التقدم الحاصل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا يدانيه سرعةً في النمو إلا قليل من الأشياء، ومنها التكهنات حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد. لا أكاد أعرف إجابة جميع الأسئلة القائمة، لكنني أعتقد أن علينا أن نتوقع تبايناً كبيراً في التكيف، وهذا في حد ذاته سيغير عالمنا.
كي نستشرف بشكل أفضل ما قد نشهده، علينا أن نمايز بين قطاعات يسهل نسبياً أن تنقطع أرزاقها وأخرى لا تشابهها في ذلك. على سبيل المثال، تفتقر معظم الشركات التي تبيع خدمات برمجة الكمبيوتر عادةً لديمومة الإيرادات أو حتى قاعدة العملاء. ويتوجب على منسوبيها أن يحققوا النتائج المنتظرة منهم كي لا يُستبدلوا، هم أو شركاتهم بحد ذاتها. ينطبق هذا على معظم شركات الإعلام، فإن فقدت القراء أو العملاء تتبخر إيراداتها. كما أن دخول هذا القطاع في الولايات المتحدة حر نسبياً، بمقتضى أول تعديل للدستور.
هنالك مجموعة مؤسسات معرضة لأن تفقد مجال عملها ببطء، هذا إن حصل ذلك. على سبيل المثال، إن فرطت جامعة حكومية كبرى في تعليم طلبتها، قد تنخفض نسب الالتحاق بها، لكنها ستبقى قائمة لعقود على الأرجح. وإن أخفقت مجموعة غير ربحية في تحقيق الهدف منها، فقد لا يعلم المانحون بفشلها لسنوات عديدة، وقد يُتوفى المانحون السابقون بعد أن يدرجوها في وصاياهم. القصد هو أن وقتاً طويلاً قد يمضي قبل أن تجف منابع تمويلها.
يقودني ما سلف لطرح توقع: ستواجه الشركات والمؤسسات في القطاعات الأكثر سيولة وتنافسية في الاقتصاد ضغوطاً شديدة كي تتبنى الذكاء الاصطناعي. أما تلك التي لا تعمل في مثل هذه القطاعات ستتحاشى ذلك.
إن حجم كل فئة من تلك في الاقتصاد الأميركي مسألة خاضعة للنقاش، وبالطبع تحكمها تفاوتات. لكن أجزاء كبيرة من الحكومة والتعليم والرعاية الصحية والقطاع غير الربحي قد تنحسر أنشطتها ببطء شديد، أو لا تنحسر على الإطلاق، وهي جزء كبير من الاقتصاد الأميركي بما يكفي لإبطاء تبني الذكاء الاصطناعي ونمو الاقتصاد.
مع تقدم الذكاء الاصطناعي، فإن أجزاء الاقتصاد التي تتميز بالخروج السريع ومجانية الدخول ستتغير سريعاً. على سبيل المثال، تضطلع نماذج اللغة الكبيرة بقدر ضخم من البرمجة، وإن كان ذلك بتوجيه بشري. إن لم تواكب شركات الاستشارات البرمجية سرعة ذلك التطور، ستختفي خلال عام أو اثنين. كما أن حدوث نقلة ثورية في إنتاج الكلمات والصور مسألة وقت لا أكثر، فيما أن تصميم الرسومات تشهد ثورةً، وقد انضم إليها كثير من مصممي الرسومات.
لكن الحسابات مختلفة تماماً في ما يخص أستاذاً جامعياً بوظيفة دائمة يرفض استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التدريس، ولا يُرجح إنهاء عمله، وقد يضطر الاستخدام الكامل للذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية إلى الانتظار حتى يتقاعد جيل كامل.
وعلى النقيض من ذلك، يستخدم الطلاب، الذين قد يفشلون أو لا يكملون دراستهم، أدوات الذكاء الاصطناعي بشغف، أحياناً بغرض الغش ولكن للتعلم أيضاً. عموماً، سيغلب التبني الفردي على القبول المؤسسي في الوسط الأكاديمي.
كما أن قدراً كبيراً من الوظائف الحكومية محمية. وإذا استخدم الموظفون أدوات الذكاء الاصطناعي، فقد يكون ذلك من قبيل تخفيف أعباء العمل. فقد يستخدمون الذكاء الاصطناعي بصفة فردية لتسهيل صياغة الوثائق والرسائل الإلكترونية، أو لتلخيص محتوى كانوا سيضطرون لقراءته كاملاً لولا ذلك. النتيجة هي زيادة وقت الفراغ للعمال، أو القدرة على إنجاز مزيد من العمل في مجالات أخرى. لا توجد ضغوط مماثلة على البيروقراطية بأكملها لإعادة تنظيم أنشطتها لتتمحور حول خدمات الذكاء الاصطناعي، لأن استمرار وجود هذه المؤسسات مضمون إلى حد ما.
بعبارة أخرى، لا توجد إجابة بسيطة حول مدى سرعة تغيير الذكاء الاصطناعي للاقتصاد الأميركي الإجمالي. ستكون أجزاء الاقتصاد التي تتبنى الذكاء الاصطناعي قادرة على خفض تكاليفها بسرعة، ونتيجة لذلك ستصبح رخيصة جداً. سيصبح تصميم الرسومات عالي الجودة رخيصاً جداً أو ربما مجانياً. وقد لا تتزحزح رسوم الدراسة في هارفرد وقد ترتفع. سيختلف تأثير الذكاء الاصطناعي، في بعض الأحيان بشكل كبير حسب القطاع، وستصدمنا بعض الأسعار التي ستبدو منفصلة عن الواقع.
يزيد النقاش تعقيداً لأن استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة النمو الاقتصادي لن يكون سهلاً دائماً. مع انخفاض تكلفة القطاعات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، ستصبح جزءاً أصغر من الناتج المحلي الإجمالي. وستكون الأجزاء المتبقية من الناتج المحلي الإجمالي "مترددة في الذكاء الاصطناعي"، فيصعب على الذكاء الاصطناعي الاستمرار في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي.
إن حياتنا على وشك أن تتحول وترتقي وقد نشهد قلقلة بسبب بعض التغييرات الأساسية في الإنتاجية النسبية والأسعار، فهل نحن مستعدون؟