بلومبرغ
اتخذت لايل برينارد، محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، موقفاً مخالفاً لتوجُّهات رئيس البنك جيروم باول، في الوقت الذي ينتظر فيه صانعو السياسة النقدية قراراً رئاسياً حول من يجب أن يقود البنك المركزي في السنوات الأربع القادمة.
قالت برينارد، وهي مرشَّحة رئيسية لتولي منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي في فبراير إذا لم يحصل باول على فترة ولاية ثانية، إنَّها تميل إلى استخدام الأدوات التنظيمية لدرء التجاوزات المالية مثل فقاعات الأصول، أكثر مما فعل البنك المركزي بقيادة باول.
أبدت برينارد أيضاً استعداداً أكبر لاعتماد عملة رقمية للبنك المركزي، وحرصاً أكثر على اتخاذ القرار مقارنة بباول، وقد جاء ذلك في تصريحات في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي، في مجموعة "أسبن إيكونوميك إستراتيجي غروب" المرموقة.
لكن برغم ذلك؛ اتفقت صانعة السياسات المخضرمة مع باول بشأن مبررات تطبيق السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي قائلةً، إنَّ البنك المركزي بحاجة إلى رؤية المزيد من التحسُّن الملحوظ في سوق الوظائف، قبل البدء في تقليص مشترياته الضخمة من السندات.
أوجه الاختلاف
ليس من المتوقَّع أن يقرر الرئيس الأمريكي جو بايدن مَن سيختار لقيادة البنك المركزي حتى شهر سبتمبر المقبل على أقرب تقدير، كما سيخضع الترشيح لتأكيدٍ من قبل مجلس الشيوخ. وستنتهي فترة ولاية باول الحالية كرئيس، ومدَّتها أربع سنوات في أوائل فبراير المقبل.
توقَّع دينيس كيليهر، رئيس مجموعة "بتر ماركتس" (Better Markets) المناهضة لـ"وول ستريت"، أن ينحصر الاختيار بين برينارد، أو باول.
يدعم كيليهر برينارد -ذات الفكر التنظيمي الأكثر- لرئاسة البنك المركزي، وذلك في وقت "لا يمتلك فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي تأثيراً كبيراً على الرفاهية المالية والاقتصادية للأمريكيين فحسب؛ إنما له تأثير أيضاً على أجندة وقِيم" الرئيس الديمقراطي.
على عكس باول -عضو الحزب الجمهوري البالغ من العمر 68 عاماً، الذي تمَّت ترقيته إلى رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترمب؛ فإنَّ برينارد ديمقراطية ذات عضوية كاملة في الحزب. وشغلت منصب محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 2014- ذات الـ59 عاماً- فضلاً عن منصب كبير في وزارة الخزانة خلال فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
التضخم
لم يكن من المقرر اختلاف برينارد مع باول أثناء ظهورها في كولورادو. وكان الخطاب الذي أصدره الاحتياطي الفيدرالي قبل ظهورها هناك يركِّز على الاقتصاد والسياسة النقدية، وهي المجالات التي تبدو وجهات نظرها متفقة فيها مع رئيس المجلس.
على غرار باول، قالت برينارد في حديثها، إنَّها كانت منتبهة لخطر التضخم المرتفع باستمرار، لكنَّها لم تعتقد أن ذلك قد يحدث.
قالت في الملاحظات التي تمَّ إعدادها سابقاً: "تعكس قراءات التضخم المرتفعة الأخيرة عدم تطابق العرض والطلب في حفنة من القطاعات، التي من المرجَّح أن تثبت أنَّها مؤقتة".
ولم تلقِ برينارد الخطاب للمجموعة، على الرغم من أنَّها أشارت إلى العديد من النقاط التي أثارتها في جلسة مخصصة بالكامل لأسئلة من ميليسا كيرني، مديرة "أسبن إيكونوميك إستراتيجي غروب" وآخرين ممن حضروا الاجتماع السنوي.
وفي ردودها على الأسئلة، ظهرت بعض الاختلافات بين برينارد وباول.
استعداد أكبر بكثير
من خلال قولها، إنَّ السياسة النقدية فائقة التيسير التي يتّبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن تشكِّل مخاطر على استقرار النظام المالي، أكَّدت برينارد أنَّها "أكثر استعداداً بكثير" لاستخدام أدوات تنظيم التحوُّط الكلي مما فعل البنك المركزي، وذلك حتى تمنع وقوع تلك المخاطر.
قالت: "هناك بعض الأشياء التي يمكننا القيام بها في هذا الصدد، إذ لم تكن هناك رغبة حقيقية للقيام بها في الماضي".
في مارس 2019، كانت برينارد صاحبة التصويت الوحيد في مجلس الاحتياطي الفيدرالي لصالح مطالبة أكبر البنوك في البلاد بالاحتفاظ باحتياطيٍّ إضافي لرأس المال؛ لجعل النظام المالي أكثر مرونة في مواجهة الصدمات.
أيضاً، عارضت برينارد الخطوات الأخرى التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي في عهد باول لتغيير اللوائح المصرفية بطرق وصفها النقاد بأنَّها محفوفة بالمخاطر. وفي جلسة استماع للجنة المصرفية بمجلس الشيوخ في 15 يوليو الماضي، قام اثنان من الديمقراطيين التقدُّميين البارزين، وهما: رئيس اللجنة شيرود براون ممثِّل ولاية أوهايو، والمرشَّحة الرئاسية السابقة إليزابيث وارين من ولاية ماساتشوستس - بانتقاد باول بشدَّة بسبب تلك الخطوات.
في تصريحاتها في آسبن، اقترحت برينارد كذلك أن يمضي بنك الاحتياطي الفيدرالي قدماً نحو تطوير عملة رقمية للبنك المركزي.
وقالت: "هناك حاجة ملحة لهذه القضية"، مشيرة إلى أنَّ الصين وبعض الدول الأخرى طوَّرت بالفعل عملات رقمية خاصة بها.
غير مستدام
قالت برينارد: "الدولار مهيمن جداً في المدفوعات الدولية، ويمكنك امتلاك مقاليد السيطرة الرئيسية الأخرى في العالم باستخدام عملة رقمية"، (عن طريق عرض CBDC: العملة الرقمية للبنك المركزي)، التي لا تمتلك الولايات المتحدة واحدة منها. وأضافت: "لا يمكنني فقط أن أتوقف عن التفكير في ذلك الأمر". واستطردت: "هذا
لا يبدو كأنَّه مستقبل مستدام بالنسبة لي".
تناقضت نبرة برينارد مع تلك التي تحدَّث بها باول أمام الكونغرس في يوليو، فقد قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي للمشرِّعين، إنَّه "متردد بشكل مشروع" بشأن ما إذا كانت فوائد الدولار الرقمي تفوق التكاليف، وقال، إنَّ اتخاذ القرار الصحيح أهم بكثير من اتخاذه بسرعة.
أيضاً، قلَّل باول من مخاطر فقدان الدولار لدوره كاحتياطي للعملات في العالم الآن بعد أن دشَّنت الصين عملة رقمية خاصة بها. وقال "نحن غير معرَّضين لفقدان هذا، وبالتأكيد لن يتمَّ ذلك لصالح للصين".
وفي ختام تصريحاتها في آسبن، لقيت برينارد جولة من التصفيق الحار.
جدير بالذكر أنَّ مجموعة "إيكونوميك إستراتيجي غروب" عبارة عن برنامج متنوع رفيع المستوى، تجمع أعضاء من الحزبين، وتتبع لمعهد أسبن، الذي يقع مقرّه في واشنطن. يشمل أعضاؤها عدداً من وزراء الخزانة السابقين، بالإضافة إلى: هانك بولسون، ولورنس سمرز، و بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق، ولورانس فينك، الرئيس التنفيذي لـ"بلاك روك"، وبريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لـ"بنك أوف أمريكا".