كانت تداعيات إدراج شركة "ديدي" في نيويورك، نهاية شهر يونيو الماضي، سبباً لمواجهتها دعاوى متعلقة باحتيال الأوراق المالية.
وإذا كان المحامون الأمريكيون الذين يقفون وراء هذه القضايا، يبحثون في جعبتهم عن ذخائر جديدة لاستخدامها ضد عملاق النقل التشاركي في الصين، فهل يكون بالإمكان أن يعثروا على مساعيهم هذه في شركة الـ"يونيكورن" الصينية الأخرى: "بايت دانس"؟
وقف الطرح
مؤخراً، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه في مارس الماضي، قامت "بايت دانس"، صاحبة تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة الشهير "تيك توك"، بوقف نواياها بشأن طرحها العام الأولي في أي من بورصتي هونغ كونغ أو نيويورك، إلى أجل غير مسمى.
وجاء ذلك بعد أن طلب مسؤولون حكوميون من الشركة التركيز على معالجة مخاطر أمنية متعلقة بالبيانات.
وكان هذا الأمر مربكاً بالنسبة لشركة "ديدي". إذ طلبت "إدارة الفضاء الإلكتروني" في الصين من الشركة، تغييرات عدة على أدوات الخرائط التابعة لها، قبل إدراجها في الولايات المتحدة، خشية أن تكشف هذه الخرائط عن مواقع حكومية حساسة. لكن "ديدي" اختارت المضي قدماً في إدراجها العام الأولي على أي حال.
وقد يسأل المحامون: لماذا مضت "ديدي" قدماً في الإدراج، بينما توقفت "بايت دانس"؟
وتقريباً، بعد الاكتتاب العام الأولي لـ"ديدي"، الذي جمع 4.4 مليار دولار، مباشرة، أخبر المنظمون الصينيون الشركة بضرورة إزالة تطبيقاتها من متاجر الأجهزة المحمولة، والكف عن جذب مستخدمين جدد.
ومنذ ذلك الحين، فإن سهم الشركة آخذ بالانخفاض؛ ويتساءل السياسيون، وشركات المحاماة الأمريكية الذين يمثلون المساهمين، عما إذا كانت "ديدي" صريحة بشأن اتصالها بالمنظمين الصينيين قبل إدراجها.
(لم ترد "ديدي" على طلبٍ للتعليق على الدعاوى الجماعية المرفوعة ضدها).
إشارات مختلطة
دفاعاً عن "ديدي"، ربما تكون الشركة قد تلقت إشارات مختلطة. فلم يكن لدى الهيئات التنظيمية المختلفة في الصين سوى القليل من الناحية القانونية لمنع عمليات الإدراج في الأسواق الخارجية الحساسة (هذا تغيرّ حالياً)، وكان أقصى ما يمكن لهذه الهيئات فعله هو تقديم اقتراحات.
في حين أن بعض المنظمين الماليين أعربوا عن دعمهم للاكتتاب العام، بينما أكد آخرون على أهمية حماية البيانات الحساسة.
ويبدو أنه قد جرى إعطاء كلا من "بايت دانس" و"ديدي،" ضوء التحذير الأصفر، للتمهل قبل المضي قدماً في الإدراج.
واليوم، تبدو "بايت دانس"، كالطفل المهذب الذي انتظر بإخلاص عند ممر المشاة. بينما تبدو "ديدي" كالطفل الشقي الذي تقدم للأمام ليقطع الشارع رغم التحذير.
ويبدو أن الشركة تُنتقد بسبب انتهاكها لهذا الضوء التحذيري الذي يشير للتوقف الضمني. ولكن هل يُعد هذا الأمر احتيال في الأوراق المالية، أم مجرد نفاذٍ للصبر؟
التوسّع وانتظار الطرح
أما بالنسبة لـ"بايت دانس"، فهي تستطيع تحمل رفاهية الانتظار. حيث لا تزال الشركة تتوسع بسرعة، وقد زادت إيراداتها العام الماضي بأكثر من الضعف، لتصل إلى 34.3 مليار دولار، بينما ارتفع ربحها الإجمالي بنسبة 93%، ليصل إلى 19 مليار دولار.
كما يتمتع تطبيق الشركة الصيني "دوين" بشعبية لدى "الجيل زد"، وقد استحوذ على حصة من سوق إعلانات شركات التجارة الإلكترونية، وصناعة الألعاب من مجموعتي "علي بابا" و"تينسنت".
بالمقارنة، تُعد "ديدي" شركة "يونيكورن" كبيرة بالسن، وذات مبيعات راكدة النمو، وهوامش ربحية ضئيلة للغاية.
وبينما تعمل الشركة في قطاع النقل التشاركي الأكثر ربحية نسبياً في الصين، إلا أن إيرادتها قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك، قد بلغت ما نسبته 3.1% فقط من إجمالي قيمة المعاملات الإجمالية في هذا القطاع.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن "ديدي" كانت على وشك أن تصبح شركة تعتمد على المرافق، وتوفر "شبكة بسيطة" في القطاع، بدون إضافة الكثير من القيمة أو الأرباح.
لذا، فقد كان تأخير إدراجها العام يعني، عدم وجود طرح عام أولي على الإطلاق، وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة لصناديق رأس المال الاستثماري المتلهفة للاستفادة من استثماراتها.
وربما كانت "ديدي" جاهلة أو غير مدركة حقاً لقدرة السلطات الحكومية على أن تخضع أعمالها في الصين.
وبينما تتعلم شركات التكنولوجيا الكبرى الصينية هذا الدرس بمرور كل يوم، فإنه بالرغم من ذلك، وإثارة الاحتمالات المطروحة لشهية المحامين في هذه الدعاوى، إلا أن عبور الضوء الأصفر التحذيري، لا يُعدُّ احتيالاً.