بلومبرغ
توصلت الأرجنتين إلى اتفاق مبدئي بقيمة 44.5 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، في محاولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإعادة تمويل قرض قائم مع المؤسسة الدولية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها.
قال وزير الاقتصاد مارتن غوزمان، الجمعة، إن بلاده تعهدت بتقليص عجزها المالي ببطء، وخفض تمويل البنك المركزي للخزانة، كجزء من برنامج اقتصادي متفق عليه مع صندوق النقد الدولي. وأضاف أن الصفقة ستمنح الأرجنتين فترة سماح لا تقل عن أربع سنوات ونصف السنة، قبل أن تبدأ في سداد القرض.
قال غوزمان للصحفيين في بوينس آيرس: "يفتح هذا القرار طريقاً يمكننا السير فيه، إذ يسمح لنا باتخاذ خطوات أخرى نحو توفير مزيد من فرص العمل"، مضيفاً أن التوصل إلى هذا الاتفاق هو "أفضل ما يمكن أن نحققه".
اقرأ أيضاً: الأرجنتين تشدد قواعد سوق الصرف للحد من تدفق الدولار إلى الخارج
الاتفاق الذي لا يزال بحاجة إلى تصديق الكونغرس الأرجنتيني وموافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي من شأنه أن يساعد البلاد على إعادة تمويل أكثر من 40 مليار دولار من الدَّين المستحق عليها لصندوق النقد الدولي، والناجم عن خطة إنقاذ قياسية جرى التوصل إليها عام 2018. ويوفر هذا الاتفاق أول إطار لخطة اقتصادية في عهد الرئيس ألبرتو فرنانديز، الذي اختار أن يحكم البلاد من خلال مزيج من السياسات قصيرة المدى.
اقرأ المزيد:الأرجنتينيون يتظاهرون ضد صندوق النقد خوفاً من تكرار الدمار الاجتماعي الذي سببه سابقاً
تجنّب الأسوأ
يمهد الإعلان عن هذا الاتفاق الطريق أمام الأرجنتين لتوقيع قرضها الثاني والعشرين مع صندوق النقد الدولي، بعد أن أثارت الخلافات العامة بين أعضاء الائتلاف الحاكم في وقت سابق من هذا الأسبوع تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد ستتخلف عن السداد لأكبر دائنيها. وسيساعد القرض الجديد الأرجنتين على تجنب أزمة اقتصادية أسوأ، في ظل جهودها لاحتواء التضخم الذي تجاوز 50%.
ارتفعت سندات الأرجنتين استحقاق 2030 بما يصل إلى 3 سنتات، في أكبر مكاسب لها في يوم واحد منذ إصدارها في سبتمبر 2020، قبل أن تتقلص إلى ما يعادل 33 سنتاً لكل دولار. وتظهر مستويات هذه الأسعار إلى أي مدى تُعتبر أزمة الديون مأسوية بالنسبة إلى الأرجنتين. أما في سوق الأسهم فقد ارتفع مؤشر ميرفال القياسي في بورصة بوينس آيرس بنسبة 2.9% الجمعة، مسجلاً ثاني أفضل أداء عالمياً يوم الجمعة، بدعم من أسهم البنوك وشركات الطاقة.
في كلمة له ألقاها في وقت سابق الجمعة في المقر الرئاسي في أوليفوس، في بوينس آيرس، قال فرنانديز: "عانينا من مشكلة، والآن لدينا حل. سنكون قادرين على الوصول إلى تمويل جديد ومحدد بفضل هذا الاتفاق".
تفاهم على السياسات الرئيسية
من جانبه، قال صندوق النقد الدولي في بيان منفصل إنه جرى التوصل إلى تفاهم بشأن "السياسات الرئيسية"، بما في ذلك المسار المالي للبلاد، والسياسة النقدية، وخفض دعم الطاقة كطريق لسدّ عجز الموازنة. وأضاف صندوق النقد أن مسؤوليه سيواصلون العمل مع المسؤولين الحكوميين في الأسابيع المقبلة، للتوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين.
قال دانيال ماركس، وهو وزير مالية سابق ومؤسس شركة "كوانتوم فاينانزاس" (Quantum Finanzas) الاستشارية التي تتخذ من بوينس آيرس مقراً لها: "الشيطان يكمن في التفاصيل. لا يزال يوجد كثير مما لا نعرفه".
بدورهم، أخبر مسؤولو صندوق النقد الدولي أعضاء مجلس الإدارة يوم الجمعة في إيجاز غير رسمي بأن الطرفين اتفقا على هدف الوصول إلى توازن مالي أوّلي في عام 2025، وفقاً لما أفاد به شخص على اطلاع مباشر على الموضوع، في وقت حدّد فيه وزير الاقتصاد مارتن غوزمان -كما أوضح في العرض الذي قدمه في وقت سابق- مسار الإنفاق حتى عام 2024.
سياسة الصرف الأجنبي
قال غوزمان أيضاً إن الأرجنتين ستحافظ على سياستها المتعلقة بالصرف الأجنبي، ولن تخفض قيمة عملتها بسرعة. وتبلغ قيمة البيزو الأرجنتيني أقل من نصف سعره الرسمي في السوق السوداء التي يستخدمها الأرجنتينيون للالتفاف على ضوابط رأس المال، وهي سياسة كان صندوق النقد الدولي ينتقدها تاريخياً.
من جهة أخرى، سددت الأرجنتين مبلغ 717 مليون دولار مستحقاً لصندوق النقد الدولي يوم الجمعة، وفقاً لشخص مطلع على الأمر.
قال غوزمان إن التعهدات التي تحافظ على الاتفاق الاقتصادي مع صندوق النقد ستستمر عامين ونصف العام، كجزء من صفقة تمويل مدتها 10 سنوات، تُعرف باسم "تسهيل الصندوق الموسع"، دون تقديم تفاصيل عن الجدول الزمني لسداد الديون. وأضاف أن الاتفاق لا يتضمن إصلاحاً في سوق العمل أو خصخصة الشركات العامة.
أما ماركس فقال إن "الخطة تفترض أن تموِّل الخزانة نفسها في نهاية الأمر، من خلال السوق المحلية، وهو ما يمكن تحقيقه".
النقاط الرئيسية في الاتفاق كما أوضحها وزير الاقتصاد مارتن غوزمان:
- تهدف الأرجنتين إلى تحقيق عجز مالي أولي بنسبة 2.5% في 2022، و1.9% في 2023، و0.9% في 2024.
- خطط لخفض مساعدة البنك المركزي للخزانة إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، و0.6% في عام 2023، و"بالقرب من الصفر" في عام 2024.
- ستستمر الأرجنتين في سياسة الصرف الأجنبي المعمول بها حالياً، دون قفزات كبيرة في تخفيض قيمة العملة.
- تستهدف الخطة زيادة الاحتياطات الأجنبية بقيمة 5 مليارات دولار في عام 2022.
- لن تسعى الحكومة إلى إصلاح سوق العمل أو خصخصة الشركات العامة.
- ستواصل الأرجنتين ضبط الأسعار كجزء من استراتيجيتها الخاصة بمكافحة التضخم.
- تستهدف الخطة أيضاً أسعار فائدة حقيقية إيجابية.
يُذكر أن الموافقة على الاتفاق بين الأرجنتين وصندوق النقد الدولي ليست مضمونة، خصوصاً من الجانب الأرجنتيني. في ديسمبر الماضي، أسقط الكونغرس الأرجنتيني الجديد مشروع الموازنة الذي تقدم به الرئيس فرنانديز لعام 2022. وكان ائتلاف فرنانديز الحاكم قد فقدَ الغالبية في مجلس الشيوخ بعد خسارته في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر.
إذا جرت الموافقة على الاتفاق فيجب على الأرجنتين التزام أهداف الميزانية في البرنامج، واجتياز مراجعات ربع سنوية مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، من أجل الاستمرار في الاستفادة من الإعفاء من الديون. هذه مهمة صعبة في ظل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى العام المقبل، وانقسام الائتلاف الحاكم بعد خسارته في انتخابات التجديد النصفي.
قال إدوين غوتيريز، مدير محفظة في "أبردين لإدارة الأصول" (Aberdeen Asset Management) في لندن: "من الواضح أنها خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن كما هي الحال مع كل اتفاقات صندوق النقد الدولي مع الأرجنتين، فإن هذا الاتفاق محفوف بمخاطر التنفيذ".