بلومبرغ
تعمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن كثب على مراقبة خطط الصين لإطلاق اليوان الرقمي، في ظلِّ سيطرة حالة من القلق على المسؤولين جراء تلك الخطوة، التي يعدُّها بعضهم بداية لمحاولة طويلة الأجل بهدف إسقاط الدولار بصفته عملة الاحتياطي المهيمنة عالمياً، بحسب أشخاص مطَّلعين على الأمر.
وذكرت المصادر، أنَّ مسؤولين في وزارات الخزانة، والخارجية، والدفاع، ومجلس الأمن القومي، يعززون من جهودهم للإلمام بالتداعيات المحتملة، وخاصة في ظلِّ زخم الجهود الصينية لإطلاق العملة الرقمية.
مخاوف أمريكية
وأشار الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إلى أنَّ المسؤولين الأمريكيين ليست لديهم مخاوف بشأن الهيكل الحالي للنظام المالي العالمي، لكنَّهم حريصون على فهم آلية عمل اليوان الرقمي، وكيفية توزيعه، واحتمالات استخدامه في الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
ورفضت متحدِّثة باسم وزارة الخزانة التعليق. ولم ترد متحدِّثة باسم مجلس الأمن القومي على طلب للتعليق.
وكان بنك الشعب الصيني، قد أطلق إصداراً تجريبياً لليوان الرقمي، في المدن
بأنحاء البلاد كافةً، ليصبح بذلك أوَّل بنك مركزي في الاقتصادات الكبرى يُصدِّر عملة رقمية، من المتوقَّع أن يتمَّ طرحها على نطاق أوسع، خلال فعاليات دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، المقرر عقدها في بكين فبراير المقبل، مما يمنح تلك الجهود انتشاراً دولياً.
وتسيطر حالة من التغيُّر المتواصل بشأن العديد من التفاصيل المهمة الخاصة باليوان الرقمي، وأبرزها تفاصيل كيفية توزيعه، وذلك في الوقت الذي تتعاون فيه الصين مع شبكة سويفت SWIFT المسؤولة عن أغلب التحويلات المالية حول العالم، من أجل العمل على مشروع مشترك من المحتمل أن يعمل من خلاله اليوان الرقمي في إطار الهيكل المالي الحالي، وليس خارجه.
ولا يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق تجاه نوايا الصين باستخدام اليوان الرقمي، للتهرب من العقوبات الأمريكية بحسب ما ذكر أشخاص مطَّلعون على الأمر، وذلك بسبب هيمنة الدولار الحالية على المعاملات المالية الدولية، مما يمنح وزارة الخزانة الأمريكية القدرة على إيقاف جوانب كبيرة من الأعمال التجارية حول العالم، أو القدرة على الوصول إلى أيِّ دولة في النظام المالي العالمي.
بديل للعملات النقدية والمعدنية
وقال المسؤولون الصينيون، إنَّ الأهداف الرئيسية من إصدار اليوان الرقمي تتمثَّل في استخدامه بديلاً للأوراق النقدية والعملات المعدنية، لتقليل الإقبال على استخدام العملات المشفرة، بالإضافة إلى استكمال نظام المدفوعات الإلكترونية الحالي الذي يديره القطاع الخاص، وتهيمن عليه شركتا "علي بابا"، و"تينسنت"؛ وهما تابعتان لشركتي "آنت"، و "ويتشات باي".
ومنذ أن شكَّل فريق بحثٍ متخصص في عام 2014، يعمل بنك الشعب الصيني، وعلى مدار سنوات بهدف تدشين اليوان الرقمي الذي يُطلق عليه اسم E-CNY.
إحكام السيطرة على الشركات التكنولوجية
وقال مو تشانغ تشون، مدير معهد أبحاث العملات الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني في إحدى الفعاليات الشهر الماضي: "يتعيَّن على المركزي الصيني توفير العملات الرقمية من أجل إيجاد بديل لنظام مدفوعات التجزئة".
وإلى جانب سعي الجهات التنظيمية في الصين لإيجاد بديل لعمليات الدفع الإلكترونية التي يسيطر عليها القطاع الخاص، قامت تلك الجهات بإحكام رقابتها وإشرافها على الشركات الرقمية الرائدة في البلاد. فقد طلبت بكين مؤخَّراً من "آنت غروب" إعادة هيكلة عملياتها لتصبح شركة مالية قابضة تخضع لقواعد عمل البنوك. كما فرضت الصين غرامة قدرها 2.8 مليار دولار على شركة "علي بابا غروب هولدنغ" التابعة لشركة "آنت" بسبب ممارسات احتكارية.
كذلك يدرس بنك الشعب الصيني إمكانية استخدام اليوان الرقمي في إتمام المدفوعات الدولية، فقد أطلق مشروعاً تجريبياً بالتعاون مع وحدة تابعة لبنك التسويات الدولية، والإمارات، وتايلاند، والسلطات النقدية في هونغ كونغ.
دولار رقمي!
وقال الأشخاص المطَّلعون على المناقشات، إنَّ إدارة بايدن لا تخطِّط حالياً لاتخاذ أيِّ إجراء لمواجهة تهديدات العملة الرقمية الصينية في المدى الطويل، لكنَّهم قالوا، إنَّ خطط الصين زادت من الجهود المبذولة للنظر في إصدار دولار رقمي.
كما أبدى أعضاء في الكونغرس اهتماماً متزايداً بإصدار الدولار الرقمي، في ظل ترقُّبهم لتحرُّكات الصين، وهو ما ظهر في تركيزهم على تلك القضية، ضمن محاور الاستماع لرئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، ووزيرة الخزانة، جانيت يلين، في وقت سابق من هذا العام.
وكان باول قد قال في فبراير الماضي، إنَّ الاحتياطي الفيدرالي كان يبحث "بحذر شديد" إصدار الدولار الرقمي. كما قال: "ليس من المهم أن نبدأ، ولكن الأهم القيام بذلك بشكل صحيح".
كذلك أشارت "يلين" إلى اهتمامها بدراسة مدى جدوى الدولار الرقمي، في تحوُّلٍ عن موقف سلفها، ستيفن منوشين، الذي افتقر كثيراً إلى الحماس بشأن الموضوع نفسه.
مواجهة تهديدات العملات الرقمية
وقالت يلين في مؤتمر افتراضي في فبراير: "من المنطقي أن تبحث البنوك المركزية إصدار عملات رقمية سيادية". وأشارت إلى أنَّ النسخة الرقمية من الدولار يمكن أن تساعد في معالجة التحديات التي تواجه الشمول المالي في الولايات المتحدة، وخاصة بين الأسر ذات الدَّخل المنخفض.
وذكر تقرير صادر حديثاً عن مدير الاستخبارات الأمريكية، أنَّ تهديد أي عملة رقمية أجنبية لهيمنة الدولار على النظام المالي العالمي "يعتمد على القواعد التنظيمية التي سيتمُّ وضعها".
وتشكِّل العملة الصينية ما يزيد بقليل على 2% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية بالمقارنة مع حوالي 60% لصالح الدولار الأمريكي.
وتدخل القرارات السياسة كعاملٍ مؤثرٍ، لدفع تدويل اليوان إلى الأمام، وليس فقط حجم التطورات التقنية، وذلك في الوقت الذي تحتفظ فيه الصين بنظام صارم للرقابة على رأس المال.
ويقول الأمريكي مارك سوبيل، رئيس منتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية، إنَّ النظام المالي الصيني يعدُّ "هشَّاً وضعيفاً"، لدرجة عدم قدرته على تشكيل تهديد حقيقي لوضع الدولار كعملة احتياط رئيسية عالمية.
وأضاف سوبل الذي عمل كمسؤول كبير سابق بوزارة الخزانة الأمريكية للشؤون الدولية: "في نهاية الأمر تتمتَّع الأسواق بثقة أكبر في الاحتياطي الفيدرالي" مقارنةً بالبنك المركزي الصيني.