بلومبرغ
توجّه الناخبون العراقيون إلى صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، في اختبار مبكّر لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في خضمّ محاولاته لتهدئة الأوضاع السياسية في العراق، الذي يُعدُّ مصدراً رئيسيا للقلق في الخليج العربي، ولإصلاح صناعة النفط في بلاده.
في الواقع، ستسيطر الولاءات الطائفية والغضب من انقطاع التيار الكهربائي والفساد المستشري في البلاد على أذهان العراقيين الذين يصوتون لانتخاب برلمان مؤلف من 329 مقعداً. وقد يقاطع الكثيرون أول انتخابات منذ احتجاجات 2019 التي أطاحت بالحكومة السابقة.
الكاظمي توجه لمواطنيه عبر قناة العراقية الحكومية، أثناء إدلائه بصوته، قائلاً: "لقد وعدنا الناس بإجراء الانتخابات وأوفينا بوعدنا.. وطلبي الوحيد هو أن تتوجّهوا لصناديق الاقتراع لتفوا بوعدكم. فأصواتكم ثمينة".
وساطة
بموازاة عجزه عن الوصول إلى إجماع داخلي لمعالجة الأزمات الداخلية، وإدراكاً منه لحاجة بلاده لكافة أصدقائها لتحقيق التعافي من سنوات الصراع المدمر، لجأ الكاظمي للاستثمار في السياسة الإقليمية من خلال توسطه بين السعودية وإيران، اللتين تنعكس علاقتهما المتوترة على دول عدّة في المنطقة، ما يؤكد أن العملية الانتخابية في العراق تترتب عليها تداعيات محلية وإقليمية واسعة النطاق.
خلال 17 شهراً من رئاسته للحكومة، سعى الكاظمي لاستبدال شركات النفط العالمية التي خرجت من العراق، حيث حصل على اتفاقية استثمار بقيمة 27 مليار دولار مع "توتال" الفرنسية. وقد يصبح كل من الكاظمي و"توتال" بخطر في حال فشل أنصاره بالفوز بمقاعد برلمانية كافية لتوليه ولاية جديدة.
تعليقاً على الموضوع، قال ريناد منصور، مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس في لندن، إن جهود التقارب الدبلوماسي بين السعودية وإيران "استمرت بسبب التدخل الشخصي لرئيس الوزراء العراقي". مضيفاً: "لدى الكاظمي تاريخ من العلاقات الشخصية مع مسؤولين في كلا البلدين، وقد استخدم هذا النفوذ عندما أصبح رئيساً للوزراء. وفي سياق الانسحاب الأمريكي المحتمل، رأت السعودية وإيران أيضاً الحاجة إلى حوار أمني لتجنب وجود فراغ".
اتفق الكاظمي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في يونيو على إنهاء المهام القتالية الأمريكية في العراق بحلول نهاية هذا العام، مكتفياً بوجودٍ تدريبي للمساعدة في مواجهة مقاتلي "داعش". وقد خففت الصفقة الضغط على الزعيم العراقي، في ظل مطالبة الجماعات الشيعية المتشددة جميع القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها 2500 جندي بمغادرة البلاد.
إلى ذلك، شنّت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق هجمات صاروخية وبطائرات بدون طيار على قواعد تضم القوات الأمريكية، لاسيما في أعقاب الضربة التي شنتها طائرة بدون طيار في يناير 2020 على مطار بغداد، والتي قتلت القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني. وقد كانت عملية الاغتيال هذه جزءاً من صراع بالوكالة اندلع بعد أن تخلّى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عن اتفاق 2015 الذي وضع حداً لبرنامج إيران النووي، ولم تزل المحادثات بشأن إحياء هذا الاتفاق متعثرة حتى الآن.
تحالف الصدر
لا يتنافس الكاظمي، رئيس المخابرات السابق، شخصياً في انتخابات اليوم الأحد. وهو برز عام 2020، بعد انحسار موجة الاحتجاجات، كمرشح وسط قادر على تأمين دعم الحركة الشيعية المؤثرة لرجل الدين ذي الشعبية مقتدى الصدر، وبعض المعتدلين السنة، والأكراد العراقيين. وفي الواقع، فإن حصول الكاظمي على دعم هؤلاء هو الطريق الأكثر احتمالاً لوصوله إلى ولاية أخرى.
من المقرر صدور النتائج غداً الإثنين، إلاّ أن الأمر قد يستغرق شهوراً قبل تشكيل حكومة ائتلافية جديدة. كذلك من المرجح أن يؤخر الخلاف استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تصل قيمته إلى 4 مليارات دولار.
من جانب آخر، من المتوقع أن يُحقّق تحالف الصدر نتائج جيدة، حيث تشكل أوراق اعتماده الوطنية ثقلاً موازناً للفصائل الشيعية الموالية لإيران، والتي حكمت العراق معظم الفترة منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بالرئيس السابق صدام حسين عام 2003. لكن من غير الواضح ما إذا كان بإمكانه تكرار نجاحه في 2018 بالحصول على 54 مقعداً في البرلمان كأكبر كتلة منفردة.
المرشح الفرد
قد يكون الخصم الرئيسي للكاظمي على منصب الرئاسة هو هادي العامري، وهو زعيم له صلات وثيقة بطهران التي حقق تحالف الفتح المرتبط بها المرتبة الثانية قبل ثلاث سنوات. كذلك يتنافس أيضاً رئيسا الوزراء السابقان نوري المالكي وحيدر العبادي.
تجدر الإشارة إلى أن ذلك سُيعد أول تصويت بموجب الخريطة الجديدة التي تُقسّم البلاد إلى دوائر انتخابية أصغر، مع إلغاء القوائم الحزبية والإدلاء بجميع الأصوات الآن لمرشح فردي.
في هذا السياق، قال علي حسين، وهو صاحب متجر في شمال بغداد، إن الكاظمي يستحق المزيد من الوقت لإصلاح بعض مشكلات العراق.
وأضاف: "لقد وازن نفوذ الدول المجاورة، وبذل كل ما في وسعه من أجل الناس. ولكن عندما نتمنى شيئاً ما في العراق، فإن التسوية تجلب شيئاً آخر، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها السياسة هنا".