بلومبرغ
بواسطة: كايت ماكينزي
إذا كان من الحتمي لأي شخص التكيف مع تأثيرات الاحتباس الحراري على أرض الواقع، فإنه يجب على صانعي السياسات ورؤساء الأعمال، قبل كل شيء، التعامل مع تداعيات هذه التغيرات. ولكن حتى أكثر الأشخاص من حيث النوايا الحسنة اتجاه المناخ، يمكن أن يفشلوا في فهم مدى السوء الذي يمكن أن تتطور إليه الأمور في حال لم تُحقق أهداف المناخ.
هذا هو انطباعي عن الأمر على الأقل. ولهذا السبب قمت بالتواصل مع كل من آندي بيتمان، وسونيا سينيفيراتني، وهما من أفضل خبراء العالم في مجال الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ. تركز دراستهما على الأحداث المتطرفة والمركبة. وكلاهما يقلق من تركيز المؤسسات الحالي المحدود بشكل كبير على النتائج التي يمكن التنبؤ بها بثقة عالية. بينما لا توجد تقديرات كافية للمخاطر الناتجة عن أنماط الطقس الجديدة التي لم نفهمها بعد.
مستقبل المناخ الذي تخيلناه أصبح واقعاً
بين الجيولوجيا والاقتصاد.. كيف يمكن فهم تأثيرات تغيّر المناخ على الكوكب؟
كان لارتفاع الحرارة بحوالي 1.2 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، عواقب وخيمة بالفعل. وبالنسبة للعالمة سينيفيراتني، وهي أستاذة في "المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا" في زيورخ، أشرفت على الفصل الخاص بالتطرف المناخي ضمن أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي وثيقة تنشر كل 6 إلى 7 سنوات، وتمثل ذروة المعرفة العلمية حول ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي تقول:
عند بلوغنا إلى ارتفاع الحرارة بحوالي 2 درجة مئوية، نصبح في نظام مناخي لم نشهد له مثيلاً طوال فترة الوجود البشري على الأرض
لا يدرك صانعو القرارات تماماً التأثيرات المعقدة واللاحقة للتغير المناخي، والتي ستعقب الدمار الملموس الذي تلحقه الأحداث المناخية الشديدة بشكل متزايد على أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية. يصعب التنبؤ بهذه النتائج، وعدم اليقين اتجاهها سينمو مع كل زيادة في إحراق الوقود الأحفوري.
يعد ذلك أحد أسباب تركيز صانعي السياسات الاقتصادية على تحليلهم للأمور والآثار المعروفة حالياً، مثل متوسط التغيرات في درجات الحرارة والارتباطات التاريخية بين الناتج المحلي الإجمالي والمناخ.
وقد حذرت ورقة بحثية رئيسية نشرها "بنك التسويات الدولية" من أن حالة "عدم اليقين" غير القابلة للقياس الكمي، و"الانقطاع المعرفي" الناجم عن تغير المناخ، يمثلان تحدياً عميقاً للسياسات النقدية. لكن من الناحية العملية، يستمر التغاضي عن المجهول أو ما لا نعرفه. فلا تأخذ السيناريوهات الجديدة التي أنتجت لصالح شبكة المناخ في البنوك المركزية خلال يونيو الماضي، على سبيل المثال، في الاعتبار سوى تأثيرات للزيادة في درجات الحرارة، وتستثني العوامل الأخرى مثل الطقس المتطرف، وارتفاع مستويات سطح البحار.
مستويات مياه البحار ترتفع بوتيرة تفوق التوقعات
فقدان الجليد.. مخاطر بيئة متزايدة وأضرار اقتصادية جسيمة
يشير بيتمان، مدير "مركز الجامعة المتعددة "المعني بالظواهر المناخية المتطرفة في أستراليا، والذي أسهم أيضاً في التقارير السابقة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى اختبارات الإجهاد المالي، ونماذج الاقتصاد الكلي الموجودة حالياً، كأمثلة على نوعية التفكير الذي تحدث فيه الأخطاء.
الأدوات الموجودة حالياً تعمل على تقدير تأثيرات المستويات الأعلى من ارتفاع درجات الحرارة، ولكن، كما يقول بيتمان: "إذا قالت لك هذه الأدوات إنك ستكون في وضع مرن عند زيادة الحرارة بـ4 درجات مئوية، فهذا لا يعني أنك ستكون بخير، وإنما يعني أن تحليلك هو محض هراء، الأمر يشبه أن تسأل: ماذا يحدث إذا سقطت من أعلى جرف بارتفاع 50 متراً، وكان الجوب أنك بالتأكيد ستهبط في القاع وستكون بخير".
قد يختلف الاقتصاديون، كما يقول بيتمان، ولكن "أنظمة النماذج الخاصة بهم، والطريقة التي يستخدمون بها المعلومات، تعطيهم فقط جزءاً من الصورة حول ما يعنيه ارتفاع مقداره 4 درجات مئوية".
عالم مترابط
في غضون ذلك، تقول سينيفيراتني إن المحللين الاقتصاديين والصناعيين ربما يفتقدون إلى كيفية ربط تفاعل تأثيرات تغير المناخ المختلفة مع بعضها بعضا. وقالت: "مخاطر المناطق المختلفة مترابطة، وهذا يعني مخاطر أكبر بكثير على المجتمع ككل".
على سبيل المثال، ضع في اعتبارك نقص الأقنعة الطبية الذي حصل في وقت مبكر من الوباء أو التأخير الذي لا تزال تعاني منه صناعة الشحن العالمية. قالت سينيفيراتني: "نحن لا ندرك أن بضعة مناطق حيوية هي المسؤولة عن الإمدادات الاقتصادية العالمية"، وأضافت: "أرى ذلك في سويسرا. نحن في دولة غنية لكننا نعتمد اعتماداً كبيراً على سلاسل التوريد لأننا نعتمد على الواردات بشكل رئيسي".
تقول سينيفيراتني أيضاً إن الجمهور لم يفهم الأحداث المركبة جيداً بعد. وأضافت: "علاوة على ارتفاع مستوى سطح البحار، هناك المزيد من الأمطار الغزيرة والأعاصير المدارية. ربما لا يعرف الكثيرون في المجتمعات الساحلية أن المخاطر ستكون أعلى بكثير بالنسبة لهم".
ومما يزيد الطين بلة، أن هذا الفهم الضيق لمخاطر المناخ غالباً ما يكون مصحوباً بثقة مفرطة في قدرة النماذج الموجودة على إنتاج تنبؤات دقيقة للغاية. فيقول بيتمان إن البنوك المركزية التي بدأت في اختبار المؤسسات المالية بشأن مخاطر المناخ تفترض درجات من الدقة هي ليست ممكنة ببساطة. وقال: "الحجة التي أسمعها هي أن هذه التنبؤات هي أفضل من لا شيء". وتابع: "لكن هذا خطأ جسيم، إنها ببساطة تنبؤات خاطئة بشكل واضح".
الأعاصير.. مخاطر شديدة على البشر تتطلب إجراءات صعبة لمواجهتها
نتائج كارثية
يقدم هطول الأمطار مثالاً واضحاً على ذلك. حيث أصبحت أحداث هطول الأمطار الغزيرة أكثر تواتراً على مستوى العالم، وستزداد سوءاً. لكن هذا لا يعني أن جميع الأماكن ستشهد المزيد من الفيضانات.
حيث إن تأثير ارتفاع درجات الحرارة حول العالم سيؤثر على الظواهر الناتجة عن التغيرات في مسارات العواصف، ما يعني أن بعض المناطق ستشهد على الأرجح هطول أمطار أقل بكثير، وهو ما يمكن أن يكون كارثياً بطريقة مختلفة تماماً عن الفيضانات.
يقول بيتمان: "كما يقول البعض إن ما لدينا هو أفضل من لا شيء، وذلك كأن نقول: نعتقد أن هطول الأمطار سيزيد، حيث قد يزيد بنسبة 10% أو 15% أو 20%، ولكننا لسنا متأكدين تماماً من الكمية. ولكن إذا قلنا إن هطول الأمطار سيزيد بنسبة 15% إلى 30%، وما حدث بدلاً من ذلك هو توقف الأمطار في منطقة ما بشكل تام، فسيكون ذلك كارثياً. فأنت لم تقم بالتكيف مع التغيير، وقد أهدرت الأموال".
لطالما شكل الحديث عن عدم اليقين، وحدود ما يمكن أن تظهره حسابات النماذج الحالية سيفاً ذو حدين. فقد استغله منكرو التغير المناخي كطريقة لتشويه سمعة علوم المناخ.
وفي الحقيقة، فإن العكس صحيح، كما تقول سنيفيراتني: "بالنسبة لي، يجب استخدام أوجه عدم اليقين الموجودة كحجة للتصرف بأسرع ما يمكن".