بات خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا "نورد ستريم 2" المثير للجدل شبه ميت على الأقل في الوقت الحالي، حيث جمّد المستشار الألماني أولاف شولتز إجراءات إجازة خط الربط الذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار أمريكي عبر سحب تقييم وزارة الاقتصاد له، الذي سبق أن قال إنه لا يهدد أمن الإمدادات. لا يُمكن للشركة التي تشغل خط الأنابيب الرابط بين روسيا وألمانيا، متجنباً أوكرانيا، الحصول على الشهادة اللازمة لبدء العمليات دون تقييم الوزارة.
لطالما حاججت ألمانيا بأن خط الأنابيب هو شأن تجاري، لكنها غيّرت مسارها بعدما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين اعترافه بجمهوريتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا. كما وقّع على أمر بإرسال ما أسماه "قوات حفظ السلام" إلى المنطقتين الانفصاليتين في تصعيد جهوري للمواجهة الروسية-الغربية حول أوكرانيا.
"نورد ستريم 2" كبش فداء لاعتراف بوتين بالانفصاليين
قال شولتز للصحفيين في برلين الثلاثاء: "الوضع مختلف تماماً اليوم، لذلك يتعين علينا إعادة تقييم الموقف في ضوء التطورات الأخيرة وكذلك بخصوص (نورد ستريم 2)".
قسم "نورد ستريم 2" الدول الأوروبية، حيث أعربت الدول الشرقية منها عن مخاوفها من أنه سيمنح روسيا مزيداً من النفوذ السياسي في المنطقة ويحرم أوكرانيا من عائدات نقل الغاز. تعدّ روسيا أكبر مورد للغاز في أوروبا، ويمر حوالي ثلث التدفقات عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية.
ينتظر في قاع البحر
يقبع خط الأنابيب، الذي استغرق بناؤه عقداً وواجه عدة تأخيرات بسبب العقوبات الأمريكية، وقد اكتمل بناؤه وهو ممتلئ بالغاز بانتظار المصادقة على تشغيله. أُوقفت إجراءات إجازته لأول مرة في نهاية العام الماضي حين طلبت هيئة تنظيم الطاقة الألمانية من مُشغّلة خط الأنابيب السويسرية إنشاء كيان في البلاد التزاماً بقواعد الاتحاد الأوروبي.
أنشأت المُشغّلة حالياً شركة "غاز فور يوروب" (Gas for Europe) لكنها ما تزال بحاجة لنقل الأصول الرئيسية والموارد البشرية للوحدة الواقعة في شفيرين. لكنها لن تحصل على الموافقة حين اكتمال ذلك.
الطاقة ستختبر وحدة أوروبا بشأن أوكرانيا.. وبوتين يعلم ذلك
قالت هيئة تنظيم الطاقة الألمانية "بوندس نيتزاغينتور" في بيان لبلومبرغ: "تتطلب شهادة مُشغّلة (نورد ستريم 2) تقييماً إيجابياً من الوزارة الفيدرالية للاقتصاد بأن أمن الإمداد لا يتعرّض للخطر. لم يعد الحال كذلك... وكالة الشبكة الفيدرالية لا يمكنها التصديق حالياً على الشركة. سيكون تشغيل خط الأنابيب بدون الشهادة غير قانوني".
تعاني أوروبا من أزمة في الطاقة بعدما حدّت روسيا من تدفقاتها منذ الصيف وكبحت المبيعات في السوق الفورية. فشلت شركة "غازبروم" أيضاً بتغذية مواقع التخزين في الاتحاد الأوروبي قبل الشتاء، وقد تعاني الكتلة لبناء المخزونات مرة أخرى بغياب "نورد ستريم 2".
تفاعل السوق
يسعر السوق كل ذلك فعلياً مع اختفاء فجوة الأسعار بين غاز تسليم الصيف وإمدادات فصل الشتاء المقبل. ومع غياب ذلك لن تجد شركات الطاقة ما يدفعها إلى تخزين الغاز في الصيف لأنه ليس متوقعاً أن تتمكّن من بيعه بأسعار أعلى لاحقاً.
قال سكوت شيلتون، محلل الطاقة لدى "أي سي إيه بي" (ICAP)، ومقرها دورهام بولاية نورث كارولينا: "بغياب (نورد ستريم 2)، سيكون هناك خطر يتعلق بعدم تمكِّن أوروبا من ملء مواقع التخزين لديها مرة أخرى. هناك مخاطر عامة كذلك على الإمدادات الروسية، فالولايات المتحدة تتطلع لشحن الغاز بأقصى طاقتها، في حين أن قطر وليبيا لا تستطيعان تقديم كثير من العون".
قطر لن تستطيع نجدة أوروبا إن تعطل تدفق الغاز الروسي
لكن سيمون تاغليابيترا، الباحث لدى مركز "بروغيل" (Bruegel) للأبحاث في بروكسل، قال إن ألمانيا لم تصادق على المشروع ويمكنها أن تعود فتوافق، مشيراً إلى أنها "تكسب بعض الوقت في هذا، وتحصل على ورقة مساومة مهمة للمفاوضات النهائية".
يتعين على وزارة الاقتصاد حالياً إعادة تقييم أمن إمدادات خط الأنابيب بقيادة روبرت هابيك. سيأتي التقييم في ضوء التطورات السياسية الأخيرة وقد يستغرق وقتاً طويلاً.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "يجب تقييم (نورد ستريم 2) في ضوء أمن إمدادات الطاقة لأوروبا بأكملها. هذه الأزمة تُظهر أن أوروبا ما تزال تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي".