قد يُعزي الأفارقة أنفسهم بأن الترحيب برئيس أميركي يقضي الفترة الأخيرة من ولايته أفضل من عدم استضافة أي رئيس على الإطلاق. فبعد تأجيل رحلته الأولى والوحيدة إلى أفريقيا كرئيس، لدى جو بايدن الآن خطط جديدة لزيارة أنغولا في ديسمبر المقبل، قبل شهر من مغادرته البيت الأبيض.
يلخص هذا تقريباً مدى حماس أميركا للتودد إلى القارة ذات النمو السكاني الأسرع عالمياً، وهي المنطقة التي، وللمفاجأة، تدير ظهرها بشكل متزايد لواشنطن وتخضع لأسياد إمبرياليين جدد في موسكو وبكين. إذا استمرت الولايات المتحدة في وضع أفريقيا في المرتبة الأخيرة، والمرجح أن تفعل ذلك، سواء كان الرئيس القادم دونالد ترمب أو كامالا هاريس، فلا يجب أن يُفاجأ أحد إذا اصطفت القارة، إن لم يكن الجنوب العالمي بأكمله، في النهاية مع أعداء أميركا.
أولى بايدن قدراً ضئيلاً من الاهتمام لأفريقيا. وفي أنغولا، سيتحدث عن مشروع سكة حديد كبير تساعد الولايات المتحدة في تمويله، المعروف باسم "ممر لوبيتو" (Lobito Corridor) الذي سيربط في نهاية المطاف المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي. وفي الأمم المتحدة، أيد بايدن منح أفريقيا مقعدين دائمين في مجلس الأمن (بالإضافة إلى المقاعد الثلاثة الدورية التي تتقاسمها دول القارة بالفعل). لكن لم يتحقق الكثير من تلك الجهود. ومع ذلك، ما زالت رئاسة بايدن تُعتبر بمثابة فترة تودد لأفريقيا، بعد أن نبذ ترمب خلال ولايته الأولى الدول الأفريقية، من بين بلدان أخرى، واصفاً إياها "بالأوكار القذرة". ولم يزرها أبداً.
الأفارقة يتوقعون تجاهلا من ترمب وهاريس
بشكل عام، كانت سياسة الإهمال التي تتخللها مؤتمرات صحفية عابرة بمثابة مشهد ثابت، في ظل اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول السياسة الخارجية الأميركية. ويقول كاميرون هدسون، الذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "إن المبالغة في الوعد وعدم الوفاء به" أقنع الأفارقة بأن الولايات المتحدة "شريك لا يعول عليه بطبيعته، بل ومنافق". والنتيجة هي أن الأفارقة -على عكس الأوروبيين، على سبيل المثال- لا يرون اختلافات كبيرة بين ترامب وهاريس؛ فهم يتوقعون تجاهلهم في كلتا الحالتين.
هذا الاستياء أحد أسباب انفتاحهم على مبادرات موسكو وبكين. فأينما انسحب الفرنسيون (المكروهون عادة لأنهم المستعمرون السابقون) والأميركيون، كما هو الحال في بوركينا فاسو، ومالي، وتشاد، والنيجر، على سبيل المثال، يتقدم المرتزقة والمجموعات شبه العسكرية الروسية، ويبيعون خدماتهم القتالية إلى الأنظمة العسكرية مقابل الألماس، والذهب، والليثيوم أو ثروات أخرى. أما "الاستعمار" الصيني فيتسم بنزعة تجارية أكثر، حيث يركز على مشاريع البنية التحتية التي غالباً ما تقود إلى عبودية ديون. لكنه ناجح. فمنذ 2009، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا؛ وهي أيضاً أكبر مستثمر.
يُذكرنا هذا بالتنافس الجيوسياسي والصراع بين النفوذ الأميركي والسوفيتي في أفريقيا خلال الحرب الباردة. وعلى غرار الكرملين آنذاك، تستخدم موسكو وبكين بلا وازع أخلاقي كل أداة تحت تصرفهما، بما في ذلك التضليل.
ففي العامين الفائتين فقط، رعت روسيا ما لا يقل عن 80 حملة تضليل في 22 دولة أفريقية. في بوركينا فاسو، على سبيل المثال، يحاول علماء بتمويل من مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" الأميركية وقف الملاريا عن طريق تعديل البعوض وراثياً. وبدلاً من ذلك، ينشر متصيدون محليون وحسابات آلية وأشخاص سذج يعملون لحساب روسيا رواية مفادها أن الأميركيين والمختبر يريدون إصابة الأفارقة بالعدوى.
شكوك حول دور أميركا في أفريقيا
تلحق الولايات المتحدة أيضاً الضرر بنفسها كثيراً. فلدى روسيا والصين هدف واضح في أفريقيا، وهو: استعراض قوتهما بأسلوب الواقعية السياسية غير الأخلاقية. على النقيض من ذلك، فإن أميركا ليست متأكدة مما إذا كانت تريد أن تكون مثالية أم واقعية: فهل ستروج الديمقراطية والازدهار، وتحارب الإرهاب والتطرف، أم ستنافس روسيا والصين وجهاً لوجه. وفي محاولة للقيام بكل هذا معاً، تقوم واشنطن بدلاً من ذلك بكل شيء على نحو سيئ.
لا شك في أن الانزلاق من الديمقراطية إلى الاستبداد أو الفوضى كان حاداً، حيث يعيش حوالي نصف الأفارقة الآن تحت حكم استبدادي، ويعيش 7% فقط منهم في حرية نسبية. وتعتبر الانقلابات العسكرية آفة منتشرة في القارة بشكل خاص، حيث وقعت تسعة انقلابات منذ 2020، معظمها في منطقة الساحل، وجرت خمس محاولات أخرى.
لا تشكل مثل هذه الانقلابات أي مشاكل للروس أو الصينيين، الذين لا يهتمون بالنظام الذي يتعاملون معه. لكن الولايات المتحدة لديها قوانين وسياسات تحظر الشراكة مع الأنظمة الانقلابية. وهذا يؤدي إلى كل أنواع الالتفاف. عندما أطاح جنرال بالزعيم الشرعي للنيجر في يوليو 2023، امتنعت إدارة بايدن لمدة أربعة أشهر عن وصف الاستيلاء على الحكم بأنه "انقلاب"، على أمل التوصل إلى ترتيب ما لإبقاء قواتها هناك (التي خرجت الآن). واستخدمت الولايات المتحدة حيلة التصنيف مع حوالي نصف الانقلابات منذ عام 2009.و يبدو ذلك نفاقاً بالنسبة لي.
علاوة على ذلك، كلما طُردت الولايات المتحدة من بلد ما، فإنها لا تترك المجال مفتوحاً أمام روسيا فحسب، بل تصبح أيضاً أقل فعالية في محاربة الإرهابيين في المنطقة. وهناك الكثير منهم، حيث حلت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة منطقة الساحل، محل الشرق الأوسط كأكبر وأخطر مرتع للإرهاب في العالم. وشكلت المنطقة ما يقرب من نصف وفيات العالم بسبب الإرهاب العام الماضي. وكلما تضاءل قتال الولايات المتحدة للإرهابيين هناك، كلما تعين عليها أن تخشاهم أكثر هنا.
علاقات أعمق مع أفريقيا
تعتبر الموارد الدبلوماسية والعسكرية والمالية محدودة بالطبع، والولايات المتحدة منشغلة بالفعل بالصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، يمكن للإدارة المقبلة أن تفعل ما هو أفضل.
يعني هذا عدم الاكتفاء بطلب الخدمات فقط، ولكن بناء علاقات أعمق مع مزيد من البلدان. يجب على الولايات المتحدة أن تشغل الوظائف الشاغرة في سفاراتها الأفريقية. كما يجب عليها تجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا، وهو اتفاق تجاري ينتهي أجله العام المقبل، والسماح للمزيد من الدول الأفريقية بالوصول المعفى من الجمارك إلى السوق الأميركية (حالياً، تتمتع 32 دولة فقط من أصل 54 بهذا الامتياز).
ربما تحجم الولايات المتحدة أيضاً عن الإفراط في الوعظ. فعندما أقرت أوغندا قانوناً صارماً لمكافحة المثلية الجنسية العام الماضي، كانت إدارة بايدن محقة في الاحتجاج. ولكن هل كان عليها أيضاً إبطال أهلية أوغندا لقانون النمو والفرص في أفريقيا؟ إن الإفراط في التوجيه الأخلاقي يدفع المزيد من الأفارقة إلى التقارب مع روسيا والصين.
المعضلة الأكبر هي الافتقار إلى الاهتمام في واشنطن. وهذا أمر يصعب على العارفين ببواطن الأمور تقبله. على سبيل المثال، تقول ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن "أسوأ وضع شهدناه في العالم"، فيما يتعلق بالقتل والاغتصاب والمجاعة، ليس أوكرانيا أو غزة أو بلاد الشام، لكن السودان. ومع ذلك، كلما أثيرت المسألة، واجهها صمت مطبق. وعلى نحو ما، يمكنها قول الشيء ذاته عن القارة بأكملها.