بلومبرغ
مع حشد الرئيس فلاديمير بوتين للقوات الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا، حان الوقت مرة أخرى للتوضيح لموسكو أن الغرب ليس عديم الفاعلية. فالولايات المتحدة في وضع فريد من نوعه لمواجهة العدوان الروسي - أو عدوان أي خصم آخر – بالوكالة المالية، بفضل هيمنة الدولار عالمياً، و يمكن أن يؤدي العمل بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي و"مجموعة العشرين" إلى زيادة قوة أي عقوبات.
اقرأ المزيد: بايدن يدرس عقوبات تستهدف البنوك الروسية إذا غزا بوتين أوكرانيا
تتزايد التكهنات بشأن ما قد تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك قطع روسيا عن نظام المدفوعات المالية السريع التابع لـ"جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك" (Swift)، الذي ينفذ المعاملات بين البنوك في جميع أنحاء العالم. لكن هذا الإجراء - الذي يعتبره البعض "خياراً نووياً" - يهدد بإلحاق الأذى بالعديد من المواطنين الروس والمؤسسات غير الروسية أيضاً. هناك حل أبسط: إغلاق وصول الحكومة إلى أسواق رأس المال العالمية بشكل أكثر صرامة، وهي خطوة لن تؤثر بشكل مباشر على عامة الناس لكنها بالتأكيد ستضغط على النخبة الحاكمة.
اقرأ أيضاً: بوتين يغذي المواجهة مع الناتو وسط غلبة المتشددين
صفقات السندات الروسية
تم التهديد من قَبل بالقيام بذلك، لكن القادة الأمريكيين اختاروا في النهاية نهجاً أكثر تساهلاً. لكن في أبريل، شددت إدارة بايدن العقوبات، التي تقيد مشاركة المؤسسات المالية الأمريكية في السوق الأساسية لصفقات السندات السيادية الروسية.
قال الأمر التنفيذي آنذاك: "يعكس هذا التوازن الدقيق الذي حاول الرئيس بايدن والإدارات السابقة تحقيقه من خلال فرض عقوبات ذات دلالة على جهات فاعلة كبيرة وذات أهمية عالمية دون إحداث عواقب جانبية تضر بحلفاء الولايات المتحدة في نفس الوقت، مثل هذا التوسيع المحدود المقيد للأنشطة الذي يترك أيضاً مجالاً لتعزيز المزيد من التدابير إذا استمرت أنشطة الكرملين الضارة".
في الواقع، يمكن للولايات المتحدة زيادة الضغط على موسكو من خلال منع المستثمرين أيضاً من شراء الديون الروسية (بالروبل أو غير الروبل) في السوق الثانوية. في حقيقة الأمر، يوضح الأمر التنفيذي أن إدارة بايدن تدرك جيداً أن هذه ثغرة قد تغلقها إذا لزم الأمر، ويفضل أن يكون ذلك بالاشتراك مع حلفائها.
لا يمنع الأمر التوجيهي أيضاً المؤسسات المالية الأمريكية من المشاركة في السوق الثانوية للسندات السيادية الروسية - وهي ثغرة يحتمل أن تكون واسعة والتي بموجبها قد تستمر البنوك الأمريكية في شراء مثل هذه الديون، لكن ليس بشكل مباشر من الكيانات الثلاثة المستهدفة. هذه ثغرة يمكن إغلاقها بشكل كبير إذا تبنت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تدابير مماثلة – ما يدعم تقييمنا بدرجة كبيرة بأن الإدارة صممت هذه القيود جزئياً ليتم فرضها جنباً إلى جنب مع قيود مماثلة صادرة عن لندن وبروكسل.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تريد وقف خط غاز "نورد ستريم 2" في حال غزا بوتين أوكرانيا
عواقب أكبر على الحكومة
سيكون لتصعيد كهذا عواقب أكبر بكثير على الحكومة الروسية من القيود المفروضة حالياً. في الوقت الحالي، تضاءلت الملكية الأجنبية للديون السيادية لروسيا تدريجياً من حوالي 34% في بداية عام 2020 إلى 21.2% اعتباراً من أكتوبر، وفقاً لبيانات البنك المركزي الروسي. لم تكن هناك تصفية بالجملة لأن السوق الثانوية للأوراق المالية في البلاد لا تزال مفتوحة على مصراعيها.
في غضون ذلك، ظلت نفقات الفائدة الروسية معتدلة، على الرغم من أن نية العقوبات الحالية على سوق السندات كانت "معاقبة الكرملين من خلال زيادة تكاليف الاقتراض". كانت الحكومة مُصدراً نشطاً لسندات "يورو بوندز" باليورو في السنوات الأخيرة، بإصدارها مؤخراً في شهر مايو سندات بنسبة 2.65%، بقيمة مليار يورو (1.1 مليار دولار) لأجل 15 عاماً. من الواضح أن هذا مصدر مهم للغاية من التمويل الرخيص والواسع النطاق والأطول أجلاً لنظام بوتين. تشمل قائمة ملاك هذه السندات الذين تم تسجيلهم كبار وأعرق مديري الاستثمار الأوروبيين والأمريكيين.
ليس من الواضح على الإطلاق من سيكون المشتري الذي يمثل الملاذ الأخير، إذا أصبحت هذه السندات جزءاً من قائمة عقوبات أقوى، تتسبب بخلل كبير وربما تجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة بكثير. من المحتمل أن تمتص المؤسسات الروسية المحلية تغيير البائعين المفاجئ، إذا طُلب من الأجانب فجأة الخروج من الديون الحكومية المقومة بالروبل - لكن ذلك لن يكون له تبعات جيدة.
الاحتفاظ ببعض الإجراءات الصارمة
كما أوضحت الأوامر التوجيهية السابقة، أهمية الاحتفاظ ببعض هذه الإجراءات الصارمة في الاحتياط. من بين المُصّدِرين الآخرين الجدد بغير الروبل، البنوك الروسية الكبيرة التي ترفع الديون الدائمة، وشركات الموارد مثل "لوك أويل" و"نورنيكل"، وحتى "الشركة العامة لتأجير النقل" (State Transport Leasing).
لا تنطبق "قاعدة الخمسين بالمائة" الصادرة عن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" على روسيا، مما يعني أنه لا يزال بإمكان المستثمرين الأمريكيين المشاركة في السوق الأولية لعروض هذه السندات. إذا تم توسيع قائمة القطاعات والشركات الخاضعة للعقوبات - وخاصة إذا كانت هذه العقوبات تقيد أيضاً معاملات السوق الثانوية على نطاق واسع - فإن هذا النقص المفاجئ في رأس المال الأجنبي سيكون كارثياً على الاقتصاد الروسي.
تحتاج الولايات المتحدة أن يكون لديها القدرة على تقييد وصول روسيا إلى التمويل ورفع تكاليف الاقتراض - ولكن بنفس الأهمية، أن تكون أيضاً قادرة على تخفيف العقوبات. فحتى الآن، كانت العقوبات مستهدفة بعناية وأقل إضراراً في الواقع مما كان يُخشى منه في البداية. قد يكون ذلك بحاجة إلى تغيير لأن الأدلة حتى الآن تشير إلى أن الألم لم يكن بالحد الكافي الذي قد يؤدي إلى تغيير تفكير موسكو.