بلومبرغ
يقر الجميع بأن التنمر سلوك مكروه، لكن عندما يحدث على شبكة الإنترنت، فالأمر أكبر من مجرد سوء تصرف، إذ يشكل تحديًا للحكومات المجبرة على الموازنة بين السماح بحرية التعبير وبكون الإنترنت شبكة تخلو من السرية، وبين ما قد ينتج عن ذلك من أذى اجتماعي وتهديدات بالعنف الجسدي.
وتتعدد أشكال التنمر الإلكتروني، بدءًا من نشر الشائعات المغرضة عن طريق البريد الإلكتروني، ووصولاً إلى نشر الصور المحرجة على وسائل التواصل الاجتماعي، أمّا التحرش الإلكتروني فيُعرّف بأنه مضايقة عبر الإنترنت تحمل تهديدًا بأذى شخصي حقيقي؛ حيث لوحظ زيادة في التنمر والتحرش الإلكترونيّين مع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيما ترتفع أصوات المطالبين بوضع حد لهما.
الوضع الحالي
قبل انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في 2016 بقليل، أعلنت زوجته السيدة الأولى ميلانيا ترامب أنها ستعمل على الاهتمام بمشكلات التنمر الإلكتروني بين الشباب، إذ قالت: "إن ثقافتنا أصبحت شديدة العنف والقسوة"، فيما علّق كثيرون قائلين إن زوجها اتُّهم بالتنمر الإلكتروني في حملته الانتخابية بسبب التغريدات القاسية التي وجهها لخصومه، واستمراره على هذا النهج بعد استلامه للمنصب.
ويقوم "المتصيدون"، الذين يكتبون تعليقات مثيرة للجدل على وسائل التواصل، بإمطار المشاهير أحيانًا بتعليقات عنصرية ومتحيزة جنسيًا، فالإنترنت يُمهّد الطريق للتنمر والمضايقات؛ حيث أنه يمكّن ممارسوا التنمر والتحرش من التخفي وراء ملفات شخصية كاذبة، ورسائل إلكترونية غير مجهولة المصدر.
وتتخذ السلطات القانونية والمدارس إجراءات صارمة بحق المتنمرين إلكترونيًا على الطلاب، وذلك لارتباط التنمر الإلكتروني بالانتحار جزئيًا، حتى شركات وسائل التواصل الاجتماعي شعرت بضرورة التحرك، فبعد أن بدأ المراهقون بترك "فيسبوك" (Facebook)، طرحت الشركة وسائل لمقاومة المضايقات الإلكترونية في 2013.
أما شركة "تويتر" (Twitter) فقد قدمت طرقًا جديدة لكتم المنشورات المؤذية والتبليغ عنها في 2016، وذلك بعد صدور تقارير عن تخوّف الشركات التي اشترت منصة "تويتر" (Twitter) من أن تتلطخ سمعة وسائل التواصل بالهمجية وسوء السمعة.
خلفية الموضوع
وكلمة متنمر بالإنجليزية "bully" مشتقة من الهولندية والألمانية، وتعني في الأصل الحبيب أو الأخ، لكن الكلمة اكتسبت معناها السلبي لاحقًا مع اشتهار ظاهرة متنمري ساحة المدرسة في إنجلترا خلال العصر الفيكتوري، وأصبحت مرتبطة بالتعامل السيء بين طلاب المدارس.
وأضافت بعض الولايات الأمريكية قوانين خاصة بالمضايقة عبر الإنترنت، بعد المحاكمة الأولى في قضية للمطاردة عبر الإنترنت بالولايات المتحدة عام 2004، كما أقر الكونغرس أحكامًا للحد من التنمر والمطاردة الإلكترونية في قانون "العنف ضد النساء للعام 2006" (Violence Against Women Act of 2006)، حيث إن النساء في عمر 18-29 سنة أكثر عرضة للتعرض للتحرش الجنسي عبر الإنترنت بمرتين من الرجال في الفئة العمرية نفسها.
وذهبت حكومات أخرى لأبعد من ذلك، فقد أصدرت المملكة المتحدة قانونًا في أكتوبر 2014 يجرّم نشر صور حميمة لشخص دون موافقته، أما نيوزلندا فقد سنت قانونًا ضد التنمر الإلكتروني في 2015.
وحققت الشرطة الأمريكية ومكتب التحقيق الفيدرالي في العام 2014، في تهديدات بالاغتصاب والقتل تعرضت لها مدونات ومطورات لألعاب فيديو في حملة إلكترونية للمضايقات تحت اسم "غايمرغايت" (GamerGate)، أو بوابة ممارسي ألعاب الفيديو، والتي قادها مجموعة أغلبها من الذكور الغاضبين من ممارسي هذه الألعاب.
الجدل الدائر
ويرى مناهضو التشريعات الخاصة بمقاومة التنمر الإلكتروني، أنه يمكن استخدام قوانين التشهير والمضايقة والاعتداء المتواجدة بالفعل لمحاكمة المتنمرين والمطاردين على الإنترنت، ويضيفون أن حرية التعبير تتضمن حرية التعبير البذيء أيضًا.
أما أنصار سن قوانين إضافية يدافعون عن ضرورة ذلك لأن المحامين يترددون في الدفاع عن قضايا المضايقة على الإنترنت، وذلك لغياب التواصل المباشر مع الضحايا في أغلب الحالات. فيما يتكبد المسؤولون في المدارس العناء في التعامل مع المتنمرين الإلكترونيين، حيث يصعب الفصل بين تعليق غير ملائم وجريمة تتطلب إخطار الشرطة.
ومع أن الحكومات ألزمت المدرسين بإيقاف التنمر الإلكتروني في المدارس، إلا أن المحاكم والمشرعين ما زالوا في خلاف حول صلاحية المدارس في تأديب الطلاب على سلوك خارج حرم المدرسة، وسط مطالبات بتركيز الجهود لمقاومة الظاهرة على وسائل التكنولوجيا، فنسبة الطلاب المتعرضين للتنمر شخصيًا بشكل مباشر 12 بالمئة وعبر الهواتف بنسبة 7 بالمئة ثم إلكترونيًا 8 بالمئة، ومن خلال الرسائل النصية بنسبة 9 بالمئة.