ارتفعت الأسعار بأسرع معدل لها منذ عقود، وكانت لدينا خمسة نقاشات حول التضخم، بدلاً من نقاش واحد. قد يكون من الأفضل أن نميّز ما بين القضايا عندما نفكر فيها..
يتعلق النقاش الأول بحجم التضخم الحالي: إلى متى سيستمر؟ وإلى أي مدى سيرتفع؟
اقرأ أيضاً: موجة التضخم أكبر تهديد للاقتصاد العالمي في 2022
لقد بدأ النقاش الأول في الربيع الماضي، عندما دقَّ بعض الاقتصاديين ناقوس الخطر من احتمال أن نشهد أعلى معدل تضخم منذ جيل، بينما جادل آخرون أولاً بأن التضخم سيظل ضعيفاً ومن ثم سيتّضح أنه "مؤقت". ظل التضخم حتى الآن مرتفعاً لفترة كافية، لدرجة أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، توقّف عن استخدام تعبير "مؤقت".
الضرر الذي أحدثه هذا التضخم، أثار نقاشاً ثانياً. زعم المتفائلون أن ذلك سيساعد الكثير من الأمريكيين، وربما حتى معظمهم، لأنه يسمح للمقترضين بسداد قروضهم بالدولار الذي تنخفض قيمته، بينما أكد المتشائمون، الذين يصطف الجمهور إلى جانبهم، أن القيمة الحقيقية للأجور تراجعت خلال العام الماضي.
اقرأ المزيد: التضخم وليس "أوميكرون".. الهاجس الأكبر للبنوك المركزية
جشع الشركات
النقاش الثالث يتناول، ما الذي يقف وراء التضخم؟. يشير بعض السياسيين والنشطاء إلى جشع الشركات، وزيادة تركيز الأعمال. لكن هذه التفسيرات لا تفسر مثلاً: لماذا لم ينخفض تركيز الأعمال لمدة أربعة عقود بدءاً من الثمانينيات، ثم ارتفع فجأة العام الماضي؟ من الصعب تصديق أن الجشع اتبع هذه الوتيرة أيضاً. يتعلق الخلاف الأكثر خطورة بمدى الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19، التي تسببت في ارتفاع الأسعار، وإلى أي مدى تسببت المبالغة في تحفيز الاقتصاد بذلك؟ بمعنى آخر، ما هو مقدار "العرض" في هذه المشكلة؟، وما مقدار "الطلب" فيها؟
يقودنا هذا النقاش بسرعة إلى النقاش الرابع: ما الذي يجب أن نفعله لمكافحة التضخم؟ من بين الحلول المقدمة: إبطاء شراء الأصول من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ورفع أسعار الفائدة، وتقليص اللوائح التنظيمية لمعالجة النقص، وتقييد الإنفاق الفيدرالي -وهذا هو المفضل لمنظري جشع الشركات- وفرض ضوابط على الأسعار.
مسؤولية بايدن
من هنا، ننتقل إلى النقطة الخامسة: إلى أي حدّ أخطأ الرئيس جو بايدن في هذا الوضع؟ لا توجد جائزة لتخمين خط التقسيم في هذا الأمر.
من الواضح أن كل هذه النقاشات مرتبطة ببعضها البعض. يعتمد قياس مدى الضرر الذي أحدثه التضخم، على سبيل المثال، على سبب حدوثه: لا ينبغي توقع أن يساعد التضخم الناتج عن العرض المقترضين أو أن يتصدى له الاحتياطي الفيدرالي بسهولة. لكن الخلط بين هذه القضايا يمكن أن يؤدي إلى أخطاء.
أشار مؤيدو بايدن أحياناً إلى اضطرابات سلسلة التوريد كطريقة لإنكار أن التضخم كان نتيجة خطئه. غالباً ما يفضل خصومه التركيز على السياسة المالية الفضفاضة، ما يوضح ذنبه. لكن هذه الطريقة في النظر إلى القضايا هي مجرد نمط رتيب وقعنا فيه.
يمكن أن يكون التضخم الحالي مشكلة عرض إلى حد كبير، وفي الوقت ذاته، يجب على بايدن بذل المزيد من الجهد لمعالجة ذلك. سيكون إلغاء قانون "جونز"، الذي يجعل نقل البضائع أكثر تكلفة، بمثابة بداية، والتخلي عنه بالكامل هو أمر في سلطة الرئيس.
فوق ذلك، إن إنفاق بايدن ليس مجرد مشكلة طلب. عندما يقول النقاد إن أموال الإغاثة من كوفيد-19 جعلت من السهل جداً على الأشخاص تجنّب العمل، فإنهم يتحدثون عن تأثير العرض.
توقعات خائبة
عندما أقول "يجب علينا" التمييز بين الأسئلة التي يثيرها هذا التضخم، فأنا أشمل نفسي أيضاً. في الربيع الماضي، كنت متشككاً من الحجة القائلة إن السياسة المالية والنقدية كانت فضفاضة بشكل خطير بطريقة تهدد بارتفاع التضخم. لم تتحقق التوقعات السابقة على هذا المنوال، مثل تلك التي صدرت بعد الركود العظيم قبل عقد من الزمن. ظلت السرعة التي يتم بها تحويل الأموال منخفضة. وظلت توقعات السوق للتضخم على مدى السنوات الخمس إلى العشر القادمة بالقرب أو أقل من هدف الاحتياطي الفيدرالي.
مازلت ملتزماً بمعظم ما كتبته في ذلك الوقت. في نهاية العام، تبدو السياسة النقدية فضفاضة إلى حد ما، إذا حكمنا من خلال الفجوة بين مستويات الإنفاق الفعلي في جميع نواحي الاقتصاد والمستويات المتوقعة.
مع ذلك، فقد أخطأت في الاعتقاد بأنه بالتالي لا داعي لنا أن نقلق بشأن التضخم. (لقد كان عنوان "توقف عن القلق بشأن التضخم" هو العنوان الرئيسي في مقال رأي، شاركت في كتابته في فبراير، المعذرة). تحذيرات التضخم التي كنت أعترض عليها لم تتناول سلاسل التوريد، لذلك لم أقم أنا أيضاً بالتطرق إليها. لكن تبيّن أن نقص الإمدادات أمر بالغ الأهمية -ثم أصبح أكثر استمراراً مما كنت أفترضه في البداية.
سنرتكب الخطأ المعاكس، إذا افترضنا أنه نظراً لأن صقور التضخم كانوا على حق في النقاش الأول والثاني، فإنهم فهموا كل شيء بشكل صحيح أيضاً. حتى الآن، لم يتحقق الخوف من أن تكسب توقعات التضخم المتزايدة حياة خاصة بهم: لا تزال أسواق السندات تضع معدلات تضخم تقترب من 2% خلال العقد المقبل.
إذا كنا محظوظين –إذ أن هذا الوصف مهم بعد التقليل من تضخم 2021- بعد عام من الآن ستبدو كل هذه المناقشات أقل أهمية.