تدخل اليابان مرحلة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التي جرت في 27 أكتوبر، حيث فقد الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم وشريكه الأصغر أغلبيتهما في البرلمان لأول مرة منذ انتخابات 2009. وقد شهدت الأسواق المالية انعكاساً فورياً، حيث انخفض سعر صرف الين إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أشهر، وذلك مع توقعات المستثمرين بضعف الإدارة المقبلة. وبحسب الدستور الياباني، بدأ العد التنازلي لمدة 30 يوماً أمام تشكيل حكومة جديدة، ما يضع الحزب الليبرالي الديمقراطي في مواجهة مع الحزب الدستوري الديمقراطي المعارض الرئيسي إما لبناء أغلبية، أو العثور على طريق لتشكيل حكومة أقلية.
ما الأرقام الرئيسية؟
لتشكيل حكومة في مجلس النواب القوي، يحتاج الأمر إلى 233 صوتاً. حالياً، يمتلك الحزب الليبرالي الديمقراطي وحليفه كوميتو 215 مقعداً. في المقابل، تمتلك كتلة المعارضة وجميع النواب المستقلين 250 مقعداً، ويتصدرهم الحزب الدستوري الديمقراطي بعدد 148 مقعداً. هذا الحزب، الذي يصف نفسه بالوسطي، أعرب عن رغبته في محاولة تشكيل ائتلاف غير متوقع بين جماعات المعارضة التي تتضمن الحزب الشيوعي ذو التوجه اليساري، وحزب الابتكار الياباني (إيشين) وهو حزب يميني ذو جذور سياسية في أوساكا يدعم سياسات تقليص دور الحكومة. من ناحية أخرى، يمكن للحزب الليبرالي الديمقراطي تحقيق الأغلبية عبر ضم أحد الأحزاب المعارضة متوسطة الحجم.
من يمتلك القدرة على حسم القرار؟
اللاعبون الأساسيون في هذه المعادلة هم حزب "الابتكار الياباني" بـ38 مقعداً، وحزب "الديمقراطيون من أجل الشعب" بـ28 مقعداً. رغم أن قادة الحزبين استبعدوا فكرة الانضمام إلى ائتلاف الحزب الليبرالي الديمقراطي وكوميتو، فإن زعيم حزب الديمقراطيين من أجل الشعب، يويتشيرو تاماكي، أبدى استعداده للعمل مع الحزب الليبرالي الديمقراطي في بعض القضايا المحددة.
الحزبان الديمقراطي الدستوري والديمقراطي من أجل الشعب انبثقا عن الحزب الديمقراطي الياباني، وهو الحزب الوحيد الذي نجح في هزيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي خلال الانتخابات. ومع ذلك، هناك اختلافات بين الحزبين، فعلى سبيل المثال، يسعى الحزب الدستوري إلى تحقيق الحياد الكربوني في اليابان بحلول عام 2050 دون الاعتماد على الطاقة النووية، بينما يرى حزب الديمقراطيين من أجل الشعب أن الطاقة النووية يجب أن تكون جزءاً من مزيج الطاقة في البلاد.
يواجه رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا أيضاً معضلة حول إعادة ثلاثة من النواب السابقين الذين فقدوا دعم الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد تورطهم في فضيحة مالية لكنهم فازوا بمقاعدهم بشكل مستقل. اتخاذ هذا القرار لن يضمن له الحصول على الأغلبية البرلمانية، وقد يؤدي إلى تراجع شعبية الحزب مع اقتراب الانتخابات العام المقبل.
ما الخيارات المطروحة؟
أكد زعيم الحزب الدستوري الديمقراطي، يوشيهيكو نودا، والذي شغل سابقاً منصب رئيس الوزراء، أنه لا يرغب في تشكيل ائتلاف موسع، بل يسعى لتشكيل حكومة قوية بما يكفي لإزاحة الحزب الليبرالي الديمقراطي عن السلطة.
لكن بالنظر إلى معركة الأرقام، قد يتمكن إيشيبا وحزبه من تشكيل ائتلاف بتنازلات أقل من تلك التي قد يضطر نودا لتقديمها. يمكن أن تكون سياسة تاماكي بشأن توسيع نطاق الدخل المعفى من الضرائب مسألة قابلة للتنفيذ بالنسبة لإيشيبا إذا كان ذلك سيعني البقاء في السلطة. ومن جانب آخر، يسعى حزب الابتكار الياباني إلى إجراء تغيير محدد، يتمثل في تحويل أوساكا إلى كيان حضري موّحد (مدينة رئيسية) دون هيكل حكومي مزدوج بين المحافظة والبلدية.
أظهر الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي حكم اليابان باستمرار منذ تأسيسه عام 1955 باستثناء أربع سنوات، استعداداً سابقاً لتقديم منصب رئيس الوزراء لزعيم حزب صغير، إذا كان ذلك سيمكنه من البقاء في السلطة. قبل نحو ثلاثين عاماً، تولى توميئيتشي موراياما، زعيم الحزب الاشتراكي، رئاسة الوزراء ضمن ائتلاف بقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي.
هناك احتمال آخر هو أن يقود الحزب الليبرالي الديمقراطي أو الحزب الدستوري الديمقراطي تحالف أقلية، مع الاعتماد على دعم أحزاب أخرى في بعض السياسات الفردية، رغم أن هذا الخيار قد يكون على الأرجح أقل أشكال الحكومة استقراراً.
كيف تسير العملية؟
وفقاً للدستور الياباني، يتعين على مجلسي البرلمان الانعقاد خلال 30 يوماً من إجراء الانتخابات العامة لاختيار رئيس الوزراء. إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، تُجرى جولة إعادة بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويفوز بالمنصب من يحصل على الأغلبية في هذه الجولة. يجتمع مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه تحالف الحزب الليبرالي الديمقراطي، لاختيار رئيس الوزراء أيضاً، لكن قرار مجلس النواب له الأولوية إذا اختار المجلسان شخصين مختلفين.
ما الذي قد يحدث لإيشيبا؟
تولى إيشيبا منصبه في الأول من أكتوبر، وقد لا يرغب الحزب الليبرالي الديمقراطي في إجراء انتخابات قيادية جديدة قريباً، لكن أيامه في المنصب قد تكون معدودة. حتى لو تمكن من التوصل إلى اتفاق للبقاء، فإن الخسارة الكبيرة في الانتخابات ستجعل من الصعب عليه تنفيذ سياساته، بما في ذلك زيادة تمويل للنمو الإقليمي ورفع الضرائب لتمويل الإنفاق الدفاعي المتزايد.
ما الذي أدى إلى تراجع الحزب الليبرالي الديمقراطي؟
تراجع التأييد للحزب الليبرالي الديمقراطي منذ الكشف في العام الماضي عن تورط بعض أعضائه في تحقيق مكاسب شخصية من خلال إخفاء دخلهم من فعاليات لجمع التبرعات. وفي حين أصدر الحزب عقوبات على العشرات من ساسته وتم حل الكثير من الفصائل القوية داخله، أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين اعتبروا رد الفعل غير كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، أدى أقوى معدلات التضخم خلال عقود إلى الضغط على الإنفاق الأسري، حيث أظهرت الاستطلاعات أن الناخبين لم يروا الحزب يبذل جهوداً كافية لحل هذه المشكلة. كما تأثرت صورة الحزب بسبب ارتباطه بجماعة دينية هامشية تعرف سابقاً باسم "كنيسة التوحيد".
