بلومبرغ
إن كنت من متابعي عالم العملات المشفرة ولو بالصدفة، فلا بد أنك تعلم أنها تنتج مصطلحات خاصة بها باستمرار. فهناك على سبيل المثال لا الحصر، الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) وتطبيق التوزيع "داب" (dapp) و"التمويل اللامركزي" (DeFi) و"اقتصاد العملات المشفرة" (tokenomics). والآن، استعد للتعرف على مصطلح جديد، وهو: "ويب3" (Web3) الذي يشير إلى أن "التشفير" ليس فقط لإرسال الأموال أو المضاربة، ولكن يمكن استخدامه لبناء شبكة ويب جديدة بالكامل. إذا كان من يعتقدون بصحة ذلك على حق، فهذا جزء من لغة العملات المشفرة الذي يستحق التعرف عليه، حتى وإن كنت من الذين لم يتعاملوا أبداً بـ"بتكوين".
اقرأ أيضاً: ميلانيا ترمب تدخل عالم الأصول المشفرة وتطلق رمزاً غير قابل للاستبدال
بالطبع، تتغير البرامج التي تستند عليها الإنترنت طوال الوقت. إن ما يجعل "ويب 3" مختلفة، وغريبة إلى حد ما، هي أنها ستبني الأصول المالية، على شكل رموز مميزة، في الأعمال الداخلية لأي شيء تقوم به على الإنترنت تقريباً. ومن خلال القيام بذلك، يقول مناصرو الفكرة إنها قد تحل محل الشركات ذات الهياكل اللامركزية القائمة على الإنترنت، والتي تحكمها بروتوكولات البرامج وأصوات حاملي الرموز. يقول جيف دورمان، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق العملات المشفرة "أركا" (Arca): "إنه أول اختراق حقيقي للمستهلك لمجال العملات المشفرة. ومع مرور الوقت، ستصبح كل شركة هي شركة إنترنت. وأعتقد بأن هذا سيحدث هنا في الأصول الرقمية".
اقرأ المزيد: إنفوغراف.. طفرة في مبيعات الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال
يقول المشككون -وهناك الكثير منهم- إن هذه الأمور لا تزال في غاية البعد عن إثبات استخدامها بما يتجاوز التطبيقات المتخصصة، والعديد منها ليس إلا أدوات تستهدف متداولي العملات المشفرة. قد تكون أيضاً محاولة للالتفاف حول التشريعات التنظيمية، في وقت يستعد فيه صانعو السياسة لوضع قواعد أكثر وضوحاً للعملات المشفرة. باختصار، تبدو "ويب 3" عبارة عن مزيج قوي من المشاريع الجديدة الإبداعية، والتقنية الطوباوية، والهندسة المالية. وفي ما يلي سنقدّم لك دليل المبتدئين لما تحتاج إلى معرفته.
اقرأ أيضاً: دراسة: نمو صناعة الرموز المشفرة يشير إلى وجود سلوك خاطئ
لماذا "ويب 3"؟
يصف مصطلح "ويب 1.0" (Web 1.0) عموماً كل شيء، بدءاً من أول اتصال بين شبكات الكمبيوتر في السبعينيات والثمانينيات وحتى أول ازدهار للمتصفحات والمواقع الإلكترونية في التسعينيات. في المرحلة التالية، جاءت "ويب 2.0" (Web 2.0)، حيث قامت الشركات ببناء تطبيقات إضافة إلى ما سبق، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى محركات البحث إلى مواقع الويكي، والتي يعتمد الكثير منها على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون. ورغم أن هذا جعل جزءاً كبيراً من شبكة الإنترنت لامركزية بمعنى ما، إلا أن معظم الأشياء لا تزال تعمل من خلال الشركات الكبرى. أما فكرة "ويب 3" (Web3)، فتتمثل في إنشاء برامج ومنصات لا تعتمد على الشركات التقليدية ونماذج أعمال "ويب 2.0" مثل الإعلانات. على سبيل المثال، قد يدفع المستخدمون مقابل الخدمات مباشرةً باستخدام الرموز المميزة. في عالم مثالي، من المفترض أن تقوم مجتمعات المستخدمين بتشغيل خدمات "ويب 3" وامتلاكها وتحسينها. (أما في ما يتعلق بالتسمية "ويب 3" وليس "ويب 3.0" (Web 3.0)، فغالباً ما يعود ذلك إلى التغييرات في كيفية تحدّث المطورين إلى بعضهم عبر الإنترنت.
ما علاقة هذا بالعملات المشفرة؟
تعمل بتكوين، العملة المشفرة الأصلية، من خلال امتلاك قاعدة بيانات عامة تسمى سجل بلوكتشين لكل معاملة. إنها قاعدة بيانات لامركزية، لأن دفتر الحسابات هذا ليس بيد شركة واحدة، بل يعمل من خلال شبكة واسعة من أجهزة الكمبيوتر التي تتصل جميعها بالإنترنت، ويحصل مشغلوها على مكافأة على عملهم من خلال فرصة لكسب المزيد من عملات بتكوين. ولكن من خلال استخدام البلوكتشين، يمكن القيام بما هو أكثر من عمليات النقل القياسية للعملات الرقمية. يمكن استخدامه لإبرام العقود والتحكم في كيفية عمل البرامج والتطبيقات.
غالباً ما تعتمد تطبيقات "ويب 3" على تقنية تسمى "إيثيريوم" (Ethereum)، والتي -مثل "بتكوين"- تكافئ المستخدمين الذين يساعدون في المحافظة على شبكتها. تسمى عملتها المشفرة بـ"إيثر" (Ether)، وتبلغ قيمتها السوقية الإجمالية 511 مليار دولار. يمكن أن تحتوي التطبيقات نفسها أيضاً على رموز مرتبطة، والتي لا تدفع مقابل الخدمات فحسب، ولكنها تعمل مثل مشاركات التصويت التي تحكم تطوير التطبيقات وحتى هيكلية الرسوم. في البدايات الأولى على الأقل، غالباً ما كانت الحوافز الكثيرة لهذا النوع من النشاط تمثل فرصة لارتفاع سعر الرمز المميز. قد يرتفع سعره مع انضمام المزيد من المستخدمين إلى المجتمع، ولكن بالطبع يمكن تضخيمه أيضاً من خلال التكهنات. يحتوي مجال العملات المشفرة على الكثير من هذه الأمور.
لماذا نسمع المزيد عنه الآن؟
شكل ازدهار المضاربة جزءاً كبيراً من ذلك، ولكن الناس أيضاً بدؤوا في رؤية هذه التكنولوجيا في الحياة الواقعية. ومع انتعاش بتكوين والعملات المشفرة الأخرى في وقت سابق من هذا العام، ضخ أصحاب رؤوس الأموال مليارات الدولارات في بناء التطبيقات الموزعة أو "داب" (dapps) وتحسينها. تلقى العديد من فرق تطبيقات التوزيع (dapp) أيضاً توزيعات للعملات المشفرة، التي ارتفعت قيمتها، ما أثار المزيد من الاهتمام بها. يقول علي يحيى، الشريك العام للعملات المشفرة في شركة رأس المال الاستثماري "أندريسين هورويتز" (Andreessen Horowitz): "نحن الآن أمام منعطف سيؤدي إلى وتيرة أسرع للابتكار والنمو في (ويب)". (يذكر أن شركة "بلومبرغ" التي تمتلك "بلومبرغ بيزنيس ويك"، استثمرت مع "أندريسين هورويتز").
أُدرج أكثر من 8,700 تطبيق توزيع (dapps) نشط على متتبع "دار رادار" (DappRadar)، بما يشمل الكثير من الألعاب ومنصات تداول العملات المشفرة. في بعض الأحيان يبدو الخط الفاصل بين هذه الرموز غامضاً: إذ يتضمن العديد من الألعاب الفوز وتداول الرموز غير القابلة للاستبدال أو (NFTs)، وهي شخصيات افتراضية أو مقتنيات يمكن أن تجلب أسعاراً باهظة.
تحوّلات سريعة
قد يكون التشغيل من خلال شبكة توزيع أمراً صعباً، لكن تجربة المستخدم تتحسن. يقول جوناثان دوتان، مؤسس ومدير "ستارلينغ لاب" (Starling Lab)، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية انبثقت من ستانفورد ومؤسسة "شوا" (Shoah) التابعة لجامعة جنوب كاليفورنيا، والتي تعمل على استخدام علم التشفير والشبكات اللامركزية للمساعدة في المحافظة على المستندات والتحقق منها بما في ذلك السجلات التاريخية الحساسة: "لا يزال الوقت مبكراً، ولكن حدثت تحوّلات في الأشهر الستة الماضية". يتمثل أحد مشاريع المجموعة في تحميل أكثر من 55 ألف شهادة فيديو للناجين من الإبادة الجماعية إلى "فايلكوين" (Filecoin)، وهي شبكة موزعة، حيث يقوم أكثر من 3,500 مزود حول العالم بتخزين الملفات على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم مقابل رموز "فايلكوين" (FIL). يقول دوتان إن "ستارلينغ لاب" قادر الآن على ضخ ثلاثة أضعاف البيانات يومياً في "فايلكوين" مقارنة ببداية العام.
في أكتوبر، دخلت شركة "ديش نيتورك" (Dish Network) في شراكة مع شركة "هيليوم" (Helium) الناشئة المتخصصة في اتصالات الجيل الخامس اللاسلكية. يتقاضى مزودو "نقاط الاتصال" أموالهم بالرمز المميز "إتش إن تي" (HNT) مقابل تقديم التغطية. يقول أمير حليم، الرئيس التنفيذي لشركة "هيليوم": "بدأ الناس يدركون أن هذه فرصة جديدة تذكرنا بـ"إير بي إن بي" (Airbnb) أو "أوبر" (Uber)". تعمل مدينة سان خوسيه في ولاية كاليفورنيا على إعداد 20 نقطة اتصال "هيليوم" لكسب رموز "إتش إن تي"، للمساعدة في تغطية الوصول إلى الإنترنت لبعض السكان ذوي الدخل المنخفض.
يعمل مهندسو شركة "تويتر" على "بلو سكاي" (Bluesky)، وهي نسخة لامركزية من وسائل التواصل الاجتماعي. أعلنت شركة الألعاب "أوبي سوفت" (Ubisoft) في السابع من ديسمبر أنها ستسمح للاعبين في لعبة واحدة باقتناء رموز غير قابلة للاستبدال (NFT) مثل مركبات لشخصياتهم. بمعنى آخر، ستواجه التطبيقات اللامركزية الكثير من المنافسة من مشغلي الإنترنت التقليديين. يقول آرون براون، مستثمر عملات مشفرة يكتب في "رأي بلومبرغ": "تبدو المعركة الأكبر هنا مع شركات التكنولوجيا الكبرى. فالحافز المالي لهذه الشركات هو سرقة (ويب 3) بإصدارات تشبهه من تطبيقاتها".
هل يهم إن كانت التطبيقات لا مركزية؟
يقول براون: "المركزية مريحة. من المرجح أن يكون (ويب 3) مكاناً للمجموعات المتخصصة. للأشخاص الذين يطورون أفكاراً جديدة". يهدف العديد من هذه التعهدات إلى أن تصبح "داو" (DAO) أو المنظمات المستقلة اللامركزية فعالة، من خلال آلاف المستخدمين الذين يتحكمون بمشروع من خلال مجموعات الدردشة ورموزهم المميزة. تقول ماريا شين، الشريكة في شركة رأس المال الاستثماري "إلكتريك كابيتال" (Electric Capital)، "أعتقد بأن "داو/المنظمات المستقلة اللامركزية" (DAOs) ستكون موجودة في كل مكان مثل الشركات والنوادي والمنظمات غير الربحية والأنواع المختلفة من الهيئات والمنظمات الرسمية".
ما هي الجوانب السلبية؟
رغم وصف "ويب 3" غالباً بمصطلح التعاونيات المثالية، إلا أنه يمكن أن تكون اللامركزية أيضاً غطاءً للعمل كالمعتاد مع قدر أقل من المساءلة. تثير الهيئات التنظيمية مخاوف بشأن بعض المشاريع، لا سيما التمويل اللامركزي، أو (DeFi)، كالتطبيقات التي تتيح للأفراد إقراض العملات المشفرة واقتراضها وتبادلها مع بعضهم، وغالباً دون التحقق من هويات المستخدمين أو إجراء تحقيقات مكافحة غسيل الأموال. يدّعي العديد من فرق المطورين أنهم غير مسؤولين عن ذلك، لأنهم نقلوا التحكم إلى المستخدمين. تقول أفيفاه ليتان، المحللة المتخصصة في البلوكتشين في شركة "غارتنر" (Gartner) للأبحاث: "ما هذه الأسرار الصغيرة القذرة التي لا يتحدث عنها أحد؟ في الوقت الحالي، يُدار التمويل اللامركزي (DeFi) بواسطة شركات مركزية. لكن الفرق هو أنه لا يمكنك إيقاف البروتوكولات. يمكن اعتقال الناس، ويمكن للمنظمين وضعهم في السجن، لكن لا يمكن إيقاف البروتوكولات".
هناك مخاوف بيئية بشأن المقدار الهائل من قوة الحوسبة التي تتطلبها بعض مشاريع البلوكتشين، رغم أن الأنظمة الأحدث قد تخفف من ذلك. ومع وجود الكثير من الشفرات التي تُكتب خلال الليل، تكثر أخطاء البرامج وهجمات القرصنة الضارة. لا يذكر العديد من المشاريع حتى أرقام الاتصال، رغم أنها قد تحتفظ بمجموعات الدردشة عبر الإنترنت. إذا أخطأت في الكتابة وأرسلت أموالاً إلى حساب خاطئ، فقد تضيع إلى الأبد. لن تتمكن من حل المشكلة كما تفعل عن طريق الاتصال بخط خدمة العملاء بالبنك.
لدى العديد من مشاريع "ويب 3" عدد قليل من العملاء الذين يدفعون، ولكن يمكنها الكسب من تخمين الرمز المميز الأساسي، ما يجعلها عرضة للسوق الجامحة. سنذكر مثلاً شركة "بيكنيك آند كو" (Piknik & Co)، التي توظف حوالي 30 شخصاً وتدير مركزي بيانات يدعمان "فايل كوين". إنها تحقق أرباحاً من توليد الرموز المميزة (FIL)، والتي تضاعفت قيمتها تقريباً هذا العام. لكن هذه القيمة انخفضت بنسبة 82% منذ ذروة أبريل. يقول الرئيس التنفيذي، كيفين هوينه، إن لديه عملاء في برامج تجريبية سيبدؤون في النهاية في الدفع له. لقد قام برهان كبير على "ويب 3". كان يتدرب جراحاً قبل أن يبدأ العمل في "بيكنيك"، وقام بتصفية خطة تقاعده (401 k) وجمع مساهمات صغيرة من حوالي سبعين شخصاً من أقاربه وأصدقائه للبدء. ويقول: "أعتقد بأن هذا سينجح".