كيف نحمي الأطفال على الإنترنت؟

مشاريع قوانين جديدة في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة تسعى لحماية الأطفال على الإنترنت - المصدر: بلومبرغ
مشاريع قوانين جديدة في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة تسعى لحماية الأطفال على الإنترنت - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

رسمة الكاريكاتور الشهيرة للرسّام بيتر شتاينر، التي نشرت في مجلة "ذا نيويوركر" حول واقع الهوية المجهولة للأشخاص على الإنترنت، كانت بعنوان: "في عالم الإنترنت، لا أحد يعرف أنَّك كلب". لكن، إذا نظرنا إلى هذه الرسمة في سياق آخر؛ فإنَّها تصوّر واقعاً مخيفاً جداً. وذلك، إذا كنا نفكر في الوجود الرقمي للأطفال على شبكة الإنترنت.

تهديدات كثيرة

فعندما لا يمكن معروفة من هم تحت 13 عاماً على الإنترنت، يصبح بإمكان المراهقين مقارنة أنفسهم بالمؤثرين "إنستغرام"، ويمكن للأطفال من ذوي الأعوام الخمسة إجراء بث حي لمئات من البالغين على منصات البث المباشر، ويمكنهم أيضاً التجول في الأندية الترفيهية الخاصة بالبالغين في عالم "ميتافيرس" الافتراضي، وذلك وفقاً لتحقيقات قاتمة نشرتها "بي بي سي نيوز" مؤخراً.

وفي حين تملك معظم شركات وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة، بما فيها "تيك توك" التابع لشركة "بايت دانس"، و"إنستغرام" التابع لشركة "ميتا بلاتفورمز"، شرطاً ينص على ألا يقل عمر الشخص عن 13 عاماً، إلا أنَّه لا توجد منصة واحدة منها تبذل جهداً لإبعاد الأطفال عن أنظمتهم غير الاكتفاء بطلب تاريخ الميلاد من المستخدم.

ولهذا يعد اقتراح مجموعة جديدة من القوانين الخاصة بالأطفال أمراً يبعث على التفاؤل، وهو ما قامت به الجهات التشريعية في أنحاء أوروبا وأستراليا، وفي الولايات المتحدة أيضاً خلال الأسبوع الماضي. وهذه القوانين تهدف لجعل الإنترنت أكثر أمناً بالنسبة للأطفال. وإذا نجح الأمر؛ فإنَّ جميع التطبيقات ستضطر إلى تقديم إصدارات بديلة للأطفال.

تقنيات تحديد السن

لكنَّ فعالية هذه القوانين تتوقف على قدرة التقنيات على التعرف المستمر والدقيق على سن مستخدمي الإنترنت. بما يسمح للمنصات أن تعرف ما إذا كان المستخدم تحت السن القانونية أو لا، وتحقيق ذلك دون المساس بخصوصية المستخدمين. وفي الوقت الحالي؛ تفرض أبرز المقترحات وضع حد أدنى للسن، لكنَّها تتجاهل مع الأسف تقديم قواعد حول كيفية جمع المعلومات، أو الحفاظ عليها بأمان.

وفي الواقع، هناك طرق لا متناهية للتحقق من سن شخص ما على شبكة الإنترنت، وهي تتراوح بين السبل المبتكرة إلى المُخيفة وحتى العادية منها. فعلى سبيل المثال؛ يمكن تحليل الوجه من خلال الخوارزميات المستخدمة في دراسة آلاف صور الوجوه، والتي يمكنها تقدير سن شخص ما من خلال الكاميرا الأمامية للهاتف أو الحاسب الآلي.

ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً في تحديد العمر من خلال صوت الشخص، كما يمكن استخدام رموز رقمية تقدّم كدليل على سن الشخص، وهي تُمنح من خلال متاجر معينة تتحقق من سن الشخص، ويتم استخدامها لاحقاً للدخول على مواقع إلكترونية معينة.

كذلك، يمكن للمنصات على شبكات الإنترنت الاستفادة من البيانات الوصفية التي ترتبط مع سلوك شخص ما عبر الإنترنت. إذ تشير الأرقام إلى أنَّه عند بلوغ الطفل سن 13 عاماً؛ تكون شركات الإعلان والتكنولوجيا قد جمعت نحو 72 مليون نقطة مرجعية من البيانات المتعلقة به، وفقاً لدراسة أجرتها شركة الخصوصية التكنولوجية "سوبر أوسم" (SuperAwesome) في عام 2017.

كذلك، توجد طرق أخرى أقل تعقيداً من الناحية التكنولوجية لفعل ذلك، ومن بينها فحص بطاقة الائتمان، أو التحقق من عمر الشخص من خلال مشغّل شبكة الهاتف المحمول.

سياسات متأخرة

وبالرغم من تقدم تكنولوجيا التعرف على السن؛ إلا أنَّ السياسات الموضوعة للحصول على هذه المعلومات، فشلت في مواكبة هذا التقدم. وتتمثل إحدى المخاطر الناجمة عن ذلك، في أن يمنح هذا التطور التكنولوجي الشركات أو حتى أي جهة ذات نوايا سيئة، وسيلة متقدمة لجمع بيانات عن وجوه آلاف الأشخاص، بمن فيهم الأطفال.

أما السياسات الأخرى المقترحة الأخرى؛ فمع أنَّها تحمل نوايا حسنة، لكنَّها ما زالت تفتقر إلى الإحكام اللازم، فقد وضعت هيئة تشرف على المعايير الدولية للشركات سياستين مقترحتين للتحقق من عمر الأفراد على شبكات الإنترنت. يحمل المقترحان عناوين ذات وقع تقني، وهما: (ISO-SC27 / WG5)، و(IEEE-P2089.1)، وتعمل الدول الأعضاء في الهيئة على مراجعة المقترحين، إذ يمكن اعتمادهما في غضون الـ12 إلى 18 شهراً المقبلة. لكن من غير الواضح بعد، ما إذا كانت ستعتبر هذه المعايير إلزامية، وهي نقطة ضعف مثيرة للقلق بالنسبة لأي قانون جديد يهدف إلى حماية الأطفال عبر الإنترنت.

في بريطانيا

المشرعة البريطانية بيبان كيدرون، دعمت سابقاً "قانون الأطفال" الذي أجبر العديد من شركات الإنترنت الكبيرة، بالإضافة إلى "فيسبوك" و"تيك توك" على تعديل خدماتهم بما فيه صالح الأطفال، وهي تطالب في الوقت الحالي بوضع معايير صارمة للتحقق من السن. وهي غير قلقة حول الطريقة التكنولوجية الأفضل للقيام بذلك تحديداً، وقالت في مقابلة: "عندما تضع المعيار لما يفترض بأمر ما أن يكون؛ فإنَّ الجميع يبتكرون وسائل لتلبية المعايير".

ومن المتوقَّع أن يُعرَض مقترح بريطاني جديد، يُعرف باسم "مشروع قانون الأمان على الإنترنت" على البرلمان خلال العام الحالي، لكن حتى الآن لا يتطلب هذا الإجراء من الشركات اتباع معايير معينة للتأكد من العمر.

أما في الولايات المتحدة؛ فقد اقترح اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي قانون سلامة الأطفال على الإنترنت. وقد صمم على غرار أحدث مشروع قانون في المملكة المتحدة. إلا أنَّ المقترح الأمريكي يفتقر إلى التفاصيل المتعلقة بكيفية تطبيق معايير التحقق من العمر، فهو لم يتطرق إلا لضرورة استكشاف الجهات التنظيمية الأمريكية لطرق تكون قابلة للتنفيذ تقنياً.

ألمانيا تتقدم

في حين تناقش الولايات المتحدة وبريطانيا معايير التحقق من العمر، ربما تكون ألمانيا أول من يفرضها على الإنترنت. إذ وافقت الحكومة الألمانية بالفعل على نحو 80 نهجاً مختلفاً للتحقق من السن عبر الإنترنت، وتعد الجهات التنظيمية في البلاد أكثر تقدماً من غيرها، بحسب جولي داوسون، رئيسة السياسات في شركة "يوتي" (Yoti)، وهي شركة متخصصة في التحقق من الأعمار، و مقرها لندن.

وكانت الجهات التنظيمية المتخصصة في حماية الطفل في ألمانيا قد هددت بحظر أحد أكبر المواقع الإباحية في العالم بسبب عدم كفاية شروط التحقق من السن لديه.

ومما لا شك فيه أنَّ المعايير لا تحقق الكثير دون فرض عقوبات، إذ إنَّها لا تعمل بشكل فعلي حتى تجعلها الحكومات مُلزمة من قبل الجهات التنظيمية. وحتى القوانين الواعدة التي تهدف إلى حماية الأطفال، ستكون بلا حول ولا قوة إذا لم تكن عملية التعرف على الأطفال موجودة بالفعل في المقام الأول.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة