المصدر: بلومبرغ
من: ديفون بندلتون، بن بارتنشتاين، فرح البحراوي، ونيكولاس براسي
في منطقة تتجلى فيها كل مظاهر الترف والثراء الممكنة، يبقى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان بعيداً عن الأضواء بما لا ينسجم مع أهميته. لكن هذا لا يوقف الكلام حول الشيخ سليل عائلة الشيوخ في أبوظبي، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن الوطني في الدولة، كما يتولى المسؤولية عن مجالات كثيرة من ثروة الأسرة التي تُعتبر الأغنى عالمياً.
في ظل وجود 6% تقريباً من احتياطيات النفط المؤكدة عالمياً في الإمارات العربية المتحدة، لا يخفى على أحد أن آل نهيان من الأثرياء. لكن ثروة الأسرة صعدت إلى آفاق جديدة بفضل الاستثمارات التي تمتد إلى قطاعات شتى، بدءاً من الاستثمار بشركة تصاميم الملابس النسائية التي أنشأتها المغنية العالمية ريهانا، والبيانات الضخمة، وحتى الوجبات السريعة، وشركة "سبيس إكس" التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك.
يبلغ صافي ثروة الأسرة حالياً 300 مليار دولار على الأقل، وفقاً لتحليل لممتلكاتهم المتشعبة بواسطة "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات" تضمن الإيداعات المقدمة للجهات التنظيمية، والسجلات العقارية، وإفصاحات الشركات. يتفوق هذا المبلغ على ثروة تُقدّر بـ225 مليار دولار لعائلة والتون التي اشتهرت منذ فترة طويلة بأنها الأغنى في العالم بفضل شركة "ولمارت" المهيمنة على قطاع البيع بالتجزئة.
لم يستجب ممثلو آل نهيان لعدة طلبات للحصول على تعليق.
يصعب تحديد الحجم الدقيق لثروة الأسرة التي حكمت الإمارات منذ استقلالها قبل نصف قرن، لعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الأسرة والدولة غالباً.
هناك بعض الأصول تابعة لهم بشكل خاص بوضوح، في حين أن البعض الآخر متشابك مع الحكومة. وهذه الأصول الشخصية البارزة تعني أن ثروتهم الملموسة تفوق ما لدى نظرائهم في دول الخليج العربي، بما في ذلك العائلة المالكة السعودية.
الشيخ طحنون –الحاصل على الحزام الأسود في رياضة جيو جيتسو القتالية- يعمل في كلا القطاعين العام والخاص. وهو رئيس صندوق الثروة السيادي لأبوظبي (ADQالقابضة)، بالإضافة إلى رئاسة "بنك أبوظبي الأول" الأكبر في الإمارات.
من بين الحيازات الشخصية للأسرة، شركة استثمارية ارتفعت قيمتها بنسبة 28000% تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية، تدعى"الشركة العالمية القابضة". ويرى مستثمرون محليون مطلعون أنها أكبر من أن تفشل بسبب ارتباطها الوثيق بالشيوخ، فيما تراها بعض المؤسسات الدولية ذات طبيعة مبهمة ما يجعلها تتردد بالاستثمار فيها.
إمبراطورية مترامية الأطراف
تشمل ممتلكات آل نهيان أيضاً أصولاً بارزة أخرى مثل نادي "مانشستر سيتي" لكرة القدم، وعشرات القصور أو نحو ذلك، بما في ذلك "شاتو دو بايون" شمال باريس، ومعظم ساحة بيركلي الراقية في لندن. لكن المحور الرئيسي يكمن في مجموعة "رويال غروب"، وهي شبكة مترامية الأطراف من الشركات توظف أكثر من 27000 شخص في مجالات تمتد من التمويل إلى الروبوتات. وعلى مدى عقدين، تحولت من مجموعة صغيرة إلى واحدة تدير أصولاً ضخمة تقترب من 300 مليار دولار، وفقاً لأشخاص مطلعين على عملياتها طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المعلومات خاصة.
مع نمو ثروة آل نهيان، يزداد نفوذهم. ويُعرف الشيخ طحنون بأنه المشرف الرئيس على إمبراطوريتهم التجارية المتنامية، بالإضافة إلى كونه مبعوثاً سياسياً بارزاً. وغالباً ما تدعم الاستثمارات الإماراتية في دول مثل تركيا ومصر جهود شقيقه الشيخ محمد بن زايد، رئيس الإمارات العربية المتحدة، التي تهدف إلى توسيع نفوذ البلاد.
الشيخان طحنون بن زايد ومحمد بن زايد اثنين من بين 6 أشقاء. وجميعهم أبناء المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. أما الشيخ منصور -الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ورئيس المصرف المركزي ورئيس جهاز الإمارات للاستثمار، الذي يُعدّ الصندوق السيادي للحكومة الاتحادية- فيُعتبر شخصية بارزة أخرى، وجميعهم يساهمون في بناء ثروة الأسرة.
قيمته 10 مليارات دولار.. أضخم صندوق استثمار بالتكنولوجيا يتلقى دعماً إماراتياً
تعمل "رويال غروب" كمركز قيادة للشيخ طحنون، وفقاً للأشخاص. فبالإضافة إلى الاستثمار في مجموعة متنوعة من الشركات، تجلب الشركة أهم الطهاة في العالم لتقديم الوجبات للعائلة، كما توظف الحرس الشخصيين لحماية أفرادها.
ريتشارد كلارك، المسؤول السابق في البيت الأبيض والذي عمل مستشاراً لوقت طويل للشيخ محمد بن زايد، يقول إن "رويال غروب" تُعدّ "الأكثر تحملاً للمخاطر" من بين المؤسسات الاستثمارية العملاقة الأخرى في أبوظبي. فالكيانات التي تدير الأموال نيابة عن الإمارات، مثل: شركة "مبادلة للاستثمار" وجهاز أبوظبي للاستثمار -اللتين تديران فيما بينهما 1.2 تريليون دولار- تعمل كصناديق ثروة سيادية ذات عقلية تقليدية مستقرة.
يمتلك الشيخ طحنون أيضاً يختاً عملاقاً -وهو واحد من ثلاثة يخوت تملكها الأسرة على الأقل، بما فيها اليخت الأكبر في العالم- ويُستخدم كمحطة اجتماعات رئيسية لمن يسعون لإجراء اتفاقات تجارية ضمن الشبكة الضيقة والاستثنائية للأسرة، بحسب أشخاص ذوي دراية.
مجلس الشيخ طحنون
في شهادته أمام المحكمة، أجاب توم باراك، ملياردير الأسهم الخاصة المقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على سؤال: "لماذا كنت متحمساً لرؤية الشيخ طحنون؟"، بقوله: "لأنه أحد أكبر رجال الأعمال في العالم". وخلال محاكمة باراك على تهمة حشد جماعات ضغط غير قانونية لدعم الإمارات -والتي برأت ساحته منها خلال الشهر الماضي- قدم أثناء المحاكمة تفاصيل عن علاقته بالشيخ طحنون، بما فيها تقديمه كتاباً نادراً عن الخيول العربية للشيخ طحنون، ومشاركته في رحلة على الدراجات الهوائية في الصحراء المغربية لكي يفوز بصفقة تجارية لصالح شركته "كولوني كابيتال" (Colony Capital).
أضاف باراك: "كل رجال الأعمال الكبار، ومستثمرو صناديق الثروة السيادية، وشركاء الأعمال يأتون إلى مجلسه في كل ليلة"، في إشارة إلى الاجتماعات في المجلس التقليدي العربي. وزار هذا المجلس مليارديرات مثل عملاق العقارات الأميركي سام زيل، وقطب الصناعة الهندي غوتام أداني، والمصرفي الكولومبي جيمي غلينسكي.
عندما يقوم الشيخ طحنون بجولات دبلوماسية مكوكية في منطقة الشرق الأوسط، يفوض المسؤوليات الأخرى لمستشارين يثق بهم داخل إمبراطوريته التجارية.
أحد المستشارين الرئيسيين هي صوفيا عبد اللطيف لاسكي، وهي خبيرة مالية مغربية المولد عملت مع الشيخ طحنون على مدى عقدين. كما أنها واحدة من المغتربين القلائل في أبوظبي الذين وصلوا إلى هذه المكانة الرفيعة.
قال زيل، الذي يعرف الأسرة منذ 20 عاماً تقريباً: "تعرفت على العديد من الأشخاص الذين يشغلون مناصب حكومية رفيعة في جميع أنحاء العالم. وعلى رأسهم صفوة أبوظبي الشيخ طحنون وصوفيا".
نمو "الشركة العالمية القابضة"
زادت قيمة بعض استثمارات "رويال غروب" بأرقام هائلة في السنوات الأخيرة. تأتي في صدارة تلك الاستثمارات "الشركة العالمية القابضة"، التي تعرف اختصاراً باسم "IHC"، والتي تفوّق أداؤها على أي شركة تزيد قيمتها عن مليار دولار على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
خلال تلك السنوات، تحولت "الشركة العالمية القابضة" -التي تمتلك "رويال غروب" حصة أغلبية فيها- من كيان استثماري غير معروف يركز على المزارع السمكية ليصبح الشركة المدرجة الأكثر قيمة في الإمارات. كما تفوق أداء أسهمها على شركات كبرى أخرى مثل "ماكدونلدز" و"نايكي" و"بلاكستون".
لكن ذلك لم يغرِ المستثمرين الدوليين، حيث أعرب بعضهم بشكل خاص عن مخاوفهم إزاء الافتقار للشفافية. ولم تُدرج "الشركة العالمية القابضة" ضمن مؤشر "إم إس سي آي" العالمي، كما لا تغطيها تحليلات السوق التي تتابعها "بلومبرغ".
في تقريرها الأخير عن حسابات الشركة، أكدت "إرنست آند يونغ" أن البيانات المالية الخاصة بـ"الشركة العالمية القابضة" تخضع لتدقيق "أقل قدراً بكثير" مقارنة بالمراجعات الأخرى التي تُجرى وفقاً للمعايير الدولية. لكن بحسب لوائح سوق أبوظبي للأوراق المالية فإن تقارير الشركة مدققة بشكل كامل.
رغم سعي كثيرين للاستثمار في "رويال غروب"، إلا أن معظم البنوك الدولية تفادت إلى حد كبير إبرام صفقات مع "الشركة العالمية القابضة" بسبب مخاوف بشأن القيمة السوقية المبالغ فيها، وفق قول أشخاص مطلعين. فأسهم الشركة، التي تعتمد بشكل شبه حصري على التمويل المحلي، تُتداول الآن بما يقرب من 18 ضعفاً قيمتها الدفترية، مقارنة بـ1.5 ضعف تقريباً لشركة "بيركشاير هاثاواي" التابعة للملياردير وارن بافيت.
لكن المصالح المتداخلة للعائلة -بما في ذلك السيطرة على الوسطاء المهيمنين على التداول في أبوظبي وامتلاك "ADQ" لبورصة الإمارة- تساعد على ضمان استمرار دعم "الشركة العالمية القابضة".
في أواخر نوفمبر الماضي، أصدرت الشركة أسهماً لتكتل تجاري آخر في أبوظبي مقابل حصولها على أسهم عدة شركات بما في ذلك "ألفا أبوظبي القابضة"، وهي الثالثة من حيث القيمة في الإمارات، وإحدى المؤسسات المدرجة بالسوق، ضمن إمبراطورية الأسرة.
لم تستجب "الشركة العالمية القابضة" لطلبات التعليق. (ارتفع سهم الشركة يوم الجمعة ليغلق عند 410 دراهم، ما يمثل أعلى مستوى له على الإطلاق).
الارتفاع الصاروخي الذي حققته الشركة الاستثمارية يُعدّ رمزاً للقوة المتزايدة للمالكين. ورغم الوقت الطويل الذي حظيت فيه دبي باهتمام دولي، إلا أن الإمارة الغنية بالنفط عززت مكانتها بصفتها اللاعب المهيمن على اقتصاد البلاد عندما ضخت حزمة قيمتها 20 مليار دولار لمساعدة جارتها في أعقاب الأزمة المالية.
منذ ذلك الحين، أسس آل نهيان وجهات سياحية في أبوظبي، بما في ذلك مدينة "عالم فيراري" الترفيهية الداخلية، ومتحف اللوفر، ومضمار سباق "فورمولا 1".
تسعى كل من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر إلى تنويع اقتصاداتها قبل انتهاء عصر الوقود الأحفوري. وهي في وضع جيد للاستفادة من الفرص المتاحة، لا سيما وأن الولايات المتحدة وأوروبا تواجهان تكاليف تمويل أعلى، فيما تعاني الصين بسبب كوفيد-19.
تجسد "الشركة العالمية القابضة" طموح أبوظبي الدولي. ففي مقابلة أجريت خلال أغسطس الماضي، قال الرئيس التنفيذي سيد بصر شعيب إن الشركة تخطط لاستثمار مليارات الدولارات في أسواق تشمل إندونيسيا، وتركيا، والهند، مستهدفة قطاعات مثل الغذاء، والبنية التحتية، والرعاية الصحية.
تعزيز السياسة الخارجية للإمارات
على غرار معظم دول العالم النامي، يسير الاستثمار والسياسة جنباً إلى جنب في الدولة، وآل نهيان من المتمرسين.
تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد، عززت الإمارات قوتها في السياسة الخارجية بصورة أكبر. ودعمت الجنرال الليبي المتمرد خليفة حفتر، وشاركت في مقاطعة قطر في 2017، كما تورطت في حرب بالوكالة بين السعودية وإيران في اليمن. لكن في الآونة الأخيرة، اتجهت الإمارات بصورة أكبر نحو خفض التصعيد في المنطقة، وهو موقف يتماشى مع جهودها لتعزيز القوة الناعمة من خلال عقد الصفقات.
بعدما التقى الشيخ طحنون بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان العام الماضي، اشترت "الشركة العالمية القابضة" حصة تناهز 50% في شركة تركية للطاقة المتجددة. كما استثمرت نحو ملياري دولار في ثلاث شركات مملوكة للملياردير الهندي غوتام أداني بعدما وقّعت الدولتان على صفقة تجارية، فيما اشترت "ADQ" حصصاً في شركات مصرية كبرى دعماً لاقتصاد الدولة المتعثر.
قد تكون شركة "مجموعة 42" (Group 42) أكبر تجسيد مباشر للتداخل بين الأعمال التجارية والسلطة في أبوظبي. فبعد تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، أصبحت شركة الذكاء الاصطناعي -التي يرأسها الشيخ طحنون- أول شركة إماراتية تفتح مكتباً في إسرائيل. ومنذ ذلك الحين أبرمت صفقات مع شركة "رافائيل أدفانسد ديفنس سيستمز" (Rafael Advanced Defense Systems) المملوكة للدولة.
يقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة "أوراسيا" (Eurasia) لاستشارات المخاطر، الذي يعيش في لندن: "أصبح الشيخ طحنون الحارس الأمين الموكل بأداء كل المهام الصعبة. فنجاحاته جعلت منه لاعباً مفيداً للغاية للشيخ محمد بن زايد بصفة خاصة، وأبوظبي بشكل عام".