بلومبرغ
تتحرك كبرى شركات التعليم الخاص في الصين بسرعة لإصلاح أعمالها والتكيف مع الواقع الجديد القاسي، بعد أن شنت بكين حملة قمع شاملة على القطاع الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار.
وفي الواقع، توصلت شركتان من أكبر الأسماء في القطاع، خلال الأيام الماضية، إلى طمأنة المستثمرين والمديرين بأن أعمالهما ستظل قابلة للاستمرار ولن تنهار فجأة، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
تقليص النفقات
وتخطط شركة "يوانفوداو" (Yuanfudao) الناشئة التي تبلغ قيمتها 15.5 مليار دولار والمدعومة من شركة "تينسنت القابضة"، و"دي إس تي غلوبال"، لسحب جميع إعلاناتها بعد تقليص جزء من تسويقها في وقتٍ سابق من هذا العام، مما يُعَدّ أحد أكبر نفقاتها، حسب الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنهم يتحدثون عن مسألة حساسة.
وقال أحد الأشخاص إن الشركة الناشئة قالت أيضاً إن لديها نقوداً وفيرة في متناول اليد للحفاظ على أعمالها.
تعديل المسار
أما رئيس "مجموعة تال إيديوكيشن"، باي يون فنغ، فقد أخبر مساعديه خلال اجتماع داخلي بأن الشركة ليست مهددة بخطر الفشل، ولكن سيتعين عليها تعديل مسارها.
كما قال أحد الأشخاص المطلعين على الإجراءات إن الشركة تدرس موضوع تقديم دورات معينة بعد الفصول مجاناً في أثناء عملها على إنشاء مزيد من موارد الدراسة الذاتية عبر الإنترنت، وأشار إلى احتمال البدء بتسريحات جديدة للعمال.
هذا في حين قال شخص مطلع إن شركة "رايز إيديوكيشن كايمان"، التي تسيطر عليها شركة "بين كابيتال" (Bain Capital)، تعمل على توسيع مناهجها غير الأكاديمية -مثل دورات العلوم أو الدراما- لتعويض الانخفاض في تخصصها في تدريس اللغة الإنجليزية.
إعادة هيكلة القطاع
الجدير بالذكر أن كل ما سبق يمثل مجرد تحركات افتتاحية على درب إعادة الهيكلة على مستوى الصناعة، إذ إن أكبر اللاعبين، بدءاً من الشركة المتزعمة "تال"، وصولاً إلى "مجموعة نيو أورينتال للتعليم والتكنولوجيا"، وشركة "غاوتو تيك إيديو"، يتعاملون مع اللوائح الجديدة التي تهدد بإبادة كثير من ساحة الدروس الخصوصية.
ورفض ممثل "يوانفوداو" التعليق، كما لم يستجِب ممثلو "تال" و"رايز" للمكالمات والرسائل التي تطلب التعليق.
قواعد مشددة
الجدير بالذكر أن اللوائح التي كُشف النقاب عنها الأسبوع الماضي تستهدف الدروس الخصوصية بعد المدرسة، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف التاسع، وهي تمثل تتويجاً لحملة استمرت شهوراً لكبح حروب الإنفاق الإعلاني والمنافسة الحادة التي ترسم معالم قطاع بالغ الأهمية بالنسبة إلى القوى العاملة المستقبلية في الصين.
لكن التكلفة المتزايدة للرسوم الدراسية، بالإضافة إلى التدفق المستمر للإعلانات التي تلعب على وتر قلق الآباء، أثارت غضباً واسع النطاق بشأن كيفية إثراء الصناعة لرواد الأعمال ومموليهم، بالإضافة إلى إثارة عدم المساواة الاجتماعية.
هذا وتحظر المراسيم التي كُشف عنها في نهاية الأسبوع الماضي على الشركات التي تُدرّس المناهج المدرسية جني الأرباح أو زيادة رأس المال في الأسواق أو من المستثمرين الأجانب وطرح أسهمها للاكتتاب العام، وهي إجراءات أشد بكثير مما كان متوقعاً.
الاستعداد للأسوأ
وعلى المدى الطويل، يستعد المستثمرون لعديد من السيناريوهات المحتملة لأسوأ الحالات، بدءاً من عمليات الانفصال الإجباري لأقسام التدريس للصفوف من رياض الأطفال وحتى الصف التاسع، وصولاً إلى عمليات الشطب، إذ يتوقع عديد من المحللين تسريح العمال قريباً.
من جهتها، قالت فيفيان تشان، المحللة في "زونغتاي إنترناشيونال" في هونغ كونغ: "على الرغم من أنني لا أعتقد أن الشركات ستحتاج بالضرورة إلى شطبها كما اقترح البعض، فإن اتخاذ القرار بشأن الحاجة إلى فصل الأعمال الخاصة بتدريس الصفوف من رياض الأطفال وحتى الصف التاسع أم لا، يعود إلى كل شركة على حدة، وقد يختار اللاعبون الكبار الذين يتمتعون بتدفق نقدي صحي مسار إعادة هيكلة طويل الأمد، في حين قد يُجبر اللاعبون الأصغر على الخروج من السوق".
حصار شركات الإنترنت
فضلاً عن ذلك، يتطابق الهجوم على الدروس الخصوصية مع حملة بكين للحد من القوة المتزايدة لشركات الإنترنت، بما في ذلك شركات "ديدي غلوبال"، و"مجموعة علي بابا القابضة" و"ميتوان"، التي جمعت على مر السنين كنزاً من البيانات عبر الإنترنت، وتريد الحكومة حالياً السيطرة عليه.
ومع ذلك فإن التضييق على صناعة التعليم يؤكد إلى أي مدى يرغب الحزب الشيوعي بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ في احتواء القطاع الخاص العملاق في البلاد.
وفي أحد التطورات غير العادية، داهمت السلطات التعليمية في مدينة هوانغشان الشرقية فيلا راقية، إذ يُزعم أن مدرساً في مدرسة عامة قدَّم دروساً خصوصية لطلاب المدارس المتوسطة، حسبما ذكرت الصحف المحلية.
بناءً على ما سبق، خسرت أكبر ثلاث شركات مدرجة، هي "تال"، و"غاوتو"، و"نيو أورينتال"، 60% على الأقل من قيمتها السوقية منذ يوم الجمعة.
عائدات مهدرة
كان من المتوقع أن يُدرّ قطاع التعليم عبر الإنترنت في الصين ما مقداره 491 مليار يوان (76 مليار دولار) من العائدات بحلول عام 2024، وهي وتيرة نمو مذهلة جعلت شركتَي "تال" و"غاوتو" المفضَّلتين في سوق الأسهم لفترة وجيزة، وهيأت الدرب أمام شركات ناشئة عملاقة مثل "يوانفوداو"، و"زويبانغ" (Zuoyebang) المدعومة من "سوفت بنك غروب".
كما أدى أيضاً إلى ازدهار الإعلانات التي عززت أمثال "تينسنت"، و"بايت دانس"، و"كويشو تكنولوجي"، و"بيليبيلي"، التي تستقطب جماهير رئيسية بمئات الملايين، بما في ذلك الآباء القلقون، إذ ظهرت إعلانات تكنولوجيا التعليم في السنوات الأخيرة في كل مكان، بما في ذلك محطات مترو الأنفاق والمصاعد وعبر الإنترنت، وشملت العروض الترويجية الحميدة والإعلانات العدوانية التي تشير إلى أن الأطفال سيعلقون في وظائف ذوي الياقات الزرقاء إذا لم يتصرف الآباء الآن.
وفي النصف الأول من عام 2021، شكّلت الإعلانات التعليمية وتلك الخاصة بالدروس الخصوصية نحو 9% من إجمالي عدد الإعلانات المعروضة على منصات الإنترنت الخاصة بشركة "تينسنت" و"بايدو"، وفقاً للبيانات التي تتبعتها شركة "آب غروينغ" للأبحاث في قوانغتشو.
مصير غامض
تُقدِّر تشان، المحللة في "زونغتاي"، أن أعمال تدريس الصفوف من رياض الأطفال وحتى الصف التاسع تمثل ما يصل إلى 80% من عائدات "نيو أورينتال" و90% من مبيعات "تال".
في هذا الصدد، كتب محللو "جي بي مورغان" هذا الأسبوع: "ليس من الواضح مستوى إعادة الهيكلة الذي يجب أن تخضع له الشركات في ظل النظام الجديد (حسناً، لسنا متأكدين حتى مما إذا كان بإمكانها البقاء مدرجة)، وهذا يجعل هذه الأسهم غير قابلة للاستثمار فعلياً".
علاوة على ذلك، أفاد أشخاص مطلعون بأن الصناعة تنتظر حالياً توضيحاً من وزارة التعليم والسلطات المحلية بشأن المراسيم رفيعة المستوى الصادرة عن مجلس الدولة في نهاية الأسبوع.
ومما يزيد المشكلة تعقيداً أن معظم العملاء قد دفعوا مقدماً مقابل الدورات خلال الصيف، ذروة الموسم الدراسي، وسيطلبون استمرار الفصول الدراسية، على حد قولهم.
مما لا شك فيه أنه ليس كل لاعبي الصناعة يستعدون للأسوأ، إذ تعتقد "مجموعة الصين للتعليم عبر الإنترنت"، التي تربط منصتها "فيفتي وان توك" (51Talk) بين طلاب المدارس الصينيين والمدرسين في الخارج، أنها لا تنتهك الوقف المؤقت لتوظيف مدرسين أجانب خارج الدولة لأنها تعمل وسيطاً ولا توظف الأجانب موظفين رسميين، وذلك حسب أحد الأشخاص.
ولكن في بيان صدر يوم الاثنين، حذّرت الشركة من أن القواعد التنظيمية الجديدة سيكون لها "تأثير سلبي مادي على نتائج العمليات والتوقعات"، مضيفة أنها تعمل مع الحكومة لضمان الامتثال.
[object Promise]فترة انتقالية
من غير الواضح كيف ستنتهي الحملة الحكومية في النهاية، إذ يعتقد كثيرون أن بكين لن تسعى إلى القضاء على صناعة لا تزال تلعب دوراً أساسياً.
وفي تصريحات صدرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، قالت شركات التعليم الكبرى جميعاً إنها ستلتزم القواعد الجديدة وتدعم قرارات الحزب.
ويبدو أن التطبيقات التي تديرها شركات مثل "يوانفوداو"، و"زويبانغ" المدعومة من شركة "علي بابا"، و"في آي بي كيد" المدعومة من شركة "تينسنت"، وشركة "تال"، تعمل بشكل طبيعي في الوقت الحالي.
ويوم الأربعاء، أطلقت "يوانفوداو" رسمياً تطبيقاً لتدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات (يُسمى "بامبكن ساينس"/ Pumpkin Science)، بمناسبة "انتقالها إلى التعليم عالي الجودة"، حسبما ذكرت الشركة في بيان صحفي لها.
كما تواصل "زويبانغ" الترويج لحزمة فيديو بثلاثة يوانات لستة طلاب جدد على صفحتها الرئيسية. وقد حُجز بعض دورات البث المباشر التي قدمتها "يوانفوداو" للفترة المتبقية من العطلة الصيفية.
كذلك طمأن المدرسون المساعدون في تطبيقات التعليم هذه، الآباء بأن الفصول الدراسية التي اشتركوا فيها لن تغلق.
وحتى التطبيقات التي تسمح للأطفال بالتقاط صور لواجبهم المنزلي والبحث عن إجابات عبر الإنترنت -وهي فئة سُميت وحُظرت على وجه التحديد في وثيقة مجلس الدولة- عملت بشكل جيد اعتباراً من يوم الأربعاء.
وفي الوقت الحالي، قد يختار عديد من المستثمرين اتخاذ جانب الحذر.
تعليقاً على هذا الواقع، قالت تشان، المحللة في "زونغتاي": "من المحتمل أن تكون هناك فترة سماح يُسمح فيها للمؤسسات بمواصلة فصول العطلة الصيفية الخاصة بها، إلا أنه يُحظر عليها استقبال طلاب جدد أو فتح أماكن جديدة. وما زلنا بحاجة إلى معرفة كيف ستنفذ الحكومات المحلية هذه القواعد".
[object Promise]