يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة للاستفادة من أزمة الغاز في أوروبا، بعد أن جعلها مادة لتباهيه أخيراً.
يريد بوتين أن يضغط على الاتحاد الأوروبي ليعيد صياغة بعض قواعد سوق الغاز بعد سنوات من تجاهله مخاوف موسكو، ويسعى لنقله من العقود الفورية إلى العقود طويلة الأجل التي تفضلها شركة "غازبروم" الروسية التي تديرها الدولة، بيّن ذلك شخصان مطلعان على الأمر، قالا إن روسيا تريد أيضاً ترخيصاً سريعاً لخط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل الممتد إلى ألمانيا لتعزيز إمدادات الغاز.
لا تتوهم روسيا رغم ذلك بأنها ستحقق تنازلات سياسية من الاتحاد الأوروبي أو تقلل من حدة توتر العلاقات عبر هذه الأزمة حتى مع وصف الكرملين لبوتين بأنه منقذ الطاقة في أوروبا، حسب قول مسؤول حكومي ومستشار سياسي مقرب من الرئاسة.
قال رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي الذي أسسه الكرملين أندريه كورتونوف: "يستشعر بوتين وجود فرصة في هذه الأزمة... ترغب روسيا بتفادي تباطؤ الاتحاد الأوروبي بالتصديق على اتفاق خط أنابيب نورد ستريم 2 والشروع بالمحادثات المتعلقة بتحديد أسعار ثابتة طويلة الأجل لإمدادات الغاز".
مسؤولون متعالون
اعتبر بوتين أن جريرة أزمة الطاقة تقع جزئياً على مسؤولين ومستشارين "متعالين" لدى الاتحاد الأوروبي دفعوا باتجاه التحول نحو أسعار العقود الفورية "وليس لديهم رغبة في سماع أي شيء آخر".
يزمع قادة الاتحاد الأوروبي بحث مسألة صعود أسعار الغاز والإجراءات اللازمة للحد من تأثيرها خلال قمة تعقد في بروكسل الأسبوع المقبل.
تعول أوروبا على "غازبروم" للحصول على نحو ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي. فيما ترفع القارة مخزون الغاز من مستوياته المنخفضة القياسية لهذا الوقت من العام، ليس أمامها سوى عدد محدود من الخيارات للحصول على واردات من مصادر طاقة أخرى مثل الغاز الطبيعي المسال. قد يزيد اقتراب حلول الشتاء اعتماد المنطقة على روسيا للوصول إلى إمدادات إضافية وتجنب العجز عند بدء موسم الطقس البارد.
أزمة التحول
أوضح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك المشرف على سياسة الطاقة في روسيا الثلاثاء أن التحول سريعا من مصادر الطاقة التقليدية إلى مصادر الطاقة المتجددة ساعد على خلق أزمة إمدادات في أوروبا. قال بوتين الأسبوع الماضي إن صدور موافقة أوروبية سريعة على اتفاق خط أنابيب نورد ستريم 2 لتوريد الغاز سيعطي "مؤشرا إيجابيا" للأسواق.
أعلنت نائبة الرئيس التنفيذي لشركة "غازبروم" إيلينا بورميستروفا أمام "منتدى سانت بطرسبرغ الدولي للغاز" في 7 أكتوبر أن سوق العقود الفورية في أوروبا "لا تعتبر أداة تسعير ستساعد على توفير التوازن طويل الأمد الذي يخدم مصالح المشترين والبائعين... شراء الغاز بسعر منطقي أمر جيد بالطبع، لكن الأفضل هو أن تكون على علم مسبق بالتكلفة على وجه التحديد خلال شهر أو فصل أو سنة".
المشتريات المشتركة
يأمل الاتحاد الأوروبي أن تكون أزمة الغاز ظاهرة قصيرة الأمد ويركز على مساعدة الدول الأعضاء لتجاوز فصل الشتاء القارس، فيما يُتوقع أن تبقى الأسعار عالية في ظل خطر عدم تشغيل أنابيب "نورد ستريم 2" قبل عدة شهور. أعربت المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة كادري سيمسون الثلاثاء عن اعتقادها بأن تخزين الغاز تحت الأرض في المنطقة بلغت نحو 75% من طاقتها الاستيعابية، وهو معدل أقل من معدلات العقد الماضي بكثير، بيد أنه سيكون كافيا للإيفاء بالطلب.
توترات مستمرة
يزمع الاتحاد الأوروبي بحث إمكان عقد صفقات شراء غاز مشتركة للدول الأعضاء لتعزيز رافعة الشراء مع وجود أطراف ثالثة عبر أداة ستوضح تفاصلها الأربعاء. يعني ذلك ابتعاد تحرك الكتلة الأوروبية قريباً للاستجابة لأي مقترحات من بوتين، لا سيما وسط استمرار التوتر فيما يتعلق بقضايا مثل بيلاروسيا وأوكرانيا.
يعتمد تسعير نحو 20% من صادرات "غازبروم" الأوربية من الغاز حاليا على أسعار النفط الخام، بينما يستند تسعير ما يفوق 50% بقليل إلى سعر اليوم أو سعر الشهر التالي، حسب ما كتب رون سميث، كبير محللي قطاع النفط والغاز بشركة "بي سي أس غلوبال ماركتس"، في مذكرة الجمعة، بعد ندوة افتراضية حضرها مدراء من "غازبروم".
قال شخصان مطّلعان على الأمر إن روسيا حريصة على استعادة الربط مع أسعار النفط عند إبرام عقود الغاز والتخلي عن نظام عقود التسعير الفوري الذي يصر الاتحاد الأوروبي عليه بطريقة متنامية على مدى السنوات الأخيرة. كما قالا إن "غازبروم" شرعت فعلياً بملء أنابيب خط "نورد ستريم 2" بالغاز وترغب بأن تسمح الجهات التنظيمية الأوروبية بتشغيله في أسرع وقت ممكن.
حجب الإمداد
اقتربت صادرات "غازبروم" إلى أوروبا من بلوغ مستوى قياسي خلال النصف الأول من العام، بيد أنه حدث هبوط في سبتمبر حين كان الاتحاد الأوروبي يتخبط سعياً لإعادة ملء مخزوناته. تعمل روسيا على إعادة ملء مخزوناتها الخاصة فتسبب هذا بمزاعم أنها تحجب الإمدادات.
نفى الكرملين صحة هذه الادعاءات، مؤكداً أن روسيا تعمل على الإيفاء بكافة التزامات تعاقداتها كشريك ذو صدقية. أظهرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دعمها لموسكو الأسبوع الماضي حين قالت إن روسيا "تستطيع توريد الغاز فقط على أساس التزاماتها التعاقدية".
صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية الثلاثاء بأن "غازبروم" شرعت بضخ الغاز من خلال احتياطياتها للحد من الأسعار العالية وترغب بالتعاون مع دول أوروبا لتهدئة السوق.
قال ستانيسلاف تسيغانكوف، وهو رئيس سابق لوحدة الأعمال الدولية بالشركة: "تحتفل (غازبروم) بفوز كبير... يعد ذلك وقتاً مثالياً لاستثمار الوضع الراهن".