بلومبرغ
مع إغلاق مدينة البندقية الحجوزات لثاني صيف يشهد تراجعاً في أعداد الزوار وانخفاض الإيرادات، تتطلع المدينة التي تمتد على نطاق 118 جزيرة صغيرة إلى وقت يمكنها فيه استعادة مكانتها كواحدة من أفضل الوجهات السياحية في العالم.
لكن إذا حقق المسؤولون المحليون ما يريدون، فإن عودة الحياة إلى طبيعتها بعد الوباء في النهاية لن تشمل الحشود المعتادة من زوار اليوم الواحد.
لطالما اشتكى سكان البندقية من زوار اليوم الواحد الذين ينفقون القليل من المال ويتسببون في ازدحام بحيرات وقنوات المدينة ويزيدون أيضاً من مشاكلها البيئية المتصاعدة.
ماذا بوسع البندقية أن تفعل لمستقبل السياحة؟
والآن، بعد موسمين سياحيين متضررين بسبب تفشي الوباء، يأمل المسؤولون المحليون أن يكون السكان مستعدين لدعم التحول الجذري في نهج التعامل مع الزوار. فخلال العام المقبل، تعتزم الحكومة المحلية إطلاق نظام حجز برسوم للزوار الذين لا يمكثون في المدينة لأكثر من ليلة.
يقول مؤيدو الخطة إن البيانات التي تم جمعها ستسمح للمدينة بالاستعداد بشكل أفضل للفترات التي تتسم بارتفاع تدفق السياح، مثل احتفالات الكرنفال السنوية، وتحسين كل شيء من النقل إلى التواجد الشُرطي.
في الواقع، تجمع البندقية، التي تحتفل بعيدها الـ 1600 هذا العام، معلومات من حركة الهواتف الخلوية وكاميرات المراقبة، مستخدمة في ذلك "غرفة تحكم" جديدة ممولة جزئياً من قبل الاتحاد الأوروبي.
الرحلات البحرية تتلقى ضربات تشغيلية لا متناهية
ومن ثم، فإن المدينة تصبح قادرة على تتبع سرعة القوارب- حتى الغندول- على طول قنواتها البالغ عددها 150 قناة، فضلاً عن تقسيم زوار اليوم الواحد حسب الجنسية، ومتابعة تحركاتهم من موقع سياحي إلى آخر.
قال سيمون فينتوريني، عضو مجلس البندقية المسؤول عن المساعدة في إدارة السياحة: "إضافة نظام الحجز سيوفر لنا معرفة كاملة بالوافدين مسبقاً ويساعدنا في تنظيم الأمر وفقاً لذلك".
تنظيم أكثر
يقر فينتوريني بأن نتيجة هذا النظام ستكون تجربة سياحية أكثر تنظيماً، وبالتالي أقل ديمقراطية، رغم أنه يزعم بأنه "يجب الاستمتاع بالبندقية، فمن المهم قضاء بضعة أيام فيها لتعيشها".
ومع ذلك، من الممكن أن تواجه الإجراءات الجديدة لجعل الزوار يدفعون مقابل دخول المدينة تحديات من المفوضية الأوروبية، وفقاً لتحذيرات ماركو غاسبارينيتي، وهو المشرع الذي يعارض الإدارة التي يقودها العمدة المحافظ لويغي بروغنارو.
جولة في أبرز معالم معرض بينالي البندقية الشهير للعمارة 2021
قال غاسبارينيتي: "من التمييز فرض رسوم على الزائرين استناداً إلى المكان القادمين منه". وأوضح أن العديد من المسافرين الأجانب، بما في ذلك زوار اليوم الواحد، يقومون بزيارة البندقية خلال برنامج رحلاتهم دون المكوث فيها، بينما يأتي السكان المحليون من منطقة فينيتو بانتظام في رحلات يومية. وأضاف: "إنها طريقة شبيهة بالشرطة لتوجيه الاتهام إلى السياح الذين ينامون خارج المدينة".
ومع ذلك، يقول مؤيدو الخطة إن الرسوم ستكون رمزية، مع احتمالية إجراء تخفيضات في موسم الكساد. وعن ذلك، يقول فينتوريني: "الهدف ليس جمع الأموال".
خريطة جديدة للسياحة العالمية.. إلى أين يمكنك السفر الآن؟
ورغم أن بعض سكان البندقية الذين يعتمدون على ما ينفقه الزوار يشعرون بالقلق إزاء هذا التغيير، إلا أن الجميع يقر بضرورة فعل شيء ما لحماية المدينة الحساسة من السياحة الزائدة.
الكر والفر
قال دانييل مينوتو، نائب رئيس اتحاد مشغلي الفنادق بالمدينة: "يبدو الأمر وكأنه مفارقة عند الحديث عن خفض السياحة بعد هذه الأعوام الصعبة، لكن البندقية ليست ديزني لاند، فنحن بحاجة إلى فرض بعض القيود على دخول المدينة وبعض المساهمة من سياحة الكر والفر".
إليك 24 وجهة سياحية يمكنك الاستمتاع بها في 2021
حققت البندقية عائدات سياحية عام 2019 بلغت 1.5 مليار يورو (1.8 مليار دولار)، وبلغت نسبة زوار اليوم الواحد 30% منها، على الرغم من أن هذه الفئة تشكل 70% من إجمالي عدد الزوار. وقال مينوتو إن السعي لمعالجة هذا الاختلال "ليس قضية طبقية"، لكنه وسيلة لمساعدة رواد الأعمال وتحسين العروض السياحية في المدينة.
واجهت المحاولات السابقة لفرض رسوم لدخول المدينة عقبات قانونية، حيث تم الطعن على خطة 2019 في المحكمة من قبل مدير موقف السيارات البلجيكي "إنتربراكينغ إي إيه" (Interparking SA)، الذي زعم أن الرسوم المقترحة هي ازدواج ضريبي.
السنغافوريون يلجؤون للطائرات الخاصة وعطلات اليوم الواحد هرباً من قيود السفر
في نهاية المطاف، قد يكون لزوار اليوم الواحد أنفسهم الكلمة الأخيرة بشأن نجاح الخطة الجديدة، حيث يبدو أن الكثير منهم- خاصة الزوار الأصغر سناً الذين اعتادوا الحجز عبر الإنترنت- غير مكترثين للأمر.
قالت ستيفاني، البالغة من العمر 22 عاماً من مدينة فيرونا القريبة، إن الرسوم الإضافية "لن تكون سيئة طالما أن عملية الحجز سريعة وسهلة".
كذلك، قال ماكس، وهو ألماني الجنسية ويبلغ من العمر 29 عاماً ويخيم خارج المدينة ويزورها لمدة يوم واحد، إن رسوم الدخول "لن تكون مشكلة إذا لم يكن السعر مرتفعاً للغاية".
البندقية تصبح متحفاً
في حين اعتبر ماريو دي إليا، المحامي من البندقية صاحب الـ 73 عاماً، الرسوم الجديدة ليست سوى خطوة أخرى نحو "تحويل البندقية إلى متحف".
ومثل العديد من المقيمين منذ فترة طويلة، يشعر دي إليا بالقلق من زيادة اعتماد المدينة بشكل مفرط على السياحة، قائلاً: "يتم استخدام الشقق السكنية كلها للسياح، كل شيء أصبح فندقا".
أضاف دي إيليا وهو يتناول الإسبريسو والفطائر في المقهى التاريخي "روزا سالفا" (Rosa Salva cafe): "البندقية بحاجة إلى أماكن يمكن للشركات والمنظمات الدولية العمل منها وإعادة الحياة إلى المدينة".
أصبحت السياحة في البندقية "صناعة استخراجية"، على حد قول الناشطة جين دا موستو، التي ترأس منظمة تسمى "نحن هنا فينيسيا" (We Are Here Venice). وقالت عالمة البيئة الجنوب إفريقية، التي عاشت في المدينة لأكثر من 25 عاماً: "آمل أن تعود البندقية إلى تراثها المتمثل في الترحيب بالزوار ومساعدتهم على اكتشاف الثقافة المحلية".
حذرت دا موستو من أنه بدون تغيير في النهج، فإن المدينة سوف تُستنزف من السكان الفعليين. وقالت: "تحتاج البندقية إلى أنشطة أكثر إنتاجية للأشخاص الذين يعيشون هنا، وهذا سيجعلها مكاناً أكثر إثارة للاهتمام للزيارة. يجب أن يكون السائحون والمقيمون قادرين على التعايش سوياً".