بلومبرغ
ماذا يُمكن أن تقول عن سوق أوراق مالية أصبح من السهل التنبؤ بمسارها و بتكرار تعرّضها لنوبات فوضوية، كتلك الحالية، على فترات منتظمة؟ يحدث هذا الأمر كثيراً عندما يتعلق الأمر بالخيارات.
تعرضت "وول ستريت" مؤخراً إلى عاصفة متوقَّعة من التقلّبات، سهُل على المتخصصين اكتشافها دوماً، لكنها أصبحت ملفتة لأنظار الحشود بشكل أكبر من أي وقت مضى.
لوحظ هذا الأمر في يوليو بعد انخفاض مؤشر "S&P 500" بنسبة 2.3% في جلستين، واستمر حتى يوم 19، سجّل المؤشر أكبر انخفاض له في 18 يونيو. فيما هبط المؤشر بشكل مفاجئ في شهر أبريل لجلستين بتاريخ 19 و20. كما تراجع في شهر فبراير بـ 2.5% في الأسبوع الذي بدأ يوم 22، ليتكرر مشهد النمط الهبوطي هذا الشهر مع تسجيل أكبر انخفاض للأسهم في يومي 17 و18.
حذر وترقب في البورصات الأمريكية بعد أسبوع من التراجع وموجات البيع
الجمعة الثالثة
تشترك كل هذه الأمور في أن الهبوط يحدث في الجمعة الثالثة من الشهر تقريباً، وهو اليوم الذي تنتهي فيه صلاحيات معظم خيارات الأسهم. ورغم أن قيام أي تحليل بتفسير تحركات السوق الغامضة يجذب الانتباه، إلا أن الاضطراب المحيط بالحدث، والمعروف باسم "مواعيد الاستحقاق" (OpEx)، أصبح مسألة مشوّقة، كونه يؤثر بشدة على العلاقة التقليدية بين الخيارات والأصول الأساسية المربوطة بها. يُشير ذلك الاضطراب إلى أن سوق الأسهم بات مشتقاً فعلياً من مشتقاته الخاصة، مما يؤدي إلى سيطرة أمر ثانوي على السوق برمته في نهاية المطاف.
قال مات زامبيتو، مؤسس "سكويز ميتريكس" المتخصصة في خدمة التحليلات والتي أعلنت مبكّراً عن هذه الظاهرة: "يجذب انتهاء صلاحية الخيار الشهري الناس إلى السوق أكثر من معرفة التأثير الضمني لتلك الخيارات".
المتداولون الأفراد يرون فقاعة بأسواق الأسهم.. لماذا لا ينسحبون؟
يرى المتخصصون أن السوق شهد هذا الاتجاه منذ عدة عقود، لكنه ازداد بشكل مُكثّف في العام الماضي تزامناً مع ارتفاع نشاط الخيارات إلى مستويات غير مسبوقة. ويكافح صناع السوق لاستيعاب كل هذا التدفُّق الناتج عن ارتفاع حجم الخيارات والفائدة المفتوحة بسبب إقبال التجار على شراء خيارات المضاربة ليوم واحد، والباحثين عن العوائد الذين يبيعونها لهم، والمؤسسات التحوّطية التي تقوم بتكثيف استراتيجيات الحماية.
قال ستيف سوسنيك، كبير المحللين الاستراتيجيين في "إنتيرأكتيف بروكرز" وصانع السوق السابق: "لم نشهد من قبل هذا العدد الكبير من المتداولين في هذا الكم من الخيارات. يصعب على النظام استيعاب هذا الحجم الضخم".
خيارات التجار
مثل أي شيء في الأسواق، ليس من الحكمة افتراض أن أي تفسير يعني أن هذه هي القصة الكاملة التي حدثت في السوق. إلا أن جزءاً منها يعود إلى تجار الخيارات الذين حاولوا فك رموز عواصف منتصف الشهر، بل ويكرهون تحمّل التعرّض الناتج عن هذه الاتجاهات. هذه الفئة من المتحوّطين تعتبر الأكثر نشاطاً في السوق، ويُعتقد أن عمليات البيع والشراء التي قامت بها نمت بشكل كبير، مما أدى إلى تحريك الأسهم بانتظام.
ما من مستحيل في وول ستريت خلال الجائحة
إليكم كيفية عمل الأمر: عندما يشتري المستثمر خياراً أو يبيعه، يقوم صانع السوق على الجانب الآخر بتولي المسألة، وعادة يوازن هؤلاء التجار دفاترهم من خلال شراء وبيع الأسهم الأساسية أو العقود المستقبلية للمؤشر.
يقال إن عمليات البيع والشراء هذه هي التي تخلق أنماطا يسهل التعرف عليها حول مواعيد استحقاق الخيارات، ويُعتقد أيضاً أن التجار يُحيّدون التقلّبات في الفترة التي تسبق انتهاء الصلاحية عن طريق البيع أثناء الارتفاع والشراء عند الانخفاض، وشهدت السنة الماضية موجات صعود في أغلب فتراتها. وبمجرد انتهاء صلاحية هذه المراكز، يختفي عامل الاستقرار، مما يؤدي إلى تزايد التقلبات في أعقاب ذلك مباشرة.
التفسيرات
في الواقع، ظهرت عدة تفسيرات تحاول شرح ما يحدث في السوق بخصوص هذه الجزئية الغامضة.
تشير إحدى التفسيرات الرائدة لتلك الظاهرة إلى مصطلح "غاما" والذي يقيس مدى حساسية تحرك الخيارات لتحركات السهم الأساسي. ويُقال إن التجار الذين يتحوّطون ضد "غاما"، يساهمون في ارتفاع انجراف الأسهم الهادئ أثناء الفترة التي تسبق انتهاء الصلاحية، والنوبات القصيرة من التقلّبات في أعقاب ذلك.
هذا الباحث يتوقع استمرار الأسهم الأمريكية بالزئير و5000 نقطة لمؤشر "S&P500"
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، كتب ستيفان وينتنر، مدير المحفظة لاستراتيجيات التقلّبات لدى "دان كابيتال مانيجمنت": "رغم صعوبة التعميم، إلا أن معظم مراكز صناع السوق في الآونة الأخيرة (2020- 2021) كانت لها علاقة إيجابية طويلة مع غاما مما أدى إلى تقلّبات مكبوتة خلال أسبوع انتهاء الصلاحية، أي من الإثنين إلى الخميس، وارتفاع التقلّبات نسبياً بعد ذلك".
أما المصطلح الآخر، المعروف بـ "فانا" (Vanna)، فهو يقيس التغيّرات الدقيقة للخيارات في ظل اختلاف معدلات التذبذب. ويقول غاريت ديسيمون، رئيس إدارة التحليل الكمي لدى "أوبشن بيتريكس"، إن التجار هنا يقومون بعمليات شراء وبيع الأسهم بشكل كبير لكي يتمكّنوا من إدارة هذا التعرّض.
وفي مذكرته الأخيرة، كتب دو سيمون: "إن (غاما) لا تُمثّل سوى جزء صغير من الصورة الكبرى عندما يتعلق الأمر بشرح عوائد السوق وتقلباته، في حين تقوى علاقة تجار "فانا" بالتقلبات".
عنصر الوقت
كما أن هناك شيئاً آخر معروفا بالـ"جذب"، أو معدّل التغيّر الدقيق للخيارات في ظل عامل الوقت. وقال كيم كارسين، الاستراتيجي لدى "كاي فولاتيليتي أدفايزرز": "يعتبر (الجذب) محركاً رئيساً لدعم السوق"، ويتضمن استراتيجية مصممة للتداول حول هذه التدفقات. "كل هذا الدعم يؤدي إلى التسارع في الفترة من الإثنين إلى الأربعاء، قبيل مواعيد استحقاق الخيارات. ثم تفتح النافذة حقاً لنفاذ الدعم. لا يعني الأمر حدوث عمليات بيع مفاجئة، ولكنه يعني ضعفاً في تلك الفترة وغياب التدفقات الداعمة السابقة".
ذروة النمو تضع مكاسب "ستاندرد آند بورز 500" على المحك
يبدو أن هذه الظاهرة تخلط بين العديد من هذه العوامل، لكن بعض المتشككين يعتقدون أن هذا التفسير منظم للغاية. ويقول دين كيرنات، الرئيس التنفيذي لـ"ماركز ريسك أدفايزر": "إن هذا المنطق الاقتصادي سليم عندما تتوفر لدى المتداولين المحترفين مراكز طويلة بالخيارات في حالة التقلبات، إلى الحد الذي تؤدي فيه تحركاتهم إلى إخماد التحوّطات الجماعية أو تضخم تحركات السوق. ببساطة لا يمكن القيام بحسابات دقيقة بسبب غياب المعلومات الكافية الكاملة عن المراكز".
التذبذب الشهري
يشير كيرنات إلى أن هناك عناصر مهمة لا يتم احتسابها في هذه التفسيرات مثل تأثير الخيارات المتاحة في سوق خارج المقصورة، والعقود المرتبطة بالمنتجات المهيكلة وخيارات مؤشر تقلبات سوق عقود بورصة شيكاغو في دفاتر التجار. هناك أيضاً افتراضات كبيرة حول ما يفعله صناع السوق في الواقع.
كما تعلّقت الاضطرابات الشهرية بالأحداث الأخيرة التي حرّكت السوق مثل إصدارات البيانات والأخبار حول الاحتياطي الفيدرالي، والتي يبدو أنها اجتمعت في منتصف الشهر. وقال سوسنيك من "إنتراكتيف بروكرز": "تجمعت الأخبار خلال أسابيع انتهاء الصلاحيات، مما جعل الحياة أكثر تعقيداً".
اقرأ المزيد: توافق داخل "الفيدرالي" لبدء تقليص مشتريات الأصول العام الحالي
في نهاية الأمر، أصبح المتداولون الآن على دراية جيدة بالاستراتيجيات الديناميكية والكمية المصممة للتداول حول تدفقات التجار المختلفة، بما فيها المنتجات المهيكلة، ورأى زامبيتو أن الظاهرة قد تكون انتهت تماماً، في الوقت الذي أصبحت فيه معروفة بشكل واسع.
أضاف: "في الأشهر القليلة الماضية، بدأ بعض المتداولين في استباق انتهاء صلاحيات الخيارات، ولكن مؤخراً، بدأنا نرى تحركات (ستاندرد آند بورز 500) أثناء فترات انتهاء الصلاحيات بعكس ما كان يفعله عادة. إنها تتراجع".