لم يكن إطلاق الصواريخ من غزة هو الذي أربك الجنود الإسرائيليين على الحدود الجنوبية لإسرائيل يوم 7 أكتوبر الماضي، بل الطنين غير المألوف الذي لم يسبق أن سمعوه من قبل.
ملأ سرب من الطائرات بدون طيار التي يمكن شراؤها عبر الإنترنت بمقابل 6500 دولار، السماء فوق السياج الحدودي الإسرائيلي الذي بلغت تكلفته مليار دولار. جرى تجهيز هذه الطائرات لحمل المتفجرات وتدمير الكاميرات وأنظمة الاتصالات والمدافع الرشاشة التي يتم التحكم فيها عن بُعد، مما سمح بوقوع هجمات غير مسبوقة.
بدأت الجيوش عموماً باستخدام المسيرات في الحروب منذ ما يفوق العقدين. وتفتخر إسرائيل نفسها بأن لديها واحداً من أكبر الجيوش التي تملك طائرات بدون طيار في منطقة الشرق الأوسط. في الوقت الحالي، برز جيل جديد من الأنظمة الرخيصة والمتاحة على نطاق تجاري -على غرار تلك التي استخدمتها حماس في هجوم السابع من أكتوبر- ما بات يشكل تحدياً لبعض القوى الأكثر تقدماً تكنولوجياً على مستوى العالم.
جرس إنذار
تعتبر الحرب مع حماس بمثابة جرس إنذار للجيوش الأكثر تطوراً بشأن إمكاناتها القاتلة، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة "هيفن درونز" (Heven Drones)، بنتسيون ليفينسون، الذي تزوّد شركته الجيش الإسرائيلي بطائرات بدون طيار حاملة للأوزان الثقيلة وتعمل بوقود الهيدروجين.
قال ليفينسون: "نصنع الطائرات بدون طيار الضخمة، المعروفة اختصاراً بالمُسيّرات أو (UAVs)، ونصنّع طائرات، وتعد تقنياتنا من الأكثر تطوراً، وقد أدركنا من خلال هذه الحرب أن هذا كله يتوافر بجوارنا مباشرة، سواء كان للأغراض الدفاعية أو الهجومية".
كشف استخدام حماس للطائرات بدون طيار التجارية المعدلة لشن هجماتها -وهي استراتيجية استخدمتها أوكرانيا أيضاً في أوائل أيام الغزو الروسي لها- عن نقطة ضعف كبيرة في الدفاعات الجوية والبرية الإسرائيلية. لقد تفوقت تكتيكاتها على عدو أكثر تقدماً بكثير، وكل ذلك بتكلفة محدودة.
ومع اختراق أنظمة المراقبة المتطورة تكنولوجياً، اجتاح الآلاف من مقاتلي حماس الحدود على متن شاحنات وطائرات شراعية. كان الهجوم على منطقة جنوب إسرائيل أكثر الأيام دموية في تاريخها، إذ قُتل فيه 1200 شخص تقريباً وأُسر 200 رهينة. احتاج الجيش الإسرائيلي أياماً لاستعادة السيطرة الكاملة على المنطقة.
غزو بري
بعد ذلك، شنت إسرائيل غزواً برياً على قطاع غزة في 27 أكتوبر الماضي، حيث قُتل ما يفوق 19 ألف فلسطيني في غزة منذ بدء الحرب، بحسب وزارة الصحة في المنطقة التي تسيطر عليها حماس.
امتنع متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على طريقة التصدي للمُسيّرات أو إخفاق أنظمة الإنذار المبكر. وقال: "سننظر في أسئلة من هذا القبيل في مرحلة لاحقة" بعد نهاية الحرب.
يستخدم الجيش الإسرائيلي أسطولاً من الطائرات بدون طيار لأعمال المراقبة والقصف، وهو يتجه بصورة متزايدة لاستخدام المُسيّرات خلال حرب المدن في غزة لاستطلاع المباني ونزع فتيل المتفجرات قبل إرسال القوات إلى المكان، بحسب أفيف شابيرا، الرئيس التنفيذي لشركة "إكستند" (Xtend)، التي توفر أنظمة تشغيل الطائرات بدون طيار للجيشين الأميركي والإسرائيلي.
تطوير تكنولوجي
أدخلت إسرائيل بالفعل تحديثات على منظومة القبة الحديدية التي تستخدم صواريخ اعتراضية للحماية من الصواريخ قصيرة المدى المهاجمة، وذلك بهدف اكتشاف الطائرات بدون طيار كبيرة الحجم، لكن العديد من طائرات حماس بدون طيار ما زالت قادرة على التسلل. وفي هذا السياق، يختبر الجيش الإسرائيلي نظاماً يعمل بالليزر مُصمماً لاعتراض الصواريخ الصغيرة وقصيرة المدى، إلا أن هذا النظام لن يكون جاهزاً قبل عام من اليوم على أقل تقدير.
كذلك، قامت بعض الشركات الإسرائيلية الناشئة بالفعل، ومعها متطوعون في مجال التكنولوجيا، بتصميم دفاعات جديدة، إذ تتعرض قوات الجيش المشاركة في الغزو المستمر لغزة، لهجمات متكررة بطائرات بدون طيار انتحارية بدائية الصنع. وتظهر مقاطع فيديو نشرها الجناح العسكري لحماس منذ بدء الحرب -لم يتسن التحقق منها بصورة مستقلة- مُسيّرات تلقي بقنابل يدوية على القوات الإسرائيلية، وتدمر عربات مدرعة.
لقد جذب فريق من المتطوعين الذين يعملون في مساحة تابعة لشركة "وي وورك" (WEWORK) في تل أبيب -تقع مباشرة على الجانب الآخر من الشارع مقابل مقر قيادة الجيش الإسرائيلي- انتباه الجيش فعلاً. نشأت مبادرة "حراس إسرائيل للتكنولوجيا" أو (Israel Tech Guard) من منصة "ديسكورد" أو (Discord) التي أسسها في 8 أكتوبر الماضي العشرات من جهات التكنولوجيا العاملة في إسرائيل، من بينها شركة "غوغل" وشركة المقاولات الدفاعية "رافائيل" (Rafael)، بحسب مور رام أون، أحد مؤسسي المجموعة.
مراقبة السماء
أحد أنظمتهم الذي تم تطويره خلال أربعة أيام ويخضع حالياً للاختبار الميداني في قواعد الجيش، عبارة عن تطبيق يربط بين كاميراتين للهاتف المحمول وأنظمة صوتية لمسح السماء بحثاً عن طائرات بدون طيار. وتستخدم علبة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد يمكن تركيبها على المركبات، وتأمل الشركة في طرح هذا النظام الرخيص للتنبيه بسرعة.
ولا تزال هجمات حماس بطائرات بدون طيار تشكل تهديداً قوياً، وفقاً لليران عنتيبي، الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في إسرائيل.
قال عنتيبي: "إنها تمكنك من استخدام ذخيرة دقيقة أو موجهة، وهو أمر حتى سنوات عدة مضت، كانت الدول المتقدمة جداً فقط هي التي تستطيع القيام به".
طورت حماس هذه التكتيكات بالتعاون مع حليفتها إيران ومحمد الزواري، وهو مهندس تونسي قاد جهود الحركة لتطوير طائرات بدون طيار، واغتيل عام 2016 في عملية اتهمت فيها حماس المخابرات الإسرائيلية بالوقوف وراءها. أُطلق اسم الزواري على نموذج للطائرات الهجومية بدون طيار، والتي استُخدم 35 منها في بداية الحرب.
نماذج التصنيع
ويبدو أن الصور التي نشرتها حماس والجيش الإسرائيلي تظهر طائرات بدون طيار جديدة وجاهزة، بما في ذلك نماذج مماثلة لتلك التي صنعتها شركة "دي جيه آي" (DJI) الصينية المخصصة للتصوير الجوي والتطبيقات الصناعية.
وتجري دراسة ثلاث طائرات بدون طيار تابعة لشركة "دي جيه آي" في شركة "سنتريكس" (Sentrycs)، وهي شركة ناشئة في تل أبيب تُصمم أنظمة لمواجهة الطائرات بدون طيار. إنها نوع واحد من الطائرات التي حُمّلت بمواد متفجرة من قبل حماس.
تؤدي فعالية برنامج حماس للطائرات بدون طيار إلى تفاقم المخاوف من قدرة جهات نشطة غير حكومية على تطوير أسلحة فتاكة بتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام لا يمكن تتبع مبيعاتها. حتى عندما تنفق الجيوش مبالغ قياسية على التكنولوجيا المتطورة، يمكن للمعدات البسيطة أن تسمح لحركات هامشية بتنظيم هجمات مدمرة.
"سمارت شوتر"
يلجأ العديد من الجنود في غزة إلى إطلاق النار على الطائرات بدون طيار بطيئة الحركة لتدميرها في السماء. وقال الجيش الإسرائيلي في مدونة نشرت خلال نوفمبر الماضي إنه خصص نظاماً محمولاً للاستهداف الدقيق، وهو "سمارت شوتر" (SmartShooter)، لجندي واحد في كل وحدة من وحدات المشاة، وذلك للمرة الأولى.
يمكن تركيب هذا النظام على بنادق هجومية، وهو يحسّن دقة التصويب على الأهداف المتحركة مثل الطائرات بدون طيار أو المقاتلين.
كان لدى إسرائيل نظام واحد على الأقل على حدود غزة في 7 أكتوبر مصمم خصيصاً لمواجهة الطائرات بدون طيار، لكنه لم يكن جاهزاً للعمل بعد.
حُدّدت المراحل النهائية من اختبار هذا النظام بعد أيام قليلة من الهجوم المفاجئ، وفقاً لشركة "سنتريكس" التي طورته. ويستطيع النظام اكتشاف الطائرات بدون طيار والسيطرة عليها من على بعد كيلومترات عدة، وإعادة توجيهها بعيداً عن أهدافها.
وقال نائب رئيس "سنتريكس" روتيم إبلباوم، إن هذا النظام منتشر حالياً على مركبات عسكرية إسرائيلية، على طول الحدود وبالقرب من الأصول الاستراتيجية، مضيفاً أنه "كان يمكن أن يغير قواعد اللعبة".