شبح فقاعة المساكن الوهمي في 2008 يلاحقنا اليوم

أسعار المساكن الأمريكية ترتفع 18%  في نوفمبر 2021 - المصدر: بلومبرغ
أسعار المساكن الأمريكية ترتفع 18% في نوفمبر 2021 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

شهدت أسواق المساكن ارتفاعاً محموماً في الأسعار بما يزيد عن 18% خلال الفترة من نوفمبر 2020 إلى نوفمبر 2021. ويشكّل ذلك تسارعاً على مدار العامين الماضيين؛ حيث شهدا زيادات بـ 4% و8% لكل منهما. وهو أيضاً معدل أسرع مما شهدته الولايات المتحدة خلال طفرة المساكن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين التي سبقت مرحلة الركود الكبير.

هذه المقارنة تسبب قدراً من التوتر، والذي دفع مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، إلى التساؤل: "هل نخوض فقاعة مساكن أخرى؟" والإجابة بالإجماع، والتي يشاركها زاندي، هي: لا، أو على الأقل تتسم فقاعة اليوم بأنها مختلفة وأقل خطورة من الفقاعة السابقة. فقد أصبحت معايير الإقراض أكثر صرامة مما كانت عليه قبل 15 عاماً، على سبيل المثال، مما يعني أن عدداً أقل من مالكي المنازل سيتخلفون عن السداد في حال انخفضت الأسعار.

تفاؤل حذِر

على الرغم من ذلك، فقد أشارت شبكة "سي إن إن" إلى مبرر يدعو للتشاؤم وسط هذه المؤشرات المتفائلة. وكتب كريس إيزيدور من "سي إن إن بيزنس" مقالة في 27 أكتوبر 2021: "الخبر السار هو أن عدداً محدوداً من الاقتصاديين يعتقدون أن الارتفاع الحالي في أسعار المساكن هو فقاعة على وشك الانفجار، مما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد معها". أما الأخبار السيئة فهي أنه من الناحية العملية لم يكن أحد قلقاً بشأن فقاعة المساكن في عام 2007 أيضاً".

ولكن هناك مبرراً آخر يبعث على التفاؤل بشأن طفرة المساكن الحالية، وهو أنه ربما نكون قد أسأنا الظن حول هذه الأخيرة طوال الوقت.

لكن الاقتصاديين ديفيد بيكوورث وسكوت سومنر يريان بأن توقيت الكساد الأخير في سوق المساكن لا يتماشى مع الحكمة التقليدية التي مفادها أنه لعب دوراً جوهرياً في الركود الذي بدأ في ديسمبر 2007. وبلغ سوق المساكن ذروته في أوائل عام 2006، واستمر ما يقرب من عامين من التراجع قبل أن يتوقف الاقتصاد عن النمو حيث ظل معدل البطالة منخفضاً.

المساكن والإنفاق الاستهلاكي

أما كيفن إردمان، وهو مؤلف كتاب جديد عن المساكن بعنوان "البناء من الألف إلى الياء" وزميل "بيكوورث وسومنر" في مركز ميركاتوس التابع لجامعة جورج ميسون، فقد فنّد أخيراً الادعاء بأن الولايات المتحدة قامت ببناء العديد من المنازل في ذلك الوقت. ويشير إلى أن الإنفاق على المساكن لم ينمو بوتيرة أسرع من الإنفاق على السلع الاستهلاكية الأخرى خلال فترة الازدهار (أو العقود السابقة). ويرى أن الفكرة السائدة بأن زيادات الأسعار خلال الفترة بين عامي 2000-2007 كانت غير مستدامة، كما أنها لا تناسب تجربة الدول الأخرى. وشهدت المملكة المتحدة زيادة أكبر وتراجعاً أقل من حيث المدة والحِدّة، وانتعاشاً أقوى.

لا ينكر إردمان أن متوسط أسعار المساكن قد ارتفع كثيراً في بعض المناطق الحضرية خلال تلك الفترة. لكن هذه الارتفاعات جاءت نتيجة لمحدودية بناء المنازل. وارتفعت الأسعار بسرعة في فئتين من المدن، وهي: تلك التي تفرض قيوداً صارمة على العرض (بما في ذلك نيويورك وسان فرانسيسكو)، وتلك التي شهدت تدفق الوافدين الجدد من هذه الأماكن (مثل فينيكس وميامي).

يتمثل تفسير الركود الكبير من وجهة النظر النقدية في أن الاحتياطي الفيدرالي أخطأ منذ أواخر عام 2007 وما بعده بالفشل في تخفيف السياسة النقدية بدرجة كافية بعد الإشارات الأولية للضعف الاقتصادي، وإرسال رسائل متشددة إلى الأسواق مع تطور الأزمة، ثم فشل مرة أخرى في القيام بما كان سيفعله لإنعاش مستويات الإنفاق. وهذا ما تسبب في حدوث انخفاض معتدل في أسواق المساكن ليصبح هبوطاً، جنباً إلى جنب مع التسبب في أزمة مالية وزيادة في البطالة والتخلف عن السداد.

تشخيص خاطئ

إن ما يطرحه إردمان من إضافة للقصة هو أن التشخيص الخاطئ لسوق المساكن كان أحد أسباب أخطاء الاحتياطي الفيدرالي. قبل الأزمة، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، بن برنانكي، إن الاقتصاد بحاجة إلى "تباطؤ سوق المساكن" (وليس، على سبيل المثال، تخفيف القيود على البناء). وخلال السنوات الأولى من الانتعاش المحدود، رأى أن الركود في بناء المنازل جاء نتيجة للبناء الزائد في الماضي، وليس علامة على أن السياسة النقدية بحاجة إلى التغيير.

لم تكن هذه وجهة نظر خاصة بشأن سياسة برنانكي. فقد رأى منتقدو الاحتياطي الفيدرالي المتشددون بأن البنك كان يجب أن ينتهج سياسة أكثر تشدّداً لتخفيف وتيرة عمليات إنشاء المساكن إبان فترة الازدهار.

معرفة السبب وراء حدوث الكساد الكبير مسألة تنطوي على تعقيدات. وعلى الرغم من ذلك، فلا يزال هناك بعض الجدل الدائر حول أسباب هذا الكساد الذي شهده عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. وليس من الحكمة أن نخلص إلى نتيجة مفادها أن المضاربة في قطاع المساكن لم يكن لها أي دور على الإطلاق. لكن من الممكن أن يكون العرض غير الكافي، والذي لا يزال قائماً، يمثل مشكلة أكبر من الطلب المفرط.

الأسئلة الجديرة بالطرح لا تتعلق بما إذا كنا حالياً في خضم مرحلة فقاعة مساكن أخرى على الصعيد المحلي، ولكنها مرتبطة بما إذا كنا واجهنا هذه الفقاعة في الماضي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

فى هذا المقال