وَلَدت العاصمة السويدية أكبر عدد من شركات الـ"يونيكورن"، نسبة إلى تعداد السكان، مقارنةً من أي منطقة أخرى في العالم، باستثناء وادي السيليكون.
حيث وضعت شركة "سبوتيفاي" ومصنع "ماين كرافت" السويد على خريطة الشركات الناشئة، التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، وأنتجت جيلاً جديداً من رواد الأعمال. إذ احتلت الدولة الشمالية هذه المرتبة الأولى في أوروبا في رأس المال التراكمي المستثمر للفرد في السنوات الخمس الماضية، متقدمة بذلك على أيرلندا والمملكة المتحدة، وفقاً لتقرير صناعة التكنولوجيا الصادر عن شركة رأس المال الاستثماري "أتوميكو".
وتتضمن وصفة السويد السرية، التكنولوجيا وتقاطعها عبر مجموعة واسعة من الصناعات، من بث الموسيقى والألعاب، إلى كيفية دفع ثمن الأشياء وبتزايد، وتتضمن أيضاً طرق شحن السيارات. وتتطور الديناميكيات أيضاً مع قيام مؤسسي ومساندي التكنولوجيا الأوائل بتخصيص بعض ثروتهم الهائلة لأحدث مجموعة من الشركات الناشئة.
ليس مصادفة
في هذا الشهر فقط، أصبحت شركة المدفوعات "تراستلي غروب" أحدث مثال في سلسلة طويلة من الشركات السويدية الناشئة، التي شهدت ارتفاع قيمتها لتصل إلى منطقة الـ"يونيكورن". ويقول رئيسها التنفيذي، إن الأمر ليس من قبيل المصادفة، فالعديد منهم يظهرون على أرض وطنه.
وفي هذا السياق، قال أوسكار بيرغلوند خلال مقابلة: "يوجد مناخ هنا يتميز فيه السويديون بسرعة اختبار الخدمات والمنتجات الجديدة، إن الأمر يشبه وجود منظومة للتمويل والخبرات".
ومن الأمثلة على ذلك صندوق رأس المال الاستثماري "نورسكين" (سويدي من أجل أنوار الشمال)، الذي أطلقه نيكلاس أدالبيرث، وهو المؤسس المشارك لمنصة المدفوعات "كلارنا بنك" التي تقدر قيمتها بنحو 31 مليار دولار. وأطلق نيكلاس أدالبيرث، من شركة "سكايب" الشهيرة شركة "أتوميكو" في عام 2006 بمهمة الاستثمار في "مؤسسي التكنولوجيا الأكثر طموحاً في أوروبا". بينما، يضع مارتن لورنتزون، المؤسس المشارك لشركة "سبوتيفاي"، جزءاً من ثروته البالغة 6 مليارات دولار في شركة الاستثمار "كريفانتيس كابيتال".
وخلال مقابلة معها، قالت سارة غويموري، المؤلفة المشاركة لتقرير "أتوميكو- حالة شركات التكنولوجيا الأوروبية"، مستشهدة ببيانات للمدن التي تمتلك شركات الـ"يونيكورن" و 500000 نسمة: "تمتلك ستوكهولم حالياً أكبر عدد من شركات الـ"يونيكورن" للفرد في العالم باستثناء وادي السيليكون، عند معدل يبلغ لكل 0.8 فرد من 100.000 نسمة.
من جهته قال مارتن لورنتزون في مقابلة: "أرى فرصاً رائعة للاستثمار في الشركات السويدية الصغيرة والمتوسطة الحجم، السويد لديها رواد أعمال رائعين، وحوكمة جيدة للشركات". ويبدو أن المستثمرين يوافقون على هذا الطرح، حيث اجتذبت البلاد بالفعل 1.8 مليار يورو (2.2 مليار دولار) من رأس المال الاستثماري حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ 2.9 مليار يورو خلال كامل عام 2020، وفقاً لبحث أجراه موقع "Dealroom.co".
ريادة أعمال متجذرة
للسويد تاريخ طويل في الاستثمار يعود إلى عائلتي والينبرغ وستينبيك، اللتين لا تزالان معاً تتحكمان في جزء كبير من سوق الأوراق المالية في البلاد. وفي الآونة الأخيرة، نمت شركة "إي كيو تي بارتنرز" المدعومة من والينبرغ، لتصبح واحدة من أكبر شركات الأسهم الخاصة في أوروبا.
وتشير شركة "كوبنهاغن إيكونوميكس" الاستشارية، إلى أن حجم رأس مال الأسهم الخاصة، بما في ذلك رأس المال الاستثماري، الذي تم جمعه في السويد، كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، يأتي في المرتبة الثانية بعد لوكسمبورغ في الاتحاد الأوروبي. وأضافت أن الاستثمار في الأسهم الخاصة عزز الاقتصاد السويدي 4.7% منذ عام 2007.
وتتضح عملية تعبئة الموارد بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا المالية في البلاد، حيث تقدر وكالة "الوكالة السويدية لتحليل سياسة النمو" أن هناك ما يصل إلى 450 شركة نشطة. وتشير إيفا ألفريدسون، من الوكالة، التي أعدت مؤخراً تقريراً عن الصناعة، إلى عدة أسباب جعلت شركات التكنولوجيا المالية الدولية مثل "كلارنا" و"تراستلي" من السويد موطناً لها.
وحول ذلك، قالت ألفريدسون، خلال مقابلة: "السويد واحدة من أكثر البلدان إبداعاً في العالم، وهي بلد يسهل فيه بدء وإدارة الشركات". وأضافت أن السويد كانت "مبكرة في الرقمنة"، مستشهدة بالبرنامج المدعوم من الحكومة لأجهزة الكمبيوتر المنزلية في التسعينيات والذي "ينشر كفاءة تكنولوجيا المعلومات إلى جميع السكان".
وباعتبارها واحدة من أقل المجتمعات في العالم تعاملاً بالكاش، جنباً إلى جنب مع سكانها المتمرسين في التكنولوجيا، وفرت السويد منصة للشركات المالية وطرق الدفع الجديدة للازدهار، وفقاً للأمين العام لـ"اتحاد التكنولوجيا المالية السويدية" لويز غرابو.
ويضيف غرابو قائلاً: "لقد ساهمت التشريعات الجديدة مثل، توجيه خدمات المدفوعات، بانفتاح القطاع المالي نحو المزيد من الابتكار والمنافسة".
وعلاوةً على ذلك، تقود العوامل التكنولوجية النجاحات في أجزاء أخرى من الاقتصاد أيضاً. فعلى سبيل المثال، يدرس صانع المشروبات النباتية "أوتلي" تقييماً بقيمة 10 مليارات دولار في طرح عام أولي في الولايات المتحدة، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر خلال الشهر الماضي.
ويقول ديفيد سونيك، الرئيس التنفيذي لشركة "إندستريفوندين"، وهو أحد مستثمري "أوتلي" منذ المراحل الأولى: "أصبح مشهد الاستثمار التجاري في السويد أكثر إثارة للاهتمام مما كان عليه قبل 10 سنوات".
أفضلية رقمية
أحد أفضل الأشياء المتعلقة بآفاق الاستثمار في المنطقة هو شعبها، وفقاً للمستثمر في المراحل المبكرة "بار-يورغن بارسون"، الذي دعم "سبوتيفاي" منذ أكثر من عقد من الزمان. حيث قال بارسون، الذي تحتفظ شركته "نورثزون" بمحفظتها بكل من "كلارنا" و "آي زيتلي": "إن الموظفين متطورون كثيراً في مجال التطوير الرقمي، مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى".
ويضيف بارسون، أن السويد تستفيد من "التكلفة المنخفضة للموهبة والولاء لأهداف العمل بدلاً من الخدمة الذاتية والعقلية الدولية لمعظم الشركات الناشئة"، مضيفاً أن الافتقار إلى التسلسل الهرمي ومستوى التعليم الجيد "يعني أنك ستصل بعيداً برأس مال محدود ".
ووفقاً لبو بيكر، من شركة "سيفيان كابيتال"، وبروفيسور التمويل في كلية "ستوكهولم للاقتصاد" فإن نظام التعليم يعكس أيضاً النظرة الدولية للبلاد.
يقول بو بيكر، إنه "تم بناء النظام للعمل في الشركات الكبيرة" ذلك على الرغم من الحكومة التي يقودها الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ودعم الدولة المستمر لنظام الضمان الاجتماعي، مستشهداً بالتعليم واللوائح الملائمة ونظام الضرائب.
وحفزت الشركات الناشئة التي ازدهرت الآخرين أيضاً. حيث قال كاميرون ماكلين، الذي شارك في تأسيس وإدارة "جاينت فينتشرز"التي تتخذ من لندن مقراً لها، إن هناك "منظومة تنبض بالحياة من رواد الأعمال الناجحين والمديرين التنفيذيين والمستثمرين الذين كانوا جزءاً من شركات الأجيال، مثل "سبوتيفاي"، وتنتج هذه النجاحات نماذج يحتذى بها، ومواهب من ذوي الخبرة، ورأس مال يؤدي بعد ذلك إلى مزيد من النجاحات، وتستمر هذه العجلة بالدوران".
ويقول ماكلين، إن المستهلكين السويديين يهتمون بشدة بالقضايا المجتمعية والبيئية. يأتي ذلك مصحوباً بالتشريعات الحكومية المواتية "إنه مكان رائع لإطلاق الشركات المؤثرة".
بالنسبة إلى المدير التنفيذي لشركة "تراستلي"، الذي يخطط لجمع ما يقرب من مليار دولار من خلال طرح عام أولي في ستوكهولم قريباً، فإن كل هذه العوامل تضاف إلى "نوع من التلاقح المتبادل". ويختم قائلاً: "بالتأكيد، لقد كان جزءاً مهماً من رحلتنا أننا نشأنا في السويد".