بلومبرغ
تفصل 100 مليار دولار بين أغنى دول العالم وأفقرها في قضايا المناخ، وتمثل هذه الأموال تهديداً للآمال المعقودة على إمكانية التوصل لصفقة هامة خلال قمة المناخ "كوب 26" المقرر انعقادها في اسكتلندا.
هذا المبلغ يمثل قيمة المساهمات السنوية التي وعدت الدول المتقدمة قبل عقد من الزمان بتخصيصها لمساعدة الدول الأقل ثراءً حتى تستطيع الأخيرة خفض انبعاثاتها والتكيف مع التغيرات المناخية.
وهي تمثل نصف اتفاق محادثات التغير المناخي التي شهدتها باريس في عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث من المفترض أن تقدم الدول المتقدمة الأموال، مقابل استثمار الدول الفقيرة في تقنيات الطاقة النظيفة والمشاريع التي تزيد قدرتها على مواجهة تغيرات المناخ مثل مشاريع السيطرة على الفيضانات.
وبينما ينتظر العالم القمة العالمية المقبلة المقرر انعقادها بمدينة جلاسكو في اسكتلندا، فإن الاقتصادات المتقدمة لم تقدم المبلغ المستحق منها، وقد دفعت الفجوة المالية الهائلة ببعض أكبر الملوثين مثل الهند والبرازيل، نحو رفض الدعوات التي تطالبها بخفض التلوث بشكل أسرع، دون الحصول على مساعدات إضافية.
أين هي الأموال؟
يكمن جزء من المشكلة في عدم وضوح من يدين بكم. حيث إن المساهمات المالية من الدول ليس لها نسب مستهدفة تحدد قيمتها كما هو الحال مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يلتزم أعضاؤه بتقديم 2% من إجمالي إنفاقهم العسكري.
مع ذلك، فإن الآراء تتوافق حول وقوع معظم اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ساهم أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 4% فقط من حصته العادلة في عامي 2017 و2018، بحسب مركز أبحاث "أوفرسيز ديفيلوبمنت" (Overseas Development Institute)، وذلك استناداً على ثروة البلاد وحجم انبعاثاتها وكثافتها السكانية. كما أن الولايات المتحدة مسؤولة عن أكبر عجز في القيمة الإجمالية من هذه الأموال.
وقد واجه الرئيس الأمريكي جو بايدن انتقادات شديدة في أبريل بعد تعهده بتقديم 5.7 مليار دولار سنوياً فقط للدول النامية لمكافحة تغير المناخ بحلول عام 2024، وهو ما يشكل جزءاً بسيطاً مما ساهم به الاتحاد الأوروبي بالفعل. ثم أعلن مؤخراً عن مضاعفة هذا الرقم، لكنه لا يزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس.
يقول ألدن ماير، زميل خبير في مركز أبحاث المناخ "إي 3 جي" (E3G) الواقع في واشنطن: "هذا الالتزام الأمريكي الجديد يزيد بشكل كبير فرص وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها البالغة 100 مليار دولار، لكنه لا يضمن حدوث ذلك، حيث تحتاج دول أخرى مثل أستراليا وإيطاليا إلى اتخاذ خطوات أيضاً".
يشير تقرير "أوفرسيز ديفيلوبمنت إنستيتيوت" إلى أن ألمانيا والنرويج والسويد هي الدول الثلاثة الوحيدة التي قدمت القيمة العادلة من حصتها في الأموال الممنوحة للدول النامية، وذلك من بين 23 دولة مسؤولة عن توفير التمويل المناخي للدول النامية.
بينما أوضحت أحدث البيانات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الدول المانحة لم تحرز أي تقدم تقريباً نحو بلوغ الهدف الإجمالي للتمويل.
وقد بلغ إجمالي تمويل المناخ الذي قدمته الدول الغنية ما قيمته 79.6 مليار دولار في عام 2019، بزيادة ضئيلة بنسبة 2% عن عام 2018. ولتعويض هذا الفارق، لا بد أن تكون المساهمات قد قفزت بمقدار 20 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو أمر مستبعد بشكل خاص في ظل الاقتصادات والميزانيات الحكومية المتعبة جراء تفشي الوباء.
"الوكالة الدولية": الكوكب في خطر بسبب ضعف الاستثمار في الطاقة النظيفة
في بداية محادثات المناخ في قمة كوبنهاغن للتغير المناخي "كوب 15" التي كانت في عام 2009، وافقت الدول المتقدمة على هدف الـ100 مليار دولار، وهذا التعهد كان النقطة المضيئة الوحيدة في اجتماع اعتبر إلى حد كبير فاشلاً. ثم أكد اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 على الهدف، واتفقت كافة الدول فيه على التعاون للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والالتزام بتمويل المناخ، رغم أن الدول المانحة كانت بعيدة جداً عن تحقيق هذا الهدف.
ومنحت 70% تقريباً من الأموال في عام 2019 على شكل قروض، وهو نمط يُرجح استمراره، وربما يقود المستفيدين إلى تسجيل المزيد من الديون عليها، بحسب منظمة "أوكسفام" (Oxfam). كذلك استُخدمت أموال المنح والتمويل المقدمة من المصارف الإنمائية المختلفة لاستكمال بقية المبلغ.
استمرار نقص التمويل
هيمن موضوع النقص المستمر في التمويل على الاجتماع الأخير لمؤتمر التغير المناخي "كوب".
عن ذلك، قال جان كوالزيغ، كبير مستشاري سياسة تغير المناخ في منظمة "أوكسفام" في ألمانيا: "مجرد التفكير في أن الدول المانحة فشلت في تحقيق هذا الهدف يخلق جواً سلبياً كهذا. كما أنه ربما يمثل حاجزاً كبيراً أمام النجاح".
مما لا شك فيه أن تقديم المزيد من المساعدات المتعلقة بالمناخ سيكون عاملاً أساسياً للتمكن من إحراز تقدم في مجموعة من القضايا في جلاسكو، بدءاً من التخلص التدريجي من الفحم إلى تحديد أهداف أعلى لخفض الانبعاثات الكربونية.
جدل المناخ المعقّد: هل ستدفع الدول الغنية فاتورة الأضرار إلى البلدان النامية؟
بإمكان "مجموعة الـ77" تحديد ما إذا كان هناك تقدم محرز في هذه القضايا أم لا، وهي برغم أنها مجموعة مجزأة إلا أنها قوية، وهي تضم الدول النامية بالإضافة إلى الصين. وقد قال عدد من الدول إن أهدافها لخفض التلوث تعتمد على دعم أقرانها الأكثر ثراءً لها.
التنمية المناخية
يمكن أخذ إثيوبيا مثالاً على ذلك، فهي تستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 69% بحلول عام 2030 بموجب خطة مُنقحة، لكن نسبة 80% من الـ316 مليار دولار اللازمة لتمويل هذا الهدف لابد وأن تأتي من حكومات أجنبية.
وعلى نحو مماثل، يقول المغرب إن أكثر من نصف النسبة المستهدفة البالغة 46% لخفض الانبعاثات مرهونة بشرط المساعدات المالية. وربما يؤدي تعزيز حزمة الأموال المتاحة أيضاً إلى انتزاع أهداف أقوى من عشرات الدول، بما في ذلك الصين والهند، التي لم تُحدّث بعد خططها الخاصة بالانبعاثات الكربونية.
مع ذلك، يزيد وباء كورونا من مستوى التعقيدات، حيث تم تأجيل محادثات المناخ التي كان من المقرر إجراؤها العام الماضي، وشهدت الدول الغنية والفقيرة على حد سواء ارتفاعات في مستويات الديون.
كذلك، توضح راشيل سيمون، منسقة سياسات المناخ والتنمية في شبكة العمل المناخي (Climate Action Network)، أن أحد الآثار الجانبية لتفشي الوباء يتمثل في ركود تمويل المناخ.
تقول سيمون: "مر عام على لحظة المساءلة التي كان يجب أن نخضع لها". وأضافت: " آثار المناخ، والأزمات الصحية والاقتصادية، ومستويات الديون المرتفعة أضرت بالدول المعرضة لمخاطر المناخ بشكل أكبر. بينما لم نر الدول الغنية تُقدم ما يكفي".