشي "كوفيد-19". والجدير بالذكر أن الشركة تستقدم العمال من كافة أنحاء العالم، لا سيما الفلبين.
مما لا شك فيه أن تحديد النقطة التي ينحرف فيها الإكراه المتأصل في العمل المأجور في الولايات المتحدة إلى اتجار غير مشروع، هو مهمة صعبة، خصوصاً في ظل حوافز العمل المدمجة في النظام الأمريكي، بدءاً من التغطية الصحية القائمة على الوظيفة، وصولاً إلى إقرار الحزبين، الجمهوري والديمقراطي تمديد فترة الحصول على إعانات البطالة. لكن الحديث عن أسواق العمل لا زال يستحضر مفاهيم كتب الاقتصاد عن ساحة كريمة تتسم بتكافؤ الفرص بين الجميع، ويمكن فيها للأشخاص المطلعين تقييم العروض المتنافسة بعناية. تعكس ادعاءات كارمن، طرقاً عدة يمكن للشركات الأمريكية من خلالها، تغيير هذا المجال.
عقود عمل مُحكمة
يواصل العديد من أرباب العمل الأمريكيين جعل عروض العمل التي يقدمونها للموظفين الجدد، ذات شروط دقيقة هامة، مثل بنود الاحتكار والتحكيم القسري، الأمر الذي قد يجعل من المستحيل تقريباً الانتقال إلى مكان عمل أفضل أو مساءلة الإدارة عندما تسوء الأمور. إنهم يبحثون عن العمال الأجانب الذين يفتقرون غالباً -من الناحية النظرية أو العملية- إلى الحماية القانونية التي يتمتع بها المواطنون الأمريكيون. ويجادلون بأنهم غير مسؤولين عن أي سوء معاملة يواجه الموظفين المتعاقدين من الباطن من جانب الشركات التي توظف هؤلاء العمال تقنياً. كما أنهم يحمّلون الموظفين رسوم المعدات أو التدريب الضروري لأداء واجباتهم، ما يؤدي إلى إنشاء دوامة ديون تميل إلى الزيادة، جنباً إلى جنب مع الأجور المنخفضة.
عادةً ما تساعد هذه التكتيكات مجتمعة الشركات في التحايل على هذا النوع من نفوذ الموظفين الذي كان معروضاً في الاستقالات التي سجلت أرقاماً قياسية في الأشهر الأخيرة وتهديدات الإضراب واسعة النطاق.
يقول ديفيد سيليغمان، أحد محامي كارمن الذي يدير شركة قانونية غير ربحية تسمى "تووردس جاستس" (Towards Justice): "من المفترض أن نعيش في عالم تتنافس فيه على العمال من خلال دفع المزيد من الأموال لهم ومعاملتهم بشكل أفضل، لكن هذه الشركات حاولت إيجاد طريقة أخرى". وأضاف: "أن شيئاً ما معمولاً به في كل مكان، لا يعني بالضرورة أنه ليس إتجاراً بالعمالة".
من مانيلا إلى بنسلفانيا
قبل سبعة أعوام، كانت كارمن وشقيقتها نائمتين في غرفة والدتهما في الفلبين، عندما اتصلت وكالة "هيلث كاروسيل" في الساعة 4 صباحاً لعرض وظيفة على كارمن. وبمجرد أن أنهت كارمن المكالمة، أخبرتها والدتها بمدى فخرها بها.
كارمن، التي كان عمرها آنذاك 24 عاماً، كانت تعمل بالفعل كممرضة في غرفة طوارئ، وأسهمت في إنجاب طفل في مصعد أكثر من مرة. تقول كارمن: "أنا أحب العمل. دائماً ما كان يخبرني والدي بأنه يمكنك دائماً فعل شيء أفضل لنفسك". كانت تعتقد بأنها في الولايات المتحدة، ستكون قادرة على تحسين مهاراتها وزيادة دخلها.
بعد أن انتظرت نحو عامين للحصول على الموافقة على أوراقها، جاء والداها وشقيقتها إلى مانيلا في عام 2018 لتوديعها في المطار. تذكرت كارمن هذا الموقف وقالت: "كنا جميعاً مبتسمين".
في صباح اليوم التالي لوصولها إلى الولايات المتحدة في وقت متأخر من الليل، بدأ ممثل "هيلث كاروسيل" في رعاية كارمن وشخصين آخرين معينين حديثاً، من خلال إتمام قائمة مهام سريعة تشمل استئجار السيارات، وفتح حسابات مصرفية، وأخذ بصمات الأصابع، والتقدم بطلب للحصول على بطاقات الضمان الاجتماعي، وتلقي لقاحات الإنفلونزا، كل ذلك قبل القيادة لبضع ساعات غرباً في الثلج من مدينة سكرانتون بولاية بنسلفانيا إلى مدينة ويليامسبورت.
عقد من 200 صفحة
تلك الليلة، وفي مركز الأعمال داخل فندق "كومفورت إن"، تقول كارمن إن مسؤول الاتصال بالشركة جمع الممرضات الثلاث الوافدات حول جهاز كمبيوتر محمول، وطلب منهن مراجعة وتوقيع ملفٍ من 200 صفحة تقريباً.
أخبرهم ممثل "هيلث كاروسيل" بأنه كان أساساً العقد ذاته الذي وقعنه بالفعل، لكنه لفترة أطول فقط لأنه يتضمن معلومات تتعلق بالرعاية الصحية. وقعت كارمن بعد الاطلاع عليه، لكنها تخطت بعض الأجزاء، لأن ممثل الشركة كان متجهاً مباشرة إلى سكرانتون لإحضار المزيد من المعينين حديثاً، ولأنها كانت منهكة. تقول كارمن: "كان يوماً طويلاً للغاية".
في الفلبين، وقعت كارمن عقداً مع "هيلث كاروسيل" ينص على أنها إذا لم تقضِ ساعات خدمتها المطلوبة، فإنها ستدين للشركة بمبلغ 20 ألف دولار. (وحتى بعد الدفع، سيتم منعها أيضاً من العمل في مستشفى منافس في نطاق 50 ميلاً). كان العقد القديم ينص على أن مثل هذا الوضع ستتم "تسويته بصورة ودية" من كلا الجانبين.
وثائق جديدة
ذكرت الوثائق الجديدة التي وقعتها كارمن في "كومفورت إن"، أن مبلغ الـ20 ألف دولار "سيكون مستحقاً على الفور وبالكامل، في اليوم الأخير في العمل أو الذي قبله"، ولن تكون هناك خيارات للدفع الجزئي، وإلا فإن "هيلث كاروسيل" ستستعد لرفع دعوى قضائية فوراً للحصول على تعويض عن الخسائر كاملة"، ويمكن الحصول على حكم قابل للإنفاذ حتى لو غادرت كارمن البلاد.
بعد التوقيع على الوثائق الجديدة، أمضت كارمن بضعة أسابيع في العمل دون أجر منتظم في شقة كانت قد استأجرتها، رغم ما تقوله عن وعود الشركة للحكومة الأمريكية ببدء الدفع لها بمجرد وصولها. كما أن العقد منعها من إيجاد عمل آخر مدفوع الأجر في هذه الأثناء، وبدلاً من ذلك شاهدت "نتفل
كس"، واستكشفت تطبيقات المواعدة (حيث التقت بصديقها)، وتذوقت المأكولات الأمريكية، بينما كانت تحاول إنفاق أقل قدر ممكن من المال. ثم عينتها "هيلث كاروسيل" للعمل في فرع بلدة مانسي الخاص بمركز جامعة بيتسبرغ الطبي، وهو مؤسسة غير ربحية يبلغ حجمها 23 مليار دولار مع 40 مستشفى، وتعد أكبر جهة توظيف خاصة في ولاية بنسلفانيا.
أجر قليل وظروف قاسية
كان أجر كارمن من "هيلث كاروسيل" والبالغ 25.50 دولار في الساعة، يبدو أقل منطقية عندما علمت أن الكثير من الوظائف المحلية تدفع أكثر من 35 دولاراً في الساعة. ثم علمت لاحقاً أن مركز جامعة بيتسبرغ الطبي دفع لـ"هيلث كاروسيل" 52 دولاراً أو أكثر عن كل ساعة عملت فيها، بما في ذلك ثلاثة أشهر من التدريب قالت وكالة التوظيف إنها لم تحسب ضمن ساعات عملها البالغة 6,240 ساعة.
في الوقت ذاته، يمكن أن تكون ظروف العمل قاسية. فقد كان من المفترض أن تضم وحدة الطوارئ التي تعمل بها كارمن أربع ممرضات يعتنين بعشرات الأشخاص، لكن في كثير من الأحيان، كانت تتغيب ممرضة أو اثنتان لسبب أو لآخر، ما يعني أن كارمن قد تضطر لتقديم رعاية مكثفة لستة مرضى في آن واحد.
تزعم الدعوى القضائية التي رفعتها كارمن أن "انخفاض نسبة الممرضات إلى المرضى كان يشكل خطراً على كل من الممرضات ومرضاهن". (لكن "هيلث كاروسيل" نفت هذا الادعاء). فنقص عدد الموظفين يعني أنه ربما لا يكون هناك أخصائي وحدة طوارئ في الوحدة للمساعدة في فحص العلامات الحيوية أو نقل المرضى إلى الداخل والخارج، أو إطعامهم، أو تعقيم المرضى الذين يعانون من حالات مرضية مثل القمل.
"إذا كان هذا شيئاً يحتاجه المستشفى، فعلينا فعله. ليس مسموحاً لنا أن نرفض"
كارمن وجدت نفسها مضطربة ومثقلة بأعباء العمل، كما أنها شعرت بانزعاج من فكرة جني زملاء العمل أموالاً أكثر بكثير وهم يقومون بمهام العمل ذاتها. تقول كارمن: "لديك الكثير من الأشياء لتفعلها، وقليل من الوقت، وليس لديك مساعدة. لقد أضر هذا الأمر بي جسدياً".
بعد أيام من العمل لوقت إضافي بشكل إجباري، شعرت بالذنب والقلق من الحضور للعمل وهي تبدو مرهقة، وأقل يقظة مما يستحقه مرضاها منها. قال مركز جامعة بيتسبرغ الطبي، وهو ليس مدعى عليه في دعوى كارمن، في بيان: "كان طاقم العاملين من الممرضات إلى المرضى في مركز جامعة بيتسبرغ الطبي ببلدة مانسي، في مستويات آمنة ومقبولة بصفة مستمرة".
ساعات عمل إضافية
كان انخفاض مستويات التوظيف يشير أيضاً إلى أن مديري مركز جامعة بيتسبرغ الطبي طلبوا من كارمن في كثير من الأحيان البقاء بعد انتهاء مناوبتها العادية التي تصل إلى 12 ساعة. وقد أخبرها أحد المشرفين ذات مرة بأن "عليك البقاء لأننا لا نستطيع الاعتناء بالمرضى. إن الوضع غير آمن"، حسبما تقول. لم يكن أمام كارمن خيار، وحتى لو سمح لها ضميرها بالابتعاد عن غرفة الطوارئ المرهقة، فإن عقدها مع "هيلث كاروسيل" لن يسمح لها بذلك.
تقول كارمن: "إذا كان هذا شيئاً يحتاجه المستشفى، فعلينا فعله. ليس مسموحاً لنا أن نرفض". لذلك، فإن نوبات العمل التي كان يفترض أن تستمر من الساعة السابعة مساءً حتى السابعة صباحاً، امتدت بدلاً من ذلك إلى وقت متأخر يصل إلى الساعة الحادية عشر صباحاً. مع ذلك، وكما هو الحال في الأشهر التي قامت فيها بأداء العمل ذاته أثناء فترة التدريب، لم يتم احتساب العمل الإضافي الإجباري ضمن الـ6,240 ساعة المستحقة لها في "هيلث كاروسيل" قبل التمكن من الاستقالة. تقول "هيلث كاروسيل"، في طلبها برفض الدعوى القضائية، إن العقد الذي وقعته كارمن يوضح أن ساعات عملها كانت "6,240 ساعة عمل عادية"، وبالتالي، لم يتم إخفاء أن الوقت الإضافي لن يُحسب.
الوضع يزداد سوءاً
يقول الأشخاص الذين عملوا طوال فترة تفشي الوباء لدى مركز جامعة بيتسبرغ الطبي، إن "كوفيد" جعل وضع التوظيف هناك أسوأ بكثير، حيث يقول أنتوني موابي، وهو أخصائي رعاية المرضى بمستشفى مركز جامعة بيتسبرغ الطبي: "إنهم لا يفعلون حقاً أي شيء بخلاف قول شكراً لكونكم أبطالاً".
أضاف موابي، الذي يدعم الجهود الرامية لإنشاء نقابة للموظفين: "نحن نبذل قصارى جهدنا كأخصائيي رعاية المرضى وممرضات للعمل سوياً والتواجد في كل مكان بقدر المستطاع، لكن من الواضح أن هذا مستحيل حقاً.. الناس يغادرون بطريقة سريعة وغير منضبطة، وأنا أتفهم ذلك. أنا لا ألومهم مطلقاً".
يقول مركز جامعة بيتسبرغ الطبي إن النقابة التي تحاول تنظيم أوضاع موظفيها، تنشر ادعاءات مضللة بشأن قضايا التوظيف.
يقول موابي، الذي يعمل لدى مركز جامعة بيتسبرغ الطبي منذ عام 2018، إنه في بعض الأحيان يكون هناك واحد من بين أخصائيين اثنين فقط يعتني بنحو عشرة مرضى. في أحيان أخرى، يتم استدعاء أحد الأخصائيين إلى طابق آخر ليس فيه أي شيء على الإطلاق، ما يؤدي إلى مضاعفة أعباء العمل. ويوضح موابي أن "هذه هي الثقافة"، كما إنه يتجنب مناقشة هذه القضايا مع المرضى، بحجة أنه "عليك أن تشعرهم بالأمان".
سرية الأجور
بحلول أوائل عام 2019، كانت طاقة كارمن تنفد. تذكرت كارمن تفكيرها بعد عام، قائلة: "لا أعتقد بأن هذا هو ما وقعت عليه. شعرت بالاكتئاب والتفكير في العقد كان يطاردني". لكن لم يُسمح لها بقول ذلك. تقول كارمن إن "العقد ينص على أنه لا يفترض لنا التحدث عن عقدنا. في الأشهر القليلة الأولى، لم أكن أعرف بمن يمكنني أن أثق".
لكن عندما اجتمعت مع زميلاتها من الممرضات الفلبينيات من أجل تناول وجبات الإفطار بعد انتهاء مناوبات العمل أو في حفلات أعياد الميلاد، انتشرت القصص. واستمرت الممرضات الأخريات في "هيلث كاروسيل" في مغادرة العمل فجأة، وكنّ يؤكدن أنهن لا يستطيعن الإفصاح عن السبب، لكن الموظفين قارنوا أجورهم سراً. (يقول كتيب لوائح الموظف: "مناقشة ما تكسبه أنت أو زميل العمل يعد فعلاً غير مقبول، لأن الأجر مسألة شخصية" و"أي مسائل تتعلق بعلاقتنا يجب أن تظل سرية بيننا"). بدأت كارمن والممرضات الأخريات الحديث عن الطريقة التي تسير الأموربها، حيث كن يحصلن على إجابة صادقة.
في دفتر ملاحظات صغير احتفظت به في المنزل لكتابة رسائل تذكيرية لنفسها والأماكن التي تريد السفر إليها يوماً ما، بدأت كارمن في كتابة ملاحظات حول إيجابيات وسلبيات البقاء في وظيفتها، وموازنة الظروف المثيرة للجنون مقابل تكاليف المغادرة. صديقها، ترافيس يونغ، الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، والذي انضم إلى اجتماعات الممرضات رغم عدم تحدثه اللغة الفلبينية، أراد أن يعرف ما كان يتحدث عنه الجميع. لذلك أخبرته كارمن في نهاية الأمر.
في أحد أيام عطلتها، كانت كارمن تجلس على الأريكة، ولاحظها صديقها وهي سارحة النظر، لذلك سألها "هل أنتِ بخير؟".
أجابت بـ"نعم"، لكنها كانت تكافح لإيجاد التعبير الصحيح، ثم قالت "أعتقد بأنني بحاجة إلى إعادة النظر في حياتي". أخبرته أنها شعرت بالاكتئاب، وسألها لماذا، فقالت إن الأمر يتعلق بعقد عملها. وعندما سألها عما هو محبط بشأنه، شرحت له الأمر.
التواصل مع المحامين
حذرها "لا تفعلي شيئاً متهوراً". لكن بصفته ابن ممرضة، كان يعلم أنها تتقاضى أجراً منخفضاً. وعندما أطلعته على عقدها شعر بالغضب، وقال لها إن "الأمر لا يبدو جيداً"، وساعدها في إيجاد محامين لمعرفة الخيارات المتاحة أمامها. بعد لقاء المحامين، تقول كارمن إنها "شعرت وكأن ماء بارداً انسكب علي. لقد أدركت حقيقة كل شيء".
عندما أخبرت والدتها بأنها تفكر في ترك وظيفتها، لم تشجعها والدتها على هذه الفكرة، لأنها كانت قلقة بشأن ترحيل ابنتها، وكارمن كانت قلقة بشأن ذلك أيضاً، لكنها أصبحت تشعر بالإحباط. في نوفمبر 2019، غادرت كارمن "هيلث كاروسيل"، ثم رفعت دعوى قضائية في مارس 2020.
تشير الدعوى القضائية التي رفعتها كارمن إلى أن "هيلث كاروسيل" لديها مخطط غير قانوني لتأمين "العمل القسري" من خلال "التهديد بإلحاق ضرر جسيم"، فهي تهدد بمقاضاة الممرضات وجعلهن يخشين الترحيل إذا لم يتبعن الأوامر، وفرض تلك الغرامة ذات الخمسة أرقام التي تدعي الدعوى أنها تُحسب لإثارة الخوف في نفوس الموظفين من الاستقالة، وليس لتعويض النفقات الفعلية للشركة.
تفسير القانون
في الحكم الصادر في يونيو بالسماح بالمضي قدماً في قضية كارمن، كتب القاضي دوغلاس كول أنه سيكون من "العبث" تفسير قانون الاتجار بالبشر على أنه حظر لكل شروط العقد التي قد تُصعب الاستقالة. (على سبيل المثال، أشار إلى أن المدير التنفيذي الذي يتقاضى 10 ملايين دولار الذي يُمنع من الانتقال إلى شركة منافسة، لا يبدو وكأنه ضحية للاتجار بالبشر). من ناحية أخرى، كتب كول أن تأكيد "هيلث كاروسيل" على أن الاتفاق الموقع طوعاً لا يمكن أن يشكل أبداً أساساً لدعاوى الاتجار بالبشر، "يبدو خاطئاً أيضاً".
تابع كول: "لا يمكن لرب العمل إنشاء التزامات دائمة التطور في محاولة لإيقاع الموظف في فخ تقديم خدمات إضافية". كتب أن اكتشاف العقود التي تتجاوز الحدود "يمكن أن يؤدي إلى ممارسة رسم الخطوط الصعبة"، وسيصبح واضحاً بشكل أكثر ما إذا كانت "هيلث كاروسيل" قد تجاوزت الخط بعد الكشف عن المزيد من الأدلة.
في طلبها غير الناجح لرفض الدعوى القضائية لكارمن، كتبت الشركة أنها "تعترف بأنها بدأت بإرادتها علاقة العمل مع (هيلث كاروسيل)، وأنهتها بإرادتها أيضاً".
في الوقت ذاته، تقول آنا براكاش، وهي محامية أخرى تمثل كارمن، إن هذا تعريف ضيق للحرية، موضحة أن "الطائر الموجود في القفص له حرية الطيران داخل هذا القفص، لكن هذا لا يعني أن الطائر حر".
تقول كارمن "أتمنى لو كانت هناك آلة زمن، لمنع توقيع هذا العقد من الأساس"
نادراً ما ترفع الممرضات العاملات بعقود دعاوى قضائية جماعية، وغالباً ما تقيد عقود وكالات التوظيف كيفية التعامل مع النزاعات، مثل مطالبة الموظفين بالتنازل عن الحق في المحاكمة أمام هيئة محلفين. تميل الممرضات الأجنبيات إلى الافتقار إلى الاتصالات والأموال التي تساعد في تأمين التمثيل القانوني. بينما تميل الشركات إلى رفع دعاوي قضائية، وليس العمال الأجانب، وفي الحالات التي يستجيب فيها هؤلاء الموظفون السابقون بالطعن في شرعية العقود، يمكن للشركات ببساطة عرض إسقاط الأمر واللعب على مخاوف الموظفين من الديون أو الترحيل، لكن كارمن بدأت في إيجاد رفاق للرحلة.
قصة أخرى
تبدو قصة أخصائية العلاج الطبيعي، جيرلين أميستوسو عن توقيع اتفاقية مجمعة مع "هيلث كاروسيل"، مشابهة كثيراً لقصة كارمن. في اليوم التالي لوصولها من رحلتها التي استغرقت أكثر من 24 ساعة من الفلبين إلى كولورادو في عام 2018، كانت أميستوسو منهكة للغاية لدرجة أن رأسها ظل يتدلى أثناء محاولتها مراجعة الوثائق، وهذا ما لاحظته أيضاً مندوبة "هيلث كاروسيل" أيضاً. تقول أميستوسو في مقابلة: "كانت تضحك. كنت أشعر بالفعل بنعاس شديد، لذلك وقعت الوثائق فقط".
مثل كارمن، تقول أميستوسو إن تجربتها لا تشبه كثيراً ما اعتقدت بأنها وقعت عليه. فقد استمر تمديد فترة "تدريبها" في شركة الرعاية الصحية المنزلية "أكسنت كير" (AccentCare) في دنفر لأشهر، مع العلم أن هذه الفترة تتسم بانخفاض الأجور، ولم يتم احتسابها ضمن الأعوام الأربعة التي اتفقت عليها مع "هيلث كاروسيل". لقد حصلت على أجر أقل من نصف أجر زملائها في العمل ممن عينتهم "أكسنت كير" بشكل مباشر، وعلى عكسهم تم تكليفها بزيارة المرضى المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة، والقيادة لمسافة 100 ميل في معظم الأيام بين المنازل.
عندما أثارت أميستوسو مثل هذه المشكلات مع ممثل "هيلث كاروسيل"، قالت إن المندوب اتهمها بـ"عصيان الأوامر"، وذكرها بأن "هيلث كاروسيل هي سبب وجودك هنا". وأوضحت أنه لم يُسمح لها بإخبار أي شخص آخر عن مخاوفها. وتقول أميستوسو: "لم أستطع النوم. كنت أبكي دائماً، وفقدت شهيتي، وفقدت بعض الوزن أيضاً".
مطالبة بالتعويض
في عام 2019، قررت "أكسنت كير" إلغاء كل وظائفها التابعة لوكالة التوظيف "هيلث كاروسيل"، وقالت الوكالة لأميستوسو، التي لديها رهن عقاري جديد بحاجة لدفعه، وابنة رضيعة، وزوج يعمل في دنفر، إنه يمكنها الاختيار بين الانتقال إلى وظيفة على الجانب الآخر من كولورادو، أو الانتقال إلى وظيفة في ولاية أخرى. وعندما عارضت الأمر، أرسل لها مدير "هيلث كاروسيل" رسالة بريد إلكتروني توضح تفاصيل مبلغ يصل إلى 20 ألف دولار يفترض أن الشركة أنفقته عليها وتتوقع استعادته إذا استقالت، بما في ذلك 8149.33 دولاراً "رسوم الدعم الإداري للمكتب الخلفي".
بدأت أميستوسو تشعر بالقلق من أن أي مكالمة هاتفية أو بريد عادي أو بريد إلكتروني قد تحمل أنباء بمقاضاة "هيلث كاروسيل" لها، أو (أقل احتمالاً) ترحيلها. كانت تتفحص مكالماتها الهاتفية وبريدها الوارد بقلق شديد، ثم انضمت في نوفمبر إلى الدعوى القضائية، التي رفعتها كارمن، بصفتها المدعي الثاني.
في طلبها لرفض الشكوى الأخيرة، قالت الشركة إن أميستوسو "قررت عدم العمل"، وبالتالي "فشلت في الادعاء بصورة مقنعة بأن (هيلث كاروسيل) أجبرتها على العمل". قالت "أكسنت كير" في بيان لها إنه، رغم أنها ليست طرفاً في الدعوى ولم يعد لديها عقد مع "هيلث كاروسيل"، فإنها "تأخذ على محمل الجد أي مطالبة ضد وكالة توظيف تدعم مرضانا" و"تجري تحقيقاً كاملاً في الأمر".
شكوى ثالثة
في ديسمبر، انضمت كيرستين فلوريس، وهي ممرضة فلبينية أيضاً، إلى الدعوى القضائية بصفتها المدعي الثالث. في الشكوى الأخيرة، قالت إن "هيلث كاروسيل" كلفتها بالعمل في وحدات طوارئ أشعرتها بأنها تفتقر إلى التدريب الكافي، ثم فصلتها من العمل بعد الحصول على إجازة لبضعة أيام، وأخبرتها بأنها مدينة لهم بمبلغ 30 ألف دولار مستحق الدفع على الفور. عندما أخبرت الشركة بأنها لن تستطيع دفع سوى 10 آلاف دولار بينما كانت تصارع أيضاً "مخاوف الصحة العقلية والجسدية"، أخبرتها "هيلث كاروسيل" بأن "وجود خطة تمكنك من تسوية ديونك سيساعد في إراحة عقلك". تقول إدعاءات الشركة إن فصل فلوريس من العمل يتناقض مع مزاعمها للاتجار بالبشر، موضحة أنه "بعيداً عن إرغام فلوريس على العمل، أنهت (هيلث كاروسيل) علاقتها بها".
تسوية سابقة
في الأعوام القليلة الماضية، كانت شركات التوظيف تتخذ في بعض الأحيان موقفاً دفاعياً. ففي عام 2018، على سبيل المثال، أعلنت وكالة التوظيف "ميدبرو هيلث كير ستافينغ" (MedPro Healthcare Staffing)، وهش شركة أسهم خاصة، عن التوصل إلى تسوية مع إيدن سيليسبارا، وهي ممرضة فلبينية قاضت الشركة رداً على مقاضاتها بتهمة الإخلال بشروط العقد. زعمت سيليسبارا بأنها عندما اشتكت إلى "ميدبرو" لعدم حصولها على وظيفة محددة لمدة شهرين مع دفع أجرها فقط، هددت "ميدبرو" بإبلاغ الحكومة عنها بتهمة الاحتيال في مسألة الهجرة، وقالت إنها إذا استقالت ستدين لهم بمبلغ 150 ألف دولار في غضون ثلاثة أيام من ترك العمل، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تعويض الأرباح المستقبلية التي كانت تتوقع الشركة جنيها منها.
أنكرت "ميدبرو" ارتكاب أي مخالفات، لكنها تعهدت في التسوية بعدم تضليل الحكومة بشأن موعد حصول الممرضات على أجورهن أو مقاضاتهن من أجل ما يزيد على 40 ألف دولار في حال استقالة أي منهم مبكراً.
قال الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك: "نحن نتفهم ونقر بأن تجربة سيليسبارا لم تكن تجربة جيدة بالنسبة إليها، ونعتذر عن ذلك"، مشيراً إلى أن الشركة كانت "تبحث دائماً سبل تحسين تجربة موظفينا ومرشحينا". في عام 2021، فازت "ميدبرو"، التي رفضت التعليق على هذه القصة، بعقد لا يخضع لمناقصة مع ولاية فلوريدا لتوظيف العاملين في مواقع لقاحات "كوفيد".
إصلاح تشريعي
يقول جوناثان هاريس، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة لويولا ماريماونت، إن تحقيق النصر في الدعوى القضائية الجماعية التي رفعتها كارمن قد يؤدي إلى وضع الصناعة في الحسبان، الأمر الذي يلهم المزيد من جهود التقاضي والإصلاح التشريعي. ويوضح أن "الفوز في هذه القضية سيبعث إشارة إلى صناعة التوظيف بشكل عام، وعلى الأقل في قطاع الرعاية الصحية، بأنه لا يمكنهم الاستمرار في استخدام مثل هذه العقود دون وجود مخاطر جسيمة، مثل ظهور عقود غير قابلة للإنفاذ، وإدعاء أن وكالات التوظيف تتاجر بالبشر".
يقول مؤيدو هذه القضايا إن المسؤولين في الحكومة الأمريكية بإمكانهم بالفعل، فعل الكثير من الأمور لمساعدة الممرضات والعاملين الذين يعانون من أوضاع مشابهة. ومن شأن القوانين أو اللوائح الجديدة التي تنظر نظرة أشمل إلى "العمالة"، أن تسهل مقاضاة الشركات البارزة بسبب إساءة معاملة موظفيها المتعاقدين من الباطن. كما يمكن لوكالات مثل شعبة الأجور وساعات العمل التابعة لوزارة العمل، ولجنة التجارة الفيدرالية، التعامل مع جوانب من نماذج أعمال هذه الشركات، مثلها مثل المدعين العامين في الولاية.
يقول سيليغمان، محامي كارمن، إن "القوانين التي تتم مقاضاة عملائنا بموجبها هي قوانين يمكن للحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات أن تُقاضي بموجبها أيضاً"، موضحاً أنهم لن يكونوا ملزمين ببنود العقد التي وقعها العمال، والتي تقيد مكان وكيفية رفع قضية ضدهم.
ما لم يتم التوصل إلى تسوية أو نجاح اقتراح رفض الدعوى، فإن الدعوى القضائية لكارمن ستتطور إلى الحصول على إفادات وصدور حكم بشأن الشهادة الجماعية للمدعين. في غضون ذلك، ما زالت كارمن تحمل "البطاقة الخضراء" أو "الغرين كارد" (بطاقة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة)، وتعمل الآن بشكل مباشر في مستشفى في هيرشي بولاية بنسلفانيا، حيث كانت تهتم بالمرضى طوال فترة تفشي الوباء.
كانت تلك تجربة بمثابة نوع مختلف من التجارب المروعة، لكنها تقول إنها دفعت أموالاً أكثر، وتم التعامل معها بشكل أفضل الآن مقارنة بما كان الوضع عليه عندما كانت تعمل لصالح "هيلث كاروسيل". وتضيف: "أتمنى لو كانت هناك آلة زمن، لمنع توقيع هذا العقد من الأساس". وتقول:"عليك فقط الاستمرار في المضي قدماً".
كانت المرة الأخيرة التي تواصلت فيها "هيلث كاروسيل" بشكل مباشر مع كارمن، قبل بدء التواصل من خلال المحامين، في أسبوع عملها الأخير في الشركة، ثم أرسلت إليها الشركة اتفاقية عدم الاستخفاف عبر البريد الإلكتروني، وطلبت توقيعها عليها، لكن كارمن لم تُقدِم على هذه الخطوة.