الاقتصاد الكفء قادر على إقصاء الشركات الأقل كفاءة من السوق وهو مبدأ لا يحظى بالاهتمام الكافي

ما لا يدركه جيه دي فانس بشأن التجارة الحرة

موظفون يرتبون البضائع تحت لافتة تحمل عبارة 'جاري الإغلاق' داخل متجر "تويز آر أس" في تايمز سكوير، بنيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
موظفون يرتبون البضائع تحت لافتة تحمل عبارة 'جاري الإغلاق' داخل متجر "تويز آر أس" في تايمز سكوير، بنيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

الكفاءة، من الناحية الاقتصادية، تشير بشكل عام إلى التحسينات، بمعنى زيادة الإنتاج، وتحسين الخدمة، وتسريع الابتكار. لكن هناك تعريفاً آخر للكفاءة لا يحظى بالاهتمام الكافي، إذ أن الاقتصاد الكفء هو أيضاً الذي يتميز بقدرته على إخراج الشركات الأقل كفاءة من السوق.

الفروق بين الشركات الأكثر إنتاجية والأقل إنتاجية يمكن أن تكون كبيرة بشكل مذهل. وفقاً لإحدى التقديرات، في الولايات المتحدة وحدها، يمكن أن تكون الشركات الأكثر إنتاجية في قطاع ما أكثر كفاءة من حيث التكلفة بمقدار مرتين إلى أربع مرات مقارنة بالشركات الأقل إنتاجية. بالنظر إلى حجم هذه الفجوات، فإن أي توسع في التجارة أو الابتكار والذي يسهّل عملية استبدال المنتجين الأقل كفاءة قد يساعد القطاع في تقليص جزء كبير من تكاليف الإنتاج.

التجارة بين أميركا وكندا

قبل اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا، كانت الشركات الأميركية عموماً أكثر إنتاجية من نظيراتها الكندية. فتح التجار بشكل كامل زاد إنتاجية قطاع التصنيع الكندي بنسبة 8.4% في فترة زمنية قصيرة، ويرجع ذلك في الغالب إلى اختيار الشركات الأكثر كفاءة وإعادة تخصيص المزيد من الإنتاج لها.

في ضوء الأنشطة التي أمارسها-وهي الكتابة، والتدريس، وإنتاج الفيديوهات-فإنني أرى أن بعض الأشخاص في هذا القطاع أكثر إنتاجية بعشرة أضعاف أو أكثر من غيرهم. إذا تم استبدال بعضنا بالذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن المرجح أن يكون المبدعون الأقل إنتاجية هم من سيخسرون وظائفهم.

قد تتساءل كيف يمكن للمنتجين الأكثر والأقل إنتاجية أن يتعايشوا معاً، مع تقديم أنواع السلع والخدمات نفسها. الجواب هو أنه يتعذر على الشركات المتفوقة أن تستحوذ على كل أعمال الشركات الأقل كفاءة. ليست كل السلع والخدمات قابلة للتوسع بسهولة، ويمكن أن تكون الشركات الأكثر إنتاجية مقيّدة بالموهبة أو بالرغبة في الحفاظ على التركيز. (فلا يكفي أن يكون توم كروز النجم السينمائي الأكثر شعبية لكي يشارك في كل فيلم). هناك أيضاً عامل الجمود، والذي يشير إلى أن العديد من العلاقات التجارية تستمر بسبب الروابط الشخصية. فالشركات الأقل إنتاجية لا تختفي ببساطة بسبب الابتكار أو المنافسة الجديدة.

إقصاء الأقل كفاءة

واحدة من الفوائد غير المعترف بها بشكل كافٍ للتجارة الحرة هي أنها تساهم في إقصاء المنتجين الأقل كفاءة من السوق. الإنتاجية الأميركية تحقق أداءً جيداً جزئياً لأن الولايات المتحدة سمحت للمنافسين الأجانب بالدخول ومن ثم ضبط الأسواق والشركات المحلية. هذا أحد الأسباب التي تجعل اقتراح دونالد ترمب بزيادة التعريفات الجمركية فكرة سيئة، على الرغم من إصرار جيه دي فانس على العكس. التجارة الحرة يمكن أن تساعد في خفض التكاليف.

الفروق في الإنتاجية بين الشركات تساعد أيضاً في تفسير جوانب أخرى من الاقتصادات الحديثة. قبل حوالي أربعة عقود، أشار روبرت سولو إلى أنه يمكنك رؤية الحواسيب في كل مكان، ولكن ليس في إحصائيات الإنتاجية. لماذا كان ذلك؟ حسناً، يمكن للحواسيب أن تؤدي الكثير من الأعمال الروتينية التي يقوم بها عادة الموظفون ذوو الياقات البيضاء من المستوى المتوسط. فقط قارن استخدام البرمجيات المكتبية الأساسية مع وضع الملفات الفعلية في مخازن الملفات. ومع ذلك، لم تنتقل جميع الشركات إلى البرمجيات بسهولة، وأحياناً كان الإفلاس أو الاندماج ضروريين لفرض التحول إلى التقنيات الجديدة. قد تستغرق هذه العمليات سنوات، وقد تتطلب جيلاً جديداً من القيادة.

ربما تبقى بعض أجزاء الاقتصاد غير متأثرة نسبياً بالضغوط التنافسية. على سبيل المثال، غالباً لا تواجه المؤسسات غير الربحية قيود الربح والخسارة المباشرة، وقد تمتلك العديد منها أوقافاً كبيرة أو تتلقى تبرعات منتظمة من مؤيدين لا يراعون الجودة بشكل دقيق. من الصعب أيضاً أن تقلص المنافسة أعباء التكاليف التي تفرضها الحكومة. لذا، كلما زاد حجم القطاعين العام وغير الربحي، كلما استغرق الاقتصاد وقتاً أطول ليصبح أكثر كفاءة.

قلق معاكس

هناك قلق معاكس بشأن تأثير الكفاءة في تغيير الاقتصاد بسرعة كبيرة- مثل الذعر الحالي في بعض الأوساط بسبب سرعة التغيير التي قد يجلبها الذكاء الاصطناعي.

لكن ما أراه هو أن العديد من المؤسسات غير راغبة أو غير قادرة على تبني طرق جديدة مكثفة في استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة أعمالها. ربما لن يغيّر عام آخر أو اثنان من الضغط تلك الحقيقة. ثم إنه مع ازدياد أهمية الذكاء الاصطناعي كميزة تنافسية، ستخرج الشركات التي لا تستخدم هذه التكنولوجيا بشكل فعال من السوق. قد تستغرق هذه العملية 10 سنوات أو أكثر، وتحدث على شكل موجات متقطعة، كما حدث مع معظم الابتكارات التكنولوجية الكبرى السابقة.

بشكل عام، وبطريقة يمكن فهمها، الاهتمام بأخبار الشركات يميل إلى التركيز على الابتكار والنجاح. ولكن كل اقتصاد لديه أيضاً جانب غير منتج بدرجة كبيرة، يمكن أن يستمر لفترات طويلة من الزمن. فالأمر لا يقتصر على دور التجارة والابتكار في مساعدة الجوانب الأكثر كفاءة من الاقتصاد على النمو بسرعة أكبر، بل إنهما يساعدان أيضاً في تقليص القطاعات الأقل كفاءة-وإن لم يكن دائماً بالسرعة المرجوة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك