الرحلات البحرية تتلقى ضربات تشغيلية لا متناهية

time reading iconدقائق القراءة - 19
السفينة الملكية الكاريبية Anthem of the Seas في غرينوك ، اسكتلندا . - المصدر: بلومبرغ
السفينة الملكية الكاريبية Anthem of the Seas في غرينوك ، اسكتلندا . - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان ديفيد حكيميان، 58 عاماً، أخصائي الأورام من شيكاغو، يتطلَّع إلى أسبوع من الأيام الهادئة على شواطئ البحر الكاريبي عندما صعد على متن سفينة "ويندستار" التي تحمل 312 راكباً، التي أصبحت تعرف مؤخَّراً باسم "ستار بريز"، ليجد أنَّه سيقضي أسبوعاً كاملاً تقريباً في البحر بدلاً من ذلك. في أيسلندا، كان الركاب على متن سفينة "فايكينغ سكاي" يواسون أنفسهم بوجبات من جراد البحر من نوع ثيرمدور، وسمك موسى من دوفر بعد إبعادهم كذلك عن كل ميناء تقريباً كانوا يعتزمون زيارته. وفي ألاسكا، علق بعض الركاب وأفراد الطاقم المرضى في الحجر الصحي في مدينة بطرسبرغ التي تشتهر بصيد الأسماك بعد أن أنهى تفشي فيروس كورونا بين عشرة أشخاص إبحاراً استمر 10 أيام على متن السفينة "أمريكان كونستليشن" التي تحمل 175 راكباً.

كان لدى شركات الرحلات البحرية أكثر من 15 شهراً لتسوية عملياتها في عصر الوباء – أي أطول من أي صناعة أخرى. ولكن بعد استئناف سبعة خطوط رئيسية لعملياتها في الولايات المتحدة هذا الصيف؛ أصبح من الواضح على الفور أنَّ هذا الفيروس المتغيّر باستمرار يمكنه أن يفسد حتى أفضل الخطط الموضوعة.

وجد تنفيذيو شركات الرحلات البحرية- الذين تقبَّلوا عموماً حقيقة أنَّ بعض حالات كوفيد 19 ستظهر على متن سفنهم بغضِّ النظر عن أي شيء- أنفسهم في مواجهة تعقيدين غير متوقَّعين: مدن الموانئ ذات سياسات عدم التسامح المطلق، والتهديد الذي يلوح في الأفق لسلالة "دلتا" المتحوِّلة.

بعد معدل مثير للقلق للحالات الإيجابية في الأسابيع القليلة الأولى من العمل، اضطروا إلى إجراء عدد كبير من التغييرات، وقد أدى بعضها إلى إلغاء الحجوزات. وتشمل اختبار "بي سي آر" (PCR) قبل الإبحار حتى للركاب الحاصلين على اللقاح، والإلزام بوضع الأقنعة في مكانها على الوجه في الأماكن الداخلية، والمطالبة بإثبات الحصول على تأمين السفر. هذا إضافة إلى بروتوكولات الصحة والسلامة المتعلِّقة بالوباء - مثل قيود السعة، واختبار "بي سي آر" الدوري على بعض الخطوط - التي تكون في كثير من الأحيان أكثر صرامة من تلك الموجودة على الأرض في الموانئ التي يزورونها، سواء كان ذلك في منطقة البحر الكاريبي أو في اليونان.

برغم كل ذلك، أبحرت 13 سفينة من أصل 18 سفينة مع ضيوف مصابين على متنها في أوائل أغسطس، وفقاً البيانات التي تحتفظ بها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

يقول روبرت كورتنيك، الأستاذ المساعد لإدارة الخدمات في كلية "كورنيل إس سي جونسون" للأعمال: "أثناء الوباء، كان التخطيط عبارة عن حالة من الضربات التشغيلية "مثل لعبة اضرب الخلد" لخطوط الرحلات البحرية. وبمجرد وضع خطة واحدة، يتغيّر الوضع، بشكل غير متوقَّع تماماً، وتلغى هذه الخطة لتتحوَّل لخطة جديدة".

الوضع العادي الجديد

تبدأ معاناة صناعة الرحلات البحرية بحقيقة أنَّه لا توجد إرشادات واضحة على مستوى الصناعة؛ إذ تتعارض توصيات مركز مكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها (CDC) التي تحذِّر من كوفيد مع سياسات ولاية فلوريدا على مستوى الولاية التي جعلت من الإلزام بوضع الكمامات، وحمل جوازات سفر اللقاحات، محل نزاع قانوني. كما أنَّ سياسات التسويق المتغيّرة ليست مثيرة أيضاً. يقول كورتنيك: "إنَّ تعزيز إجراءات النظافة والصحة ليس بالرسالة الجذَّابة لمنتج عطلة".

إنَّه مشهد محيّر للجميع، وخاصة بالنسبة للمستهلكين.

لننظر إلى حالة مشجِّعة الرحلات البحرية لورا أنجيلو، 57 عاماً، من برونكس، وهي غير حاصلة على اللقاح، و أبحرت على متن سفينة "فريدوم أوف ذا سي" في يوليو. بعد حالة من التشوش حول ما إذا كانت بحاجة إلى إجراء اختبار "بي سي آر" قبل الإبحار، انتهى بها المطاف بإجراء مسحة على متن السفينة، ثم إنزالها منها على الفور في ناسو عندما عادت نتيجة الاختبار إيجابية. لكنَّها لم تذهب بهدوء. انتشرت تعليقاتها حول ركلها وصراخها، وأنَّها ستلجأ إلى التقاضي على نطاق واسع بعد أن نشرت لقطاتها الخاصة بـ "ترحيلها".

في حالات أخرى، لم يتم الوفاء ببعض الوعود.

وافق الركاب الثمانون الذين استقلوا سفينة "ستار بريز" العائدة لشركة "ويندستار للرحلات البحرية" المذكورة أعلاه في سانت مارتن في 19 يونيو على التباعد الاجتماعي، ليكتشفوا في اللحظة الأخيرة فقط أنَّ الشركة لم تتمكَّن من تأمين لقاحات "جونسون أند جونسون" لطاقمها قبل المغادرة. ونتيجة لذلك، رفضت جميع الموانئ المقرر زيارتها في جزر فيرجن البريطانية، وأنغويلا، وسانت بارتس دخول السفينة، تاركة "ستار بريز" تبحر بلا هدف لعدة أيام. (وعند معرفتهم بوجود مشكلات في خط سير الرحلة، منحتهم الشركة رحلة مجانية على الأقل).

لكنَّ معظم المسافرين يدركون الحاجة إلى السير مع التيار في هذه الأيام. يقول كريس غراي فاوست، مدير تحرير موقع "كروز كريتيك": "تزايد وعي أعضاء موقعنا بازدياد بأنَّ الوجهات في الكاريبي وغيره من الأماكن، تشترط تقديم إثبات باختبار كوفيد 19 سلبي لدخولها، وأنَّ شركات الرحلات البحرية تطبِّق سياسات الاختبار لتحقيق كل المتطلَّبات".

موانئ حذرة في كل مكان

تتفاوض كل حكومة دولة لها شواطئ على المحيط في جميع أنحاء العالم بشأن سياسات السلامة مع كل شركة رحلات بحرية، ولجميعها متطلَّبات مختلفة تقريباً. إذ يمكن أن تتراوح المتطلَّبات من اختبار ما قبل الرحلة البحرية إلى ما يجب القيام به في حالة تفشي المرض. ولكن عند تطبيق ذلك في الوقت الفعلي، يعلق الركاب في مرمى النيران.

بدت أيسلندا، التي كانت واحدة من أوائل الدول التي أعادت فتح الحدود الدولية أمام السياحة البرية مع شرط الاختبار في يونيو 2020، رهاناً آمناً لرحلات شركة "فايكينغ أوشن كروز" (Viking Ocean Cruises) التي تدور حول المغامرة في جمالها الطبيعي المذهل، وسكانها الحاصلين بأغلبيتهم على اللقاح (90%من البالغين في البلاد حصلوا على كامل جرعات اللقاح بحلول الوقت الذي أبحرت فيه سفينة "فايكنغ" إلى هناك في أواخر يونيو). انطلقت أول رحلتين بحريتين لـ"فايكينغ سكاي" من ريكيافيك دون أي عوائق. ولكن بعد ذلك، وفي اليوم الرابع من الإبحار الثالث، عادت نتيجة أحد الركاب -الذي لم تظهر عليه أعراض- إيجابية، وتمَّ عزله بسرعة.

اتبعت "فايكينغ" البروتوكول الذي تفاوضت عليه مع الحكومة الوطنية، ليقول عمدة بلدة سيدسفيوردور (التي يبلغ عدد سكانها 700 نسمة)، إنَّ سفنها غير مرحَّب بها. عاد الضيوف الذين كانوا في جولات مشي على الأقدام في هذه البلدة الشاعرية، أو كانوا متجهين إلى ممراتها الجبلية للتعرُّف على الجان الأسطوريين على الفور إلى السفينة، ليتمَّ إبعادهم عن ميناء آخر في اليوم التالي. بحلول الوقت الذي أمر فيه خفر السواحل بإعادة السفينة إلى ريكيافيك، كان الضيوف قد حصلوا على القليل من التجارب في أيسلندا إلى جانب محاضرات على متن السفينة حول دور البلاد في الحرب العالمية الثانية، ومسلسل "لعبة العروش". (حصل هؤلاء الركاب على استرداد بنسبة 50% مما دفعوه في شكل أرصدة لرحلات بحرية).

تقبَّلت كريستي تشابلر نيلسون من رالي في نورث كارولاينا والمسافرة على متن "فايكينغ سكاي"، تغييرات خط سير الرحلة خطوة بخطوة. وتقول: "عندما تذهب الآن في رحلة، يجب أن تتوقَّع ألا تكون الأمور مثالية".

لم تكن سفينة "فايكينغ" وحيدة في محنتها. نظراً لتحديث مركز السيطرة على الأمراض (CDC) لتحذيرات السفر لليونان في 3 أغسطس، والتوصية بالسفر للضرورة القصوى فقط، ألغت شركة الخطوط اليونانية "سيليستيال كروز" (Celestyal Cruises) كامل برنامجها المؤلف من ثلاث وأربع ليالٍ من نهاية أغسطس حتى 22 مارس 2022.

و ماتزال التغييرات مستمرة. فقد عدَّلت جزر فيرجن الأمريكية قواعدها في أوائل أغسطس، ووعدت بإبعاد السفن ما لم يكن جميع الركاب الذين تبلغ أعمارهم 12 عاماً فما فوق حاصلين على اللقاح. بقيت شركة "رويال كاريبيان" مترنِّحة، وسارعت لإخطار الضيوف غير الحاصلين على اللقاح من الذين حجزوا في 8 أغسطس من فلوريدا إلى سانت توماس على متن السفينة "ألور أوف ذا سيز" (Allure of the Seas) التي تحمل 6780 راكباً، وهي واحدة من أكبر السفن في العالم.

في ذلك اليوم، انخرط مايكل بايلي، رئيس الشركة وكبير مديريها التنفيذيين، في طقوس جديدة؛ ألا وهي إطلاع عملائه على السياسة، وتغييرات خطِّ سير الرحلة عبر "فيسبوك". وهو أيضاً، على ما يبدو، يستبق الأمور بخطوة، معلِّقاً: هناك "مزيد من التقلُّبات والمنعطفات!".

تصنيفات

قصص قد تهمك