أعمال عنف تجاه انفصالي من السيخ وراء التوتر.. ومخاوف من تبادل الإجراءات الانتقامية بين البلدين

ماذا وراء انهيار العلاقات بين كندا والهند؟

علم الهند فوق 'كونوت بليس' في العاصمة نيودلهي - المصدر: بلومبرغ
علم الهند فوق 'كونوت بليس' في العاصمة نيودلهي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

شهد التوتر بين كندا والهند تصعيداً حاداً، إذ اتهمت أوتاوا دبلوماسيين هنوداً بدعم أعمال عنف ومضايقة انفصالي سيخي يقيم في البلد الواقع في أميركا الشمالية. 

أدى النزاع إلى طرد متبادل لمسؤولين دبلوماسيين وأثار احتمال وقوع مزيد من الإجراءات الانتقامية. تسببت الاتهامات الكندية في موقف حرج للولايات المتحدة وشركائها، الذين يسعون للحصول على مساندة الهند في مواجهة السلوك الصارم للصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ويتطلعون إلى دعم إدارة رئيس الوزراء ناريندا مودي لنظام عالمي تقوده واشنطن بين الاقتصادات الناشئة التي تشكل الجنوب العالمي. 

بماذا تتهم كندا الهند؟ 

بدأ الخلاف في سبتمبر 2023، عندما اتهم رئيس الوزراء جاستن ترودو مسؤولين هنوداً بالتخطيط لاغتيال الناشط السيخي البارز هارديب سينغ نيجار، وهو مواطن كندي كان في طليعة حركة تطالب بوطن مستقل للسيخ في الهند. ونفت حكومة مودي أي تورط، ووصفت الاتهامات بأنه "عبثية". وقُتل نيجار بالرصاص في كولومبيا البريطانية عام 2023. 

زادت حدة التوترات في أكتوبر 2024 حين اتهم ترودو دبلوماسيين هنوداً "بدعم نشاط إجرامي ضد كنديين هنا على الأراضي الكندية". 

اتهمت شرطة الخيالة الملكية الكندية مسؤولين هنوداً باستغلال مناصبهم للقيام بأنشطة سرية تستهدف أشخاصاً يروجون لدولة السيخ المستقلة. وذكرت شرطة الخيالة الملكية الكندية أنها تملك دليلاً يربط أشخاصاً يعلمون لحساب الهند بجرائم قتل واستخدام الجريمة المنظمة، مضيفة أن "دبلوماسيين حاليين" مرتبطون بأعمال عنف. واتهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو دبلوماسيين هنوداً بدعم مخطط إجرامي لأعمال مضايقة وعنف ضد كنديين.

وقالت الشرطة الكندية إن حوالي ثمانية أشخاص اُعتقلوا واُتهموا في قضايا قتل، وما لا يقل عن 22 شخصاً في قضية تتعلق بالابتزاز، مع ارتباط بعض القضايا بحكومة الهند. وتعتقد الشرطة أن ثمة صلة بين الحكومة الهندية وعصابة لورانس بيشنوي الإجرامية، التي بدأت في الهند ويُعتقد أنها انتشرت إلى كندا. كما طردت كندا ستة مسؤولين بعد أن قالت إن الهند رفضت رفع الحصانة الدبلوماسية عنهم بهدف استجوابهم.

كيف ردت الهند؟

تنفي الهند بشدة اتهامات كندا وتقول إنها ذات دوافع سياسية. واتهمت وزارة الشؤون الخارجية حكومة ترودو بمحاولة كسب ود "قاعدة انتخابية"، مشيرة إلى أنها ترى الاتهامات بمثابة مسعى للحصول على دعم سياسي من مجتمع السيخ في كندا، وهو الأكبر في العالم خارج الهند. ومن المقرر أن تجري كندا انتخابات فيدرالية في أكتوبر 2025.

ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي
ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي - المصدر: بلومبرغ

وفي أعقاب أحدث اتهامات صادرة عن كندا، أعلنت الوزارة طرد ستة دبلوماسيين كنديين، بمن فيهم القائم بأعمال المفوض السامي ستيوارت روس ويلر. كما اتهمت الهند كندا بتعريض دبلوماسييها للخطر.

وأثارت الحكومة الهندية بشكل منفصل مخاوف بشأن ما تراه نشاطاً غير مرحب به في بعثاتها الدبلوماسية من جانب نشطاء السيخ في كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا. وشكت من أن المسؤولين في تلك الدول لم يتخذوا إجراءات كافية ضد المحتجين.

ما التبعات الاقتصادية لخلاف كندا والهند؟

التجارة بين البلدين ليست كبيرة، لذلك حتى وإن أسفر النزاع عن عقوبات اقتصادية، لن يكون التأثير كبيراً. يتمثل الخطر الأكبر في حركة الأفراد بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بتأشيرات الطلاب.

بلغ حجم التجارة بين كندا والهند 8.4 مليار دولار في السنة المالية الهندية المنتهية في مارس. وهذا الرقم ضئيل مقارنة مع العلاقة التجارية السنوية بين الولايات المتحدة والهند، والتي بلغت 119.7 مليار دولار. وتشكل الاستثمارات الكندية أقل من 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند. وضخت صناديق التقاعد الكندية أموالاً في قطاعات هندية من بينها البنية التحتية والطاقة المتجددة والخدمات المالية، باستثمار تراكمي قدره 55 مليار دولار.

على الرغم من ذلك، فإن المزيد من الانهيار في العلاقات قد يؤثر على بعض القطاعات الرئيسية. وكندا مورد رئيسي للهند فيما يتعلق بالبوتاس، وهو سماد مهم للقطاع الزراعي. كما أنها تزود الهند بالأخشاب والورق ومنتجات التعدين. وتورد الهند لكندا الأدوية والأحجار الكريمة والحلي والمنسوجات والآلات.

وفيما يخص الهجرة، فإن الهند مصدر مهم للطلاب الأجانب إلى كندا، إذ يُقدر عدد الطلاب الهنود الذين يدرسون هناك بنحو 427 ألف طالب. وبعد أن اتهم ترودو حكومة مودي للمرة الأولى بالتورط في جريمة قتل نيجار العام الماضي، علقت الهند مؤقتاً طلبات التأشيرة في كندا.

ما موقف الولايات المتحدة؟

تسلط اتهامات كندا الضوء على التوازن الذي تحاول الولايات المتحدة تحقيقه بين جارتها في الشمال والهند، والتي تعتبرها واشنطن شريكاً أساسياً في مواجهة الصين في المنطقة. أشارت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون إلى أنهم سيواصلون السعي لبناء علاقات أقوى مع حكومة مودي على الرغم من الاتهامات.

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر خلال إفادة صحفية دورية إن الاتهامات الأحدث الصادرة عن كندا "شديدة الخطورة ويجب أن تُؤخذ على محمل الجد"، وحث الهند على التعاون مع كندا في تحقيقاتها. 

لكنه تابع قائلاً إن الهند تظل "شريكاً قوياً بدرجة كبيرة للولايات المتحدة"، وإن نيودلهي تشكل محوراً أساسياً في الرؤية الأميركية الأوسع لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة.

تلقي الاتهامات الضوء من جديد على التحقيق المنفصل الجاري في جريمة قتل مقابل أجر في الولايات المتحدة. وفي تلك القضية، يقول المدعون إن شخصاً يعمل لحساب الحكومة الهندية يدعى نيخيل جوبتا دبر مؤامرة فاشلة لقتل الانفصالي السيخي والمواطن الأميركي جورباتوانت سينغ بانون. ويقول جوبتا إنه غير مذنب. وقللت إدارة بايدن وحكومة مودي من أهمية الاتهامات، وقالتا إنها لا تهدد علاقتهما.

كيف تطورت النزعة الانفصالية للسيخ؟

كانت الحركة بارزة في الهند في الثمانينيات، وبلغت أوجها باختطاف العديد من طائرات الركاب الهندية، لكن تأثيرها تضاءل. على الرغم من ذلك، تثير السلطات الهندية مخاوف من تصاعد النزعة الانفصالية مرة أخرى في ولاية البنجاب، موطن الديانة السيخية. وتنعت حكومة مودي نيجار بالإرهابي وما زالت ترى الحركة من أجل دولة مستقلة تهديداً عنيفاً لوحدة أراضي الهند.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك