بلومبرغ
أدت حملة الصين لتضييق الخناق على مجموعة من الصناعات تتراوح بين الصلب والتعليم والعقارات إلى اضطراب الأسواق المالية وكبح توقعات النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
أشارت بكين إلى فرض المزيد من القيود التنظيمية على الشركات في السنوات القادمة، لكن أكد الاقتصاديون أن السلطات بحاجة إلى إدارة وتيرة الحملة التنظيمية ومدى شدتها بعناية فائقة في ظل ضعف الاقتصاد بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً هذا العام في ظل تفشي سلالة دلتا المتحولة في البلاد.
ورغم صعوبة تحديد التأثير المباشر للقيود التنظيمية على النمو، إليك استعراض لتأثير بعضها على الاقتصاد بالفعل:
دعم الحياد الكربوني
حددت الصين هدفاً طموحاً بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، ما يعد هدفا صعبا في ظل عدم وصولها إلى ذروة الانبعاثات بعد. وفي أول خارطة طريق لتحقيق صافي انبعاثات صفرية، تعهدت بكين بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وتطوير تقنية جديدة لالتقاط الانبعاثات، فضلاً عن الحد من الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي.
تعهدت بكين بخفض إنتاج الصلب في قطاع يساهم بأكثر من 15% من الانبعاثات على مستوى البلاد، ورغم تحذير "المكتب السياسي للحزب الشيوعي" من أي إجراءات جذرية لتحقيق تلك الأهداف، تراجع إنتاج الصلب ليسجل أدنى مستوى له منذ 15 شهر في يوليو كما هبط إنتاج الفحم إلى أدنى مستوى له في 4 أشهر على الأقل.
يرى الاقتصاديون أن الوتيرة المتسارعة لخفض الكربون يمكن أن تحد من النمو الاقتصادي إذا تجاوز الطلب العرض.
قال دينغ شوانغ كبير الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا في "ستاندرد تشارترد" في هونغ كونغ: "تم إلزام بعض المقاطعات بشكل صارم بتوجيهات خفض انبعاثات الكربون، دون السماح بمرونة في ذلك، مما قد يضر بالأنشطة الاقتصادية. فإذا كان النمو الاقتصادي هو الهدف على المدى القصير، وخفض إنتاج الصلب للأجل الطويل. إذا حدث تعارض، يجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي والتوظيف".
قيود الملكية
زادت الصين من القيود المفروضة على سوق العقارات الجامح في البلاد من خلال فرض تدابير تتضمن رفع معدلات الفائدة على الرهن العقاري ووقف مزادات الأراضي بشكل مؤقت في بعض المدن الكبرى وحظر صناديق الأسهم الخاصة من جمع السيولة للاستثمار في المشاريع السكنية. أرجع صناع السياسات تلك الإجراءات إلى أنه "تم بناء المنازل للسكن، وليس للمضاربة" وجددوا الدعوات لاستقرار سوق الإسكان في اجتماع المكتب السياسي لشهر يوليو.
ما المصير الذي ينتظر القطاع العقاري في الصين بعد الحملات الحكومية؟
كشفت بيانات شركة "تشاينا ريال ستيت انفورميشن" (China Real Estate Information Corp)عن تضرر مبيعات المنازل من القيود المفروضة للشهر الثاني على التوالي في المدن المصنفة من الدرجة الأولى في البلاد. كما خفضت روسيليا ياو المحللة في "غافيكال" إلى حد كبير من توقعاتها لنشاط البناء هذا العام، حيث توقعت انخفاضاً بنسبة 4% في عام 2021 مقارنة بتوقعاتها السابقة بتسجيل نمو نسبته 3%.
الصين تشدد القيود على مصدر لإيرادات بـ1.3 تريليون دولار لتهدئة أسعار المنازل
ترى "نومورا هولدنغ" أن القيود المفروضة على العقارات ستكون مسؤولة عن أكثر من نصف التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.7% في النصف الثاني من العام من 12.7% في الأشهر الستة الأولى. فبجانب هبوط مبيعات المنازل والاستثمار، ستؤثر القيود المفروضة على سوق العقارات أيضاً على إنتاج وبيع مواد البناء والأثاث والأجهزة المنزلية والخدمات المالية للرهون العقارية.
قال لو تينغ كبير الاقتصاديين الصينيين في نومورا: "لقد قلل السوق من شأن حجم الضغوط السلبية على صناعة العقارات، لذا فإن تباطؤ أو تقلص نمو الاستثمار على مدار 6 – 12 شهرا سيكون له تأثير كبير نسبياً على دخل الصناعات ذات الصلة والحكومات المحلية".
إعادة هيكلة تكنولوجيا التعليم
أطلقت الصين إصلاحاً شاملاً لقطاع تكنولوجيا التعليم البالغ قيمته 100 مليار دولار، حيث تم منع الشركات التي تقدم خدمات تدريس المناهج التعليمية من جني الأرباح أو زيادة رأس المال أو طرحها للعامة.
ترتبط تلك الخطوات بأهداف اجتماعية أساسية لبكين تتمثل في الحد من عدم المساواة وخفض تكلفة التعليم لتشجيع الأسر على إنجاب المزيد من الأطفال - على الرغم من التأثير السلبي لتلك السياسات في المدى القصير على أسواق رأس المال والعمل.
يقول الاقتصاديون أن تأثير الحملة ضد شركات تكنولوجيا التعليم على التوظيف والاستهلاك قد يكون مؤقتاً حيث يمكن تعويض الانخفاض في الإنفاق من خلال انتعاش في قطاعات أخرى.
قال تشو هاو كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كوميرز بنك" في سنغافورة: "سيتم خلق مزيد من الوظائف في المدارس العامة مقابل تراجعها في شركات التدريس بعد المدرسة". وأضاف هاو، أن تلك القواعد التنظيمية قد تؤدي إلى تعديلات هيكلية قصيرة الأجل ولكن من غير المرجح أن يكون لها تأثير على إجمالي الطلب.
ارتفاع البطالة بين الشباب في الصين لأعلى مستوى منذ بداية العام
تباطؤ الإقراض
تباطأت وتيرة إصدار الحكومات المحلية للسندات الخاصة هذا العام نتيجة الافتقار للمشاريع الجيدة والمراجعات الأكثر صرامة، وهو ما سينعكس على الاقتصاد من خلال تراجع الانفاق الاستثماري على البنية التحتية مقارنة بالتقديرات السابقة.
أزمة إنفاق على البنية التحتية في الصين بسبب تباطؤ مبيعات أدوات الديون
أظهرت بيانات "هواتشوانغ سيكيوريتيز" انخفاض الاستثمار في البنية التحتية في يوليو بنسبة 10% على أساس سنوي ليسجل أضعف أداء منذ انتشار الوباء في فبراير من العام الماضي.
قال إيريس بانغ كبير الاقتصاديين المسؤول عن الصين الكبرى في "أي إن جي غروب"، سيؤدي التراجع في الإنفاق على البنية التحتية إلى كبح نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.5 نقطة مئوية للعام بأكمله.