لماذا اختفت أموال "بوتين" من أوراق "باندورا"؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
لوحة جدارية عملاقة تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على جانب مجمع سكني في كاشيرا ، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
لوحة جدارية عملاقة تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على جانب مجمع سكني في كاشيرا ، روسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

سيكون من المتوقَّع بالنسبة لك أن يتضمَّن أكبر تسريب لبيانات حول تهريب الثروة للخارج على مر التاريخ الكثير من المعلومات المسيئة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو على الأقل دائرة أصدقائه المقرّبين.

غير أنَّ الجزء المتعلِّق بروسيا من تسريب أوراق "باندورا"- وهو عبارة عن 3 تيرابايت تقريباً من الذاكرة المختزنة لمعلومات حول الشركات المسجَّلة خارج حدود الوطن، بالإضافة إلى المستفيدين النهائيين منها، التي احتاجات لعمل 600 صحفي لأكثر من عام للبحث- يبدو مخيباً للآمال. فالنتائج تعود لفترة زمنية قديمة أو لا تمثِّل أهمية من الناحية النسبية.

على الرغم من أنَّ أوراق "باندورا" لا تعكس على الإطلاق، أو حتى تعرض تمثيلاً إحصائياً لقطاع الشركات المسجَّلة على الورق فقط عالمياً، إلا أنَّ القلة النسبية لهذه النتائج تشير إلى أنَّ "بوتين" وجماعته قد استخلصوا استنتاجات من التسريبات السابقة، على غرار تسريب أوراق "بنما"، التي أعطت شهرة دولية لصديق بوتين عازف آلة الـ "تشيلو" سيرجي رولدوغين وشركاته بالخارج التي سجَّلت نشاطاً على نحو ملحوظ، وأشارت أيضاً إلى أنَّ الروايات السائدة عن اعتماد عمليات السرقة الحكومية في روسيا على دول الغرب كملاذ لتهريب رأس مالها من المحتمل جداً أن تكون غير دقيقة في عام 2021، أو ربما فشلوا فعلاً في الوصول إليها لسنوات ماضية.

اقرأ أيضاً: إليكم أهم الاكتشافات من تسريبات وثائق "باندورا"

وجدت الشبكة الدولية التي ينسق عملها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ومقرّه الولايات المتحدة، أنَّ 336 "شخصية معروفة في عالم السياسية" من بين 29 ألف مستفيد من نقل الأموال عبر الحدود، مما يعني أنَّ حوالي 1.2 % من مالكي الشركات المسجلة على الورق هم من المسؤولين فقط، أو هم أقارب لهم، أو من شركائهم المقرَّبين.

القائمة الروسية

يشكِّل الروس الـ19 من الشخصيات المشهورة في العمل السياسي، بالإضافة إلى 0.4 % فقط من بين 4004 مستفيد روسي (أكبر مجموعة من بلد واحد وردت في البيانات). جاء ثلاثة فقط من الروس ضمن قائمة وضعها الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، وهي مكوَّنة من 50 "مغامراً قوياً"، التي تعتبرهم منظمة الصحافة الاستقصائية من أكثر الشخصيات السياسية المعروفة الواردة في أوراق "باندورا" في نظر المجتمع الدولي، وهما كونستانتين إرنست، الرئيس التنفيذي للقناة الأولى التي تديرها الدولة، وسفيتلانا كريفونوغيخو، التي زعمت وكالة الصحافة الاستقصائية الروسية "بروكت"، التي جرى حظرها، أنَّها صديقة سابقة لـ"بوتين"، إلى جانب ملياردير قطاع النفط غينادي تيمشينكو، المعروف بأنَّه من المقرّبين لـ"بوتين".

وأنكر المتحدِّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الإثنين الماضي صحة ما جاء في التسريبات، ووصفها بأنَّها "مجرد مجموعة ادعاءات، لا أساس لها في معظمها".

يستطيع المتحدِّثون الروس الاطلاع على النتائج التي تخصُّ روسيا على موقع يسمى "إمبورتانت ستوريز" (Important Stories) أو "قصص إخبارية مهمة"، وهو فريق استقصاء يتخذ من موسكو مقرَّاً له بقيادة رومان أنين، الذي وقع عليه اختيار الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين للعمل كشريك في روسيا.

اقرأ أيضاً: شيوعيّو روسيا.. مصدر الصداع القادم لـ"بوتين"

يُعتبر صحفيو موقع "إمبورتانت ستوريز " من بين أفضل الصحفيين في البلاد، إذ يعملون من خلال بعض التقنيات المميزة، كما أنَّهم يتمتَّعون بالشجاعة، فعقب مداهمة شقة "أنين" من قبل رجال الشرطة، وإخضاعه للاستجواب، وإعلان سلطات التحقيقات أنَّ الفريق، بالإضافة إلى "أنين" ومراسلين آخرين، "عملاء أجانب"، لم يتوقَّف "أنين" وزملاؤه عن العمل، ولم يهاجروا كما فعل آخرون، إذ يحدث ذلك بموجب قانون قمعي يجري استخدامه لإخراس وسائل الإعلام المستقلة. على العكس من ذلك، استمروا في عمليات البحث.

العملاء الأجانب

وبحسب القانون؛ فإنَّه يتوجب على "العملاء الأجانب" تسجيل شركة لتقديم تقارير مالية شاقة إلى الجهات المسؤوولة، مما جعل أنين يطلق على شركته وشركة زملائه مسمى: "عملاء أجانب مهمون" ، وهو اسم الشهرة الذي جرى تسجيل الشركة به لدى وزارة العدل الروسية.

لذلك هناك قليل من الشكوك حول قيام هذا الفريق بمهتمه كاملة من خلال المواد التي عملوا على تحليلها. من المحتمل ألا يتفق الصحفيون أنفسهم معي حول أهمية المعلومات المكتشفة، لكن لا يمكنني أن أشعر بالإثارة إزاء المعاملات المزعومة لـ"تيمشينكو" بالخارج في الفترة بين عامي 2007 و2008، أي قبل فترة طويلة من عقوبة الحكومة الأمريكية، في أعقاب اعتداء روسيا على أوكرانيا خلال عام 2014، أو عن شقة مزعومة مملوكة لـ"كريفونوغيخو" في إمارة موناكو، التي يبدو أنَّه جرى شراؤها في غضون عام 2003، أو عبر مزاعم رحلة مجانية على متن يخت مملوك للنخبة الحاكمة، التي قام بها أنطون فاينو في عام 2012، قبل توليه منصب رئيس موظفي بوتين.

اقرأ أيضاً: هل يغض "بوتين" الطرف عن الأسواق المظلمة للقراصنة على الإنترنت؟

و برغم أنَّ البيانات التي جمعها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين تشمل سجلات حديثة وصلت حتى عام 2019 لأغلب مصانع الشركات الصورية؛ بل إنَّ بعضاً منها يعدُّ أكثر حداثة؛ إلا أنَّ المواد التي تخصُّ روسيا في معظم الأحيان قديمة للغاية، مع وجود استثناء بارز خاصة بمزاعم تورط "إرنست" في مؤامرة بالخارج مرتبطة بتحويل قروض مصرفية حكومية إلى عقارات تجارية موجودة في موسكو.

تعود هذه القصة على الأقل لما بعد عام 2014. (جاءت أيضاً معاملات حديثة إلى حدٍّ ما لبعض الشخصيات الأقل أهمية ضمن قاعدة البيانات، لكنَّ شهرتها الأقل انتقصت من تأثيرها).

العقوبات الغربية

يُنظر إلى عام 2014 على أنَّه حدٌّ فاصل، لأنَّ العقوبات الغربية المرتبطة بالهجوم على أوكرانيا صعَّبت على الروس المتورطين في العمل السياسي اقتناء أصول بالخارج، أو حتى إدارة صفقاتهم الروسية من خلال سلاسل في الخارج، توفِّر لهم ضماناً لحقوق الملكية الثابتة، بحسب القانون الإنجليزي. وحتى في حال عدم استهداف العقوبات بطريقة مباشرة وفورية لشخصية سياسية روسية؛ فإنَّ شخصاً سياسياً مثل "تيمشينكو"، لا يمكنه تجاهل التفكير في ذلك الاحتمال.

كان "بوتين" يدعو الشركات الروسية إلى "مكافحة نقل رؤوس الأموال إلى الخارج على مدى عقد من الزمان، غير أنَّ حديثه لم يسفر عن تأثير محدود حتى أشعل "بوتين" حرباً باردة حديثة من خلال الغزو الروسي لجزء من أوكرانيا، وبدأ العمل على توسيع نطاق انتفاضة تدعو للانفصال عبر جزء آخر.

اقرأ أيضاً: لماذا يعيش "بوتين" الآن لحظته الأوروبية؟

بدأت روسيا بعد أحداث القرم، في السير على طريق الانعزال الذاتي، وهو ما حدث في البداية على مضض نسبياً، نظراً لأنَّ الأغنياء الروس، بما فيهم أصدقاء لبوتين، قد أسسوا فعلياً قدراً من الاعتماد على أسلوب الحياة في فيلاتهم في فرنسا، وامبراطوريات شركاتهم التجارية التي تقوم على جزر العذراء البريطانية.

لكنَّ "بوتين" والحاشية المحيطة به على ما يبدو قد اكتشفوا بعد ذلك أنَّ ثروتهم وقوتهم، لم تخف بسبب ضعف الوصول إلى ذلك النوع من خصائص ظاهرة العولمة.

في نهاية الأمر، لم تلجأ النخبة السوفيتية إلى تلك "الزخارف" لما تتمتَّع به روسيا من مساحة كبيرة، وتنوع يكفي لتلبية رغبة أي شخص في حياة تتسم بالرفاهية. يتضمَّن ذلك تصميماً أنيقاً بعد عام 2014 لقصور فخمة تقع على البحر الأسود، التي من غير الممكن تشييد أو شراء مثلها في منطقة "كوت دازور"، فضلاً عن مزارع العنب العظيمة في شبه جزيرة القرم ومناطق جنوب روسيا، حيث تنتج مصانع الخمور في فرنسا وإيطاليا النبيذ الذي لديه القدرة على منافسة أفضل البلدان المتأصلة في هذا المجال.

نُخبة بوتين

في روسيا، يمكن ببساطة درء شبهات حول ملكية قصر، أو مزارع كروم لإنتاج النبيذ على غرار ما ربطه محارب الفساد والمسجون في الوقت الراهن أليكسي نافالني بالدائرة المقرَّبة من "بوتين" بمشاريع فندقية مرتفعة التكلفة، وذلك في ظل وجود رقابة عامة أقل للغاية جرَّاء الضغوط التي تتعرَّض لها وسائل الإعلام المستقلة، واضطرار النشطاء السياسين للفرار من البلاد.

لا يوجد أمل لدي نخبة "بوتين" في الهرب، في حال تدهورت الأوضاع، إلى بعض جزر الكاريبي لتناول مشروبات الكوكتيل الغريبة، والوصول لملياراتهم. باتت الدائرة المقرّبة من الرئيس الروسي راسخة في عمق الأرض حول مصادر ثروتها، وهي

لاتعتزم اقتلاعها من جذورها.

وبدلاً من الشعور بالذعر من مواجهة ضغوطات غربية عطَّلت في السابق بعض الفرص؛ استطاع هؤلاء الأشخاص الأقوياء الحد من خسائرهم، وصبوا تركيزهم على الداخل بهدف منع حدوث انقلاب على الحكم. وجرى توزيع بعض "بيض الذهب" من حولهم، لكنْ بقي لهم التحكم الكامل في الدجاجة التي تضع ذلك البيض، وهي روسيا.

اقرأ أيضاً: أخطاء بوتين المتتالية.. هل تطيح بعرشه من الكرملين؟

لكن ماذا عن وجود هؤلاء الآلاف من الروسيين الحائزين لأصول في الخارج ضمن قاعدة بيانات أوراق "باندورا" ؟. طبعاً؛ يوجد بينهم عدد كبير من المستفيدين من وجود النظام الروسي أيضاً، إلا أنَّهم ليسوا من كبار المستفيدين بأي طريقة. حتى أكثر شخصيات الأعمال ثراء بين هؤلاء، وأكثرهم ارتباطاً بهم من الناحية الظاهرية،

لايمكنهم الشعور بالأمان؛ لأنَّهم غير قادرين على التأكُّد من توافر حماية "بوتين" الشخصية لهم، على العكس من حرسه القديم.

في نهاية الأمر، فإنَّ مليارديراً من أقطاب الأعمال مُعرَّض مثله مثل صاحب شركة تجارة سيارات أو مالك مطعم، للفساد المتفشي في نظام العدالة، والأطماع الواضحة لسلطات إنفاذ القانون المفوَّضة.

لعبة العولمة

باتت محاولة ممارسة لعبة العولمة محفوفة بالمخاطر خلال الأيام الحالية، والمطلوب منك فقط أن تلقي نظرة على الحالة الحديثة بالنسبة إلى إيليا ساشكوف، مؤسس الشركة المتخصصة في أمن المعلومات "غروب-أي بي" (Group-IB)، التي تتخذ من سنغافورة مقرَّاً لها منذ عام 2019.

فقد دفعته محاولاته للجمع بين الرفض المعلن لأنشطة القرصنة الروسية في دول الغرب، وضرورة تنفيذ أعمال تجارية فيها، وفي الوقت نفسه؛ التمكُّن من مواصلة الفوز بعقود ذات ربحية من الحكومة في روسيا، إلى دخوله السجن في روسيا بعد اتهامه بجريمة الخيانة.

اقرأ أيضاً: لعبة الأمم في بيلاروسيا.. بوتين يدعم "لوكاشينكو" في مواجهة الغرب

يعتبر مجرد عدم تمكُّنك من الانضمام إلى دائرة "بوتين" الضيقة أمراً خطيراً لا مفرَّ منه في الغالب. في الفترة بين عامي 2014 و2020؛ بلغ حجم تدفُّقات رأس المال الخارجة من روسيا 390 مليار دولار، من بينها ما يعادل 330 مليار دولار جرى إرسالها للخارج في السنوات السبع الأخيرة .

يجري جني الكثير من هذه الأموال من خلال ممارسات فاسدة، كما أنَّ لها تأثيراً فاسداً على وجهتها الأخيرة من البلدان. لكن حتى بالنسبة لأفضل الصحفيين الاستقصائيين، ستكون عمليات التفتيتش عن "أموال بوتين" على الأرجح وسط هذا التدفُّق النقدي للخارج هزيلة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

موسكو

3 دقائق

0°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
23 كم/س
72%