تنفق البلدان عبر مختلف أنحاء العالم مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب على تطوير أو دعم صناعاتها لأشباه الموصلات. هذه التدفقات النقدية أسفرت عن بعض النجاحات وبعض الإخفاقات؛ والفرق بينهما عادة ما يرجع إلى كيفية إنفاق الأموال بشكل استراتيجي. وتحتاج حكومة الهند، التي خففت أيضاً قيود الإنفاق، إلى وضع استراتيجية في أقرب وقت ممكن.
في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، كانت الميزانيات الفيدرالية مقتصدة للغاية في الدعم. لكن جرى بالفعل تجنيب 11 مليار دولار، خُصصت إلى حد كبير لمشاريع متنوعة متعلقة بالرقائق الإلكترونية. وفي الأسبوع الماضي ظهرت أنباء تفيد بأن 5 إلى 10 مليارات دولار أخرى قد تتبع ذلك.
هذه الأرقام ليست صغيرة بالمقاييس الهندية. وقد تنفق الحكومة على هذا القطاع خمسة أضعاف ما تنفقه على دعم الألواح الشمسية أو السيارات وخمسين ضعف ما تخطط له للقطاعات كثيفة العمالة مثل السلع الجلدية. ووفقاً للمسؤولين، عندما يتم حصر الأموال المختلفة من مصادر الولايات والحكومة الفيدرالية، فإن الحكومة ستتحمل ثلاثة أرباع تكلفة رأس المال لإقامة منشأة جديدة لتصنيع أشباه الموصلات.
أهداف الهند في أشباه الموصلات
مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان المسؤولون يعرفون بالضبط ما يريدون من مهمتهم في مجال أشباه الموصلات إذ يبدو أن لديهم أهدافاً متعددة، وهذا يؤدي دائماً إلى قليل من الفوضى عندما يتعلق الأمر بتصميم السياسات.
هل الهدف هو زيادة حجم القيمة المضافة في الهند؟ أم خلق فرص العمل؟ وهل الشاغل الرئيسي للحكومة هو الحد من اعتماد الهند على الصين، أم استبدال الواردات بشكل عام؟ وهل يعتقد المسؤولون أن الإنتاج المحلي ضروري لدعم إنشاء قطاع إلكترونيات أوسع، أم لتوفير مرونة لسلاسل توريد قطاع السيارات الآخذ في النمو؟
وما يقولونه في الأحاديث العامة مثير للقلق حيث يبدو أن التركيز ينصب على نقل الإنتاج إلى الداخل، والترويج لما يسميه مودي "الاعتماد على الذات".
هذا ليس هدفا معقولاً على الإطلاق. فحتى الولايات المتحدة لا تستطيع حقا أن تطمح إلى الاكتفاء الذاتي الحقيقي في أشباه الموصلات نظراً لتعقيد سلاسل توريد الرقائق. ولا يوجد سبب واحد يجعلنا نعتقد أن الهند قادرة على ذلك، وخاصة عند البدء من الصفر.
الاعتماد على واردات الرقائق
لا ينبغي للدولة أن تقلق أكثر من اللازم بشأن "الاعتماد الاستراتيجي" على واردات الرقائق، طالما أن نسبة كبيرة تأتي من مصادر صديقة مثل كوريا الجنوبية أو تايوان أو الغرب. وربما يكون خفض حصة الصين في الواردات الهندية منطقياً، ولكن أشباه الموصلات ليست قطاعاً ينبغي أن يكون هذا مصدر قلق فيه. خاصة وأن نسبة كبيرة من إنتاج الصين في المستقبل من الرقائق ستذهب لتلبية طلبها المحلي.
بدلاً من ذلك، ينبغي أن ينصب التركيز على تحديد النقاط في سلسلة التوريد التي يمكن للهند أن تدخل فيها بسرعة وتتوسع بشكل فعال. إن التصنيع له بريقه، ولكن كما اكتشفت بلدان عديدة حول العالم، فإن تكاليف بدء التشغيل يمكن أن تكون تعجيزية.
والمتطلبات صارمة أيضاً. وربما تتخلى بعض الشركات المهتمة بالتصنيع في الهند عن هذا التوجه لأن تأمين إمدادات موثوقة من المياه النقية للغاية يبدو أمراً بالغ الصعوبة. ولابد من منح القطاع الخاص حرية أكبر في تحديد المواقع المناسبة لاستثماراته. لقد تم توجيه أغلب المصانع الجديدة نحو الولايات التي يحكمها حزب مودي، بما في ذلك ولاية غوجارات مسقط رأسه.
تحديات العمالة في الهند
يتعين على المسؤولين أيضاً أن يركزوا على معالجة بعض هذه القضايا أولاً. كما أنهم بحاجة أيضاً إلى العمل بجدية أكبر على مشكلة غير متوقعة ألا وهي الحصول على العمال المناسبين. فربما تكون الهند الدولة الأكبر سكاناً في العالم الآن، وتزعم أن لديها آلاف الكليات الهندسية، ولكن مراقبة الجودة في التعليم العالي ضعيفة للغاية إلى الحد الذي قد يجعل المصانع الجديدة تكافح من أجل توظيف قوة عاملة.
يدرك المسؤولون على الأقل أن أحد أكبر العقبات هو توافر مهندسين. وإذا أتت خططهم ثمارها، تشير تقديراتهم إلى الحاجة لما بين 10 ألاف و13 ألف عامل متدرب بحلول 2027. وبعض توقعات القطاع الخاص للنقص في المواهب أكبر بكثير.
ومن شأن إعادة هيكلة الأكاديميات للتركيز على الأبحاث والتدريب أن يؤتي ثماره. كما ينبغي أن تستهدف الهند توفير عمالة ليس فقط في مصانعها، لكن أيضاً لتلبية متطلبات القوة العاملة في بقية العالم.
والتصنيع ليس المرحلة الوحيدة في سلسلة توريد الرقائق التي تجني أرباحاً. فمراحل التصميم والتجميع والتغليف سوياً تجمع هي الأخرى حوالي نصف إيرادات القطاع. ويأتي من الهند بالفعل خُمس مصممي الرقائق في العالم، لكن يوجد فيها 7% فقط من منشآت التصميم الفعلية.
كما تظهر مصانع جديدة للتجميع ويتزايد الدعم الحكومي للتصميم. لكن من الممكن فعل المزيد إذا أنفقت نيودلهي أموالها بشكل أكثر وعياً. وسيأتي المكسب الحقيقي من خلال الاستثمار في هذه الأقسام من سلسلة التوريد التي تتمتع فيها الهند بتفوق نسبي.
ختاماً، يمكن أن تأتي المصانع بعد ذلك بمجرد أن يتطور نظام بيئي تشغيلي. فلا جدوى من الهوس بالاعتماد على الذات، عندما تكون دولة عملاقة مثل الولايات المتحدة مجرد ترس من آلة عالمية.