بلومبرغ
تراهن شركة "باناسونيك" على أن خبرتها التي تبلغ حوالي قرن من الزمان في صناعة بطاريات السيارات، قد أعدَّتها لتصنيع بطاريات الجيل الثاني المعقدة، التي تتبناها شركة "تسلا" كمفتاح لإطلاق السيارات الكهربائية الأرخص والأكثر انتشاراً.
وكشف إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، لأول مرة خلال "يوم البطارية"، في سبتمبر الماضي، عن بطارية من طراز (4680)، باعتبارها "اختراقاً هائلاً" في تكنولوجيا الخلايا، التي ستتيح لشركته إنتاج مركبات كهربائية، تباع بسعر 25 ألف دولار، أي أقل بمقدار الثلث تقريباً من أبسط نماذج "تسلا" وهو "نموذج 3".
الاستعانة بـ "باناسونيك"
وبينما تخطط "تسلا" لصنع الخلايا الخاصة بالبطارية داخل الشركة، فقد طلبت أيضاً من "باناسونيك" التي تعد أقدم مورد للبطاريات البدء في إنتاجها أيضاً.
والفكرة أن الخلية من طراز (4680) التي هي أكثر سمكاً وضخامة، والتي سميت بأبعادها، إذ يبلغ قطرها 46 ملم، وارتفاعها 80 ملم، لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير.
حتى أن خبراء الصناعة يتساءلون عما إذا كانت البطاريات، التي تشبه نسخة مصغرة من علب الألمنيوم المستخدمة في المشروبات الغازية والبيرة، من الممكن إنتاجها بكميات كبيرة.
وفي هذا السياق، قال رام شاندراسيكاران، وهو محلل النقل والتنقل في "وود ماكينزي": "هناك مشكلات تقنية مهمة يجب تجاوزها، وهي مشكلات حاول الكثيرون في هذه الصناعة معالجتها لسنوات، وإذا كان ذلك ممكناً، فستكون خلايا البطارية هذه رائدة، لكننا لا نعلم ما إذا كان ذلك قابلاً للتنفيذ".
بطارية أكثر تعقيداً
وتقول "باناسونيك" إنها قد تكون في أفضل وضعية في السوق لتصنيع الخلايا الجديدة المعقدة.
وفي الوقت الحالي، تعمل شركة صناعة الإلكترونيات اليابانية على إنشاء نموذج أولي لخط إنتاج يخضع لاختبارات.
وفي معرض حديثه عن هذا الأمر، قال ياسواكي تاكاموتو، رئيس قطاع بطارية "باناسونيك" للمركبات الكهربائية، في مقابلة أجريت معه: "إن إنتاج هذه الخلايا الأكبر حجماً يتطلب منك رفع مستوى مهارة صناعتك درجة أو درجتين كاملتين، وإلا ستكون هناك مشكلات تتعلق بالسلامة".
وقال إن أنظمة إدارة السلامة التي طورتها الشركة والتي تم اختبارها عبر الزمن "تمنحنا اليد العليا المطلقة في هذا المجال".
وتأتي معظم فوائد الخلايا الجديدة من طراز (4680) من واقع أنها تزيد خمسة أضعاف عن حجم الخلايا الأصغر من طراز (1865) وطراز (2170) التي توفرها "باناسونيك" حالياً لشركة "تسلا".
ويعني هذا أن طراز الخلايا من 4 آلاف إلى 8 آلاف خلية الموجودة في المركبات الكهربائية اليوم يمكن تقليصها إلى حوالي 500، وهذا بدوره يعني الحاجة إلى أجزاء أقل، مثل قطع الترابط المستخدمة لربط الخلايا الفردية معاً.
حلم السيارة الكهربائية الرخيصة
وقال أكيرا ناجازاكي، رئيس الاستراتيجية التقنية في فريق تاكاموتو، إن أشكال الخلايا الجديدة مثل (4680) هي "مفتاح لصنع نماذج المركبات الكهربائية بأسعار معقولة وقادرة على الانتشار بشكل عملي".
ووفقاً لـ "تاكاموتو"، فإن السعة الأكبر هي أيضاً ما يجعل إنتاج الخلايا أكثر صعوبة. فهم عرضة لارتفاع درجة الحرارة لأنه من الصعب تبديد الحرارة من مركزهم. وهم أيضا أكثر عرضة للتلوث بالجسيمات، وهو سبب متكرر لحرائق بطاريات المركبات الكهربائية التي تحدث عندما تجد قطع معدنية صغيرة طريقها إلى مركز الخلية، مما يتسبب في حدوث دائرة كهربائية قصيرة بها.
وقال "تاكاموتو" إنه بالمقارنة مع بطاريات السيارات الكهربائية الثقيلة الأخرى، كانت "باناسونيك" بطيئة في بناء الحجم، وبدلاً من ذلك كانت تروج لميزة الأمان لبطارياتها وتوسع الإنتاج فقط بوتيرة يمكنها من خلالها الحفاظ على معايير السلامة.
وأضاف أن نفس المعرفة التي تتيح لشركة "باناسونيك" إنتاج 2.5 مليار خلية سنوياً دون مشكلات أمان كبيرة تمنحها أيضاً ميزة في إنتاج خلية (4680).
معركة البطاريات
وتأتي جهود "تسلا" و"باناسونيك" لتطوير بطاريات الجيل التالي في الوقت الذي تتزاحم فيه جميع شركات صناعة السيارات تقريباً لتأمين إمداداتها الخاصة من هذا المكون الأساسي.
وفي هذ السياق قال "شاندراسيكاران" من "وود ماكينزي"، إن البطاريات ضرورية للتمييز بين نماذج شركات صناعة السيارات في الوقت الذي تتحول فيه الصناعة ككل إلى المركبات الكهربائية، وقال حول ذلك: "إنها لحظة حاسمة".
وخوفاً من حدوث نقص في المستقبل، تطالب شركات صناعة السيارات مثل "فولكس واجن" بالمزيد من البطاريات بل وتدفع تجاه تصنيع بطارياتها الخاصة.
وقال شاندراسيكاران "يؤدي ذلك إلى توتر ملحوظ بين مصنعي المعدات الأصلية ومورديهم، حيث يتردد صانعو البطاريات في الاستثمار في سعة جديدة تعتمد فقط على توقعات المبيعات المستقبلية الطنانة".
وتتجلى الأزمة في عملية تطوير خلية (4680). حيث يخطط ماسك - الذي وضع هدفاً طموحاً للغاية لشركة "تسلا" لإنتاج 20 مليون مركبة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030 - لجعل عملية تصنيع الخلايا تجري داخل شركة "تسلا"، ويقال أيضاً إنه يتحدث إلى شركات تصنيع بطاريات أخرى غير "باناسونيك".
وتقول "باناسونيك" بدورها إنها ستسعى لبيع البطاريات إلى صانعي السيارات الكهربائية وليس فقط لـ"تسلا".
جيل جديد من البطاريات
لكن تقنية الجيل التالي تؤكد أيضاً على إمكانية وجود منافع متبادلة في حال كان صانعو السيارات وموردو البطاريات قادرين على تطوير تقنيات محددة اليوم تسمح لهم بركوب موجة مبيعات السيارات الكهربائية المتزايدة معاً في المستقبل.
وكان ماسك، قد اعترف بنفسه بالتحدي المتمثل في إنتاج خلية (4680) بكميات كبيرة أثناء حديثه في مؤتمر أوروبي عن البطاريات في نوفمبر.
وأنتجت شركة "تسلا" البطارية على "مستوى مناسب" وكانت تهدف إلى الحصول عليها على "مستوى المصنع التجريبي" قريباً، ولكن "توسيع نطاق عملية الإنتاج أصعب بكثير من إثبات شيء ما على طاولة المختبر"، كما قال ماسك.
يذكر أن "باناسونيك" تنتج بطاريات أيونات الليثيوم للسيارات منذ عام 2010 - في نفس الوقت تقريباً الذي كان أكبر مشترٍ للبطاريات لديها يطلق للتو طرحه العام الأولي.
وكتب جيمس فريث، المحلل في "بلومبرغ إن إي إف"، في مذكرة نُشرت بعد وقتٍ قصير من إعلان المدير المالي لشركة "باناسونيك" أن الشركة ستعمل على الخلية الجديدة (4680) في أكتوبر: "العمل مع شريك مثل "باناسونيك" الذي يتمتع بخبرة واسعة في تصنيع الخلايا على نطاق واسع سيعزز احتمالية تحقيق "تسلا" للأهداف التي حددتها في فعالية يوم البطارية".
وبالنسبة لـ "باناسونيك"، تعتبر البطارية (4680) التي طلبت منها "تسلا" إنتاجها مصدراً محتملاً للنمو، حيث تتطلع إلى تقليل اعتمادها على أعمال الإلكترونيات الاستهلاكية التي كانت أساسية في السابق.
ويأتي ذلك مع الأخذ في الاعتبار عدد المركبات الكهربائية التي يريد "ماسك" رؤيتها على الطرق، والطلب من شركات صناعة السيارات الأخرى أيضاً، إذ قال "تاكاموتو" في حال قررت "باناسونيك" المضي قدماً في إنتاج (خلية 4680)، "سنفعل ذلك على نطاق واسع".