هل يستطيع الناتو وأوروبا التعويل على ألمانيا بمواجهة روسيا؟

الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا تثير مخاوف كبيرة وسط تهديدات أمريكية وأوربية بعقوبات ضد موسكو  - المصدر: بلومبرغ
الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا تثير مخاوف كبيرة وسط تهديدات أمريكية وأوربية بعقوبات ضد موسكو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

استصعب جوفينال ألا يكتب هجاءً ساخراً، وهو أحد أساطين هذا الفن. لو كان حياً اليوم لتناول سياسة ألمانيا الخارجية بتهكّمه بدلاً من تقريع الإمبراطورية الرومانية، ولربما أتى نقده مماثلاً لما كتب مارسيل ديرسوس، الباحث بجامعة كيل.

زارت وزيرة خارجية ألمانيا الجديدة أنالينا بيربوك كييف وموسكو هذا الأسبوع لتحاول ثني روسيا عن الهجوم على أوكرانيا. تشاورت حكومتها بالطبع مع حلفاء ألمانيا في الناتو والاتحاد الأوروبي. كتب ديرسوس قبل مغادرتها تصوره عن ذاك الحوار كما يلي:

ألمانيا: "نحن بحاجة للدفاع عن النظام الدولي الليبرالي وحقوق الإنسان!

الحلفاء: "نوافقك الرأي! روسيا تعيد رسم الحدود في أوروبا بالقوة. هل يمكنك تسليم أسلحة إلى أوكرانيا أو ربما تدريب جيشهم إن استمرت روسيا في تهديدهم؟"

ألمانيا: "أنتم تعلمون أنني كنت أحب فعل هذا، ولكن لأسباب تاريخية لدينا علاقة معقدة مع القوات المسلحة لذا لا يمكننا ذلك. أنتم تتفهموني، أليس كذلك؟ لكن يسعدني أن أساعد بأي طريقة أخرى".

الحلفاء: "نعم، نتفهم ذلك. حسناً، هل سترغبين مثلاً بعدم بناء خط الأنابيب هذا مع روسيا بينما يوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسدساً لرأس كييف؟ "

ألمانيا: "هذا بالتأكيد لن يكون مناسباً لي لأسباب كالحوار وأمور أخرى".

الحلفاء: "حسناً، هل يمكنك على الأقل إخبار بوتين أنك ستلغين (نورد ستريم 2) إن هاجم؟ قد يحدث هذا فرقاً".

ألمانيا: "بوسعي فعل ذلك لكنني لا أريده، لذا لن أفعله. إن فكرت في الأمر بحق ستجد أن خط الأنابيب الذي يساعد بوتين بينما هو يلحق الضرر بأوكرانيا لا يرتبط حقاً ببوتين أو بأوكرانيا. أفضل ما يمكنني تقديمه هو الخطب الغامضة التي تدعو كلا الجانبين للتهدئة. فكما تعلمون أهم شيء بالنسبة لنا هو حقوق الإنسان والنظام العالمي الليبرالي، نحن نحب الحوار، الحوار هو الأفضل!"

قريب للحقيقة

كما هو حال المؤلفات الجيدة، فهذا الحوار هو أقرب ما يمكنك بلوغه للحقيقة. كان الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة محبطين لعقود بسبب تملص ألمانيا المعتاد من مسؤولياتها. حتى أن البعض يتساءل عمّا إذا كانت ألمانيا ستكون شريكاً موثوقاً به حين تأتي ساعة اتخاذ القرارات الصعبة، إن مزقت روسيا أو الصين، على سبيل المثال، ما تبقى من هذا النظام الدولي الليبرالي المنمق وأعلنت دولة منهما الحرب.

أحد التعبيرات عن ازدواجية ألمانيا طويلة الأمد هو رفضها سيئ السمعة للاعتراف بأن القوة الصارمة أداة شرعية وضرورية من أدوات الدبلوماسية. نشأت هذه العقلية كتكفير عن الماضي النازي، لكنها أصبحت منذ فترة طويلة ذريعة مناسبة للتقتير في الإنفاق العسكري والتراجع حين يحتاج الحلف لإرسال قوات إلى أماكن الخطر.

إن مزيج هذه النزعة السلمية الزائفة هو سلالة غريبة من الروسوفيليا، أو حب روسيا، يصاحبها عادة عداء مقنّع لأمريكا. تتجلى هذه الظاهرة بقوة في التطرف السياسي، في أقصى اليمين داخل حزب "البديل لأجل ألمانيا" الشعبوي، و"حزب اليسار" في حقبة ما بعد الشيوعية. يتمتع كلاهما بشعبية في ألمانيا الشرقية السابقة بشكل غير متكافئ مع باقي البلاد.

لكن الروسوفيليا منتشرة على نطاق واسع بين الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط، الذين يديرون الحكومة الآن تحت قيادة المستشار أولاف شولتس. أتى الفوز بالحرب الباردة وفق أساطيرهم ليس لأن الغرب واجه "إمبراطورية شريرة"، ولكن لأن الديمقراطيين الاشتراكيين الألمان بدأوا التقارب مع الكتلة الشيوعية، أي موسكو. شعارهم: تحدث إلى الروس لفترة كافية، وسيكون كل شيء على ما يرام.

تلبية روسيا

حدث شيء مثير للفضول لما يسمى بالسياسة تجاه الشرق، حيث بات الألمان الذين يستخدمون هذا المصطلح اليوم يقصدون به تلبية روسيا فحسب. فيما لا يعيرون بالاً لمخاوف جميع شركائهم الآخرين في أوروبا الشرقية، الذين يعانون من صدمات تاريخية حول كل من الألمان والروس، ومن بينهم الأوكرانيين وأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا ودول البلطيق.

وافقت ألمانيا الصماء حيال مخاوفهم بضغط من الديمقراطيين الاشتراكيين على إقامة خط أنابيب للغاز تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا. أشار الحلفاء شبه متحدين إلى أن هذا الخط "نورد ستريم 2" هو مشروع جيوسياسي لبوتين يسمح له بقطع تدفق الغاز إلى أوروبا الغربية عبر أوكرانيا وبولندا ودول أخرى.

رداً على ذلك، تواصل حكومات ألمانيا المتعاقبة بما فيها حكومة شولتس، التنويه بأن خط الأنابيب، الذي ما يزال بانتظار الموافقة التنظيمية، هو صفقة تجارية خاصة لا علاقة لها بمخططات بوتين الأخرى. هذا هو السبب في أن هجاء ديرسوس أعلاه لاذع للغاية.

أنابيب الغاز

لا تتحمل وزيرة الخارجية بيربوك أي مسؤولية عن أي من هذا، إذ أنها الرئيسة بالشراكة لـ"حزب الخضر"، أحد الشركاء الصغار في حكومة شولتس. ابتعد حزبها في السنوات الأخيرة عن المعاداة التقليدية لأمريكا وأصبح أطلسياً أكثر. انتقدت بيربوك عدوانية كل من روسيا والصين خلال الحملة الانتخابية العام الماضي، وطالبت بأن تنحاز ألمانيا بحزم إلى جانب الغرب. كما أنها تريد إيقاف "نورد ستريم 2".

لكن أصبح حزبها الآن عضواً في حكومة شولتس ويجب أن يحافظ على السلام. لا يتضح بالتالي كيف سترد ألمانيا على الغزو الروسي المتجدد لأوكرانيا. وعد الغرب بالرد بفرض عقوبات أحد أشدها إلغاء "نورد ستريم 2". لكن سيتعين على "حزب الخضر" وشريك التحالف الثالث، الديمقراطيين الأحرار، أن يتغلبوا على الديمقراطيين الاشتراكيين لاتخاذ هذه الخطوة.

قد تحدد كيفية اجتياز الائتلاف الحاكم في ألمانيا هذا الانقسام ما إذا كان الغرب سيتحدث متحداً بالفعل في وجه استفزازات أو هجمات بوتين المقبلة. على الحلفاء الانتباه لذلك بشدة. لا يقترح أحد في أي مكان قطع الحوار، لكن يجب على الألمان أن يقبلوا أن هناك أوقاتاً في التاريخ لا يستطيع فيها الحوار وحده إتمام المهمة لأن المطلوب هو الفعل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك