بلومبرغ
قبل أن يضرب الوباء الاقتصاد العالمي، كان التباطؤ واضحاً في معدَّل انبعاث غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية، لكنَّه لم يكن بالسرعة الكافية لإيقاف التغيُّر المناخي.
وارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الوقود الأحفوري بنسبة 0.1% فقط في عام 2019 عن العام السابق، ولكنَّها في عام 2020 ستنخفض بنسبة 7% لتصل إلى 34 مليار طن متريٍّ من ثاني أكسيد الكربون، وذلك وفقاً لِـ"مشروع الكربون العالمي"، الذي يهتمُّ بتنظيم الجهد العالميِّ المبذول من قبل الباحثين لقياس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتتماشى نتائج تقرير المشروع بشكلٍ وثيقٍ مع تقرير حديث للأمم المتحدة يتوقَّع انخفاضاً بنسبة 7% في الانبعاثات هذا العام.
ويقول بيب كاناديل، المدير التنفيذي لـ"مشروع الكربون العالمي": "هذا المستوى من الانخفاض لم يسبق له مثيل، فهو أكثر بخمسة أضعاف من الانخفاض المسجَّل خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2018".
خفض المسار المستقبلي للانبعاثات
وأضاف: "على الرغم من أنَّ المستقبل لم يتضح بعد، لكن هناك فرصةٌ غير مسبوقة من شأنها خفض المسار المستقبلي للانبعاثات إذا اخترنا ذلك".
ووجد الباحثون أنَّ متوسط نموِّ الانبعاثات السنويَّة العالميَّة بين عامي 2010 و 2019، قد انخفض لـ 0.9%، بالمقارنة مع نسبة نمو 3% بالمتوسط خلال العقد السابق.
ومع ذلك، فإنَّ هذا التباطؤ في حدِّ ذاته لا يكفي لمنع أسوأ الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ، لأنَّ النماذج العلمية تُظهر ضرورة انخفاض إجمالي الانبعاثات بين 25% و 50% حتى عام 2030، وذلك للحدِّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية، أو 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، وهو مستوى يقول باحثو المناخ التابعون للأمم المتحدة، إنَّ من شأنه الحد من بعض الآثار المدمرة للاحتباس.
ولن تساهم الزيادة الطفيفة في انبعاثات العام الماضي، أو الانخفاض القياسي في انبعاثات العام الحالي أيضاً في إبطاء تكدُّس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو المسؤول عن معظم الاحتباس الحراري.
48 % زيادة عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية
وكان تركيز ثاني أكسيد الكربون في عام 2020 أعلى بنسبة 48% من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وأعلى بنسبة 16% من عام 1990.
وانخفضت الانبعاثات في الصين، وهي أكبر مُصدرٍ للانبعاثات في العالم، بنسبة 1.7% هذا العام، وفي الولايات المتحدة انخفضت أيضاً بنسبة 12%. في حين شهد الاتحاد الأوروبي- باستثناء المملكة المتحدة- انخفاضاً بنسبة 11%. كذلك خفَّضت الهند، ثالث أكبر مصدِّر للانبعاثات في العالم، انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 9%.
وتراجعت الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل، التي تشكِّل عادةً 21% من الانبعاثات العالمية، إلى النصف عند أدنى مستوىً لها خلال عمليات الإغلاق الأوسع انتشاراً، وتراجعت أيضا ًالانبعاثات من الطيران بنسبة 75%. وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ هذا الانخفاض كان له تأثيرٌ عالميٌّ أصغر كون الطيران يستحوذ على نسبة 3% فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية. كما تراجعت الانبعاثات الصناعية بمقدار الثلث، في حين انخفضت الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الطاقة بنسبة 15%.
24 دولة خفَّضت بصمتها الكربونية
وفي أماكن عديدة، كان انخفاض الانبعاثات الحاد الناتج عن القيود المفروضة لمواجهة فيروس كورونا يطغى على الانخفاضات التي تمَّ تحقيقها في العقود السابقة، فقد خفَّضت 24 دولة من بصمتها الكربونية خلال العقد الماضي، بما في ذلك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، واليابان، وألمانيا، والمكسيك.
وكانت الانبعاثات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقل في عام 2019، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب خفضهما لاستخدام الفحم بنحو 15% و 18% على التوالي.
وذكر تقرير الأمم المتحدة أنَّ انبعاثات الهند كانت أيضاً أقل من المعتاد في أواخر العام الماضي، نظراً للاضطرابات الاقتصادية، والاعتماد القوي على الطاقة الكهرومائية.
بالإضافة إلى ذلك، يرجع فضل هذه الانخفاضات المحقَّقة خلال العقد الماضي إلى أكثر من 2000 سياسة خاصة بالمناخ والطاقة في دول العالم، بحسب التقرير. وتأتي اتفاقية باريس لعام 2015 ضمن السياسات الأكثر أهمية في هذا المجال، إذ تعهَّدت بموجبها معظم حكومات العالم بخفض الانبعاثات للحفاظ على الحرارة عند أقل من درجتين مئويتين مع حلول نهاية القرن.
انخفاضات قصيرة الأمد
ويبقى خطر أن تكون التخفيضات الحادَّة للانبعاثات لهذا العام قصيرة الأمد، إذ تشير البيانات الصادرة عن تقرير متابعة الكربون "CarbonMonitor"، وهو تقريرٌ يوميٌّ عالميٌّ لثاني أكسيد الكربون تديره أربعة مراكز بحثية، على أنَّ الانبعاثات الصناعية الصادرة من الصين والبرازيل قد ارتفعت بما يكفي في أكتوبر لتعويض الانخفاضات في دول أخرى خلال ذلك الوقت.
وفي الماضي، كثيراً ما لحق التراجع في الانبعاثات المدفوع بالأزمات الاقتصادية، انتعاشاً في ظل عودة النشاط الاقتصادي.
وقالت كورين لو كوير، أستاذة الجمعية الملكية لعلوم تغيُّر المناخ في جامعة "إيست أنجليا"، خلال مؤتمر صحفي: "في نهاية عام 2020، الأمر الواضح الآن هو تراجع الانبعاثات إلى مستويات 2019 بالفعل، لكن من المبكر بعض الشيء تحديد حجم عودة الانتعاش في عام 2021".
وفي حين أنَّ إجمالي الانبعاثات من الأنشطة البشرية قد تراجع، لم يطرأ أيَّ تغيُّرٍ على الانبعاثات الناتجة عن التغيُّرات في استخدام الأراضي من العقد الماضي، فقد ظلَّت عند حوالي 6 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون في عام 2020. وهذا النوع من الانبعاثات، التي تشمل الحرائق المدارة للاستخدام الزراعي، وتدهور التربة، وانبعاثات التربة، وتغيير استخداماتها للتربية الحيوانية، يمكن أن يقترب من الصفر من خلال اتخاذ تدابير رامية لوقف إزالة الغابات، والحدِّ من تدهور الأراضي، بحسب التقرير.