استكشاف القمر خطير بما فيه الكفاية بدون تحويله إلى ساحة للمنافسة بين القوى العظمى

من السابق لأوانه خوض سباق فضائي مع الصين

أرضية تحمل صورة لرائد فضاء داخل ممر في مكتب "سبيسيتي" في مجمع الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، الصين - بلومبرغ
أرضية تحمل صورة لرائد فضاء داخل ممر في مكتب "سبيسيتي" في مجمع الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، الصين - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في أواخر شهر يونيو، أحضر برنامج الصين الفضائي إلى الأرض أولى عينات الصخور والتربة من الجانب البعيد الغامض من القمر، محققاً بذلك انتصاراً كبيراً. فالعلماء في مختلف أنحاء العالم يحرصون على الاستفادة من هذه العينات لمعرفة المزيد عن أصل القمر وأصل الأرض. 

في الوقت نفسه، يشعر آخرون بالقلق من أن الصين في سبيلها إلى الانتصار في سباق فضائي جديد لإنشاء أول قاعدة دائمة على سطح القمر. ويقولون إن بعثة الصين توضح تماماً أن هذا البلد يعتبر القمر أصلاً من الأصول الاستراتيجية، وليس مجرد موقع للاستكشاف العلمي المحض.

حتى الآن، تعود مطامح الصين المتعلقة بالقمر بمعلومات قيمة يستفيد منها المجتمع العلمي العالمي وبرنامج الفضاء التابع للولايات المتحدة، التي تخطط لإنزال أول رواد للفضاء على هذا الجزء من القمر الذي لم يكتشف بعد. 

وكلما زاد ما نعرف نحن الأرضيون من معلومات عن هذه المنطقة، كان ذلك أفضل، لذلك فلا بد من التزام التفاؤل الحذر. وقد يشجع نجاح الصين المبكر قادة الولايات المتحدة على تخصيص مزيد من الموارد لأنشطة استكشاف القمر.

مصدر القلق الرئيسي هو أن التوترات السياسية ستمنع العلماء والمهندسين من المشاركة في ذلك النوع من التعاون الدولي الذي يجعل من استكشاف القمر عملية مثمرة وآمنة أكثر. 

قاعدة على سطح القمر

في مؤتمر صحفي مقتضب على شبكة الإنترنت بعنوان "السباق إلى القمر"، عقدته وكالة "سبيس نيوز" (SpaceNews)، قال العديد من خبراء سياسة الفضاء إن الولايات المتحدة من الضروري أن تصبح أول دولة تؤسس قاعدة على سطح القمر، لأن من يأتي أولاً هو من يضع القواعد ويقرر المبادئ.

وقالت نامراتا غوسوامي، التي شاركت في تأليف كتاب "التزاحم على السماوات" (Scramble for the Skies)، إن الولايات المتحدة على الأرجح ستؤسس نظاماً تعاونياً وأكثر ديمقراطية. 

أنزلت مركبة الفضاء الصينية "تشانغ إي-6" معدات قامت بالحفر تحت سطح القمر، وأخذت عينات من منطقة تعرف باسم القطب الجنوبي - حوض آيتكين. 

ثبتت البعثة أيضاً قمراً اصطناعياً للاتصالات في مدار القمر، وهو أمر ضروري لبث الرسائل واستقبالها من أي آلية على الجانب البعيد من القمر. 

أولئك الذين لا يحتفون بهذا الأمر باعتباره تقدماً علمياً، يتكهنون بأن الصين ربما تنتهك معاهدة الفضاء الخارجي العالمية وتستحوذ على الموارد أو المناطق. 

وفي جلسة استماع في الكونغرس الأميركي عقدت في الربيع الماضي، عبر بيل نيلسون، مدير وكالة "ناسا"، عن مخاوفه من أن الصين قد تفرض سيطرتها على مناطق هامة على القمر وتستبعد الجميع. 

المياه المتجمدة وموارد أخرى

المورد الرئيسي الذي يعرفه العلماء على سطح القمر هو المياه المتجمدة الموجودة في القطب الجنوبي-حوض آيتكين، والحفر الأخرى القريبة – ولهذا السبب هبطت المركبة "تشانغ-إي 6" هناك. 

هذا الحوض هو أيضاً محور تركيز بعثتين في المستقبل هما "تشانغ-إي 7" و"تشانغ-إي 8". وهاتان البعثتان سوف تستكشفان الجليد في المنطقة، وإمكانية استخراج المياه والموارد الأخرى، مع إنجاز الهدف النهائي المتمثل في إقامة قاعدة بحثية متقدمة. 

ليس من قبيل المصادفة أن المنطقة نفسها هي أيضاً هدف البعثة الأميركية المأهولة القادمة إلى القمر –تحت اسم "أرتميس"– والتي من المفترض أن تنطلق في وقت ما من العقد الحالي.

تنطوي المياه في هذه المنطقة على إمكانات تتجاوز مجرد إمداد قاعدة قمرية. كما يمكن استخدام الماء كمصدر للهيدروجين لتوفير الوقود اللازم للبعثات التي تستهدف مسافات أبعد من ذلك. 

ونظراً لأن القمر أصغر من الأرض، فإن جاذبيته أقل بكثير من جاذبية الأرض، مما يجعله مكاناً جيداً لإطلاق المركبات الفضائية، بما في ذلك المسابير الفضائية التي تعمل بالليزر، والتي يمكن أن تسافر إلى الكواكب التي تدور حول النجوم البعيدة. 

قال سايمون بيتر ووردن، المدير السابق لمركز أبحاث "أميس" (Ames Research Center) التابع لوكالة "ناسا"، إن في الجانب البعيد من القمر بعض الموارد الأخرى أيضاً. وأولها هو الصمت النسبي للراديو، مما يتيح فرصة غير مسبوقة لعلماء الفلك الراديوي للبحث عن بقايا الكون في المراحل الأولى، أو حتى البحث عن حضارات فضائية. 

دراسة الجانب البعيد من القمر

غير أن بداية الصراع على القمر سابقة للأوان. قال جيمس هيد، عالم جيولوجيا الكواكب الذي اختار مواقع بعثات "أبولو" وساعد في تدريب رواد الفضاء، إننا ما زلنا لا نعرف كمية المياه المخبأة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. وقال إنه حريص على رؤية ما سيخلص إليه تحليل كيمياء وعمر مادة "تشانغ-إي 6".

تكشف المركبات التي تحلّق قريباً من المنطقة، أن الجانب البعيد من القمر مختلف بشكل غريب عن الجانب القريب. فالقشرة أكثر سمكاً، والسطح أفتح لوناً، مع عدد أقل من تدفقات الحمم البركانية التي تشكل الأجزاء الداكنة من الجانب المألوف للقمر.

أضاف هيد، الذي يعمل الآن أستاذاً في جامعة براون: "كان ذلك لغزاً حقيقياً". ولأن القمر لا يتأثر بالتآكل أو الصفائح التكتونية، فإن سطحه يحمل سجلاً بالمؤثرات التي هيمنت على تاريخه المبكر وتاريخنا.

وأوضح هيد أن العودة إلى القمر خطوة أساسية لإرسال الناس إلى المريخ. "سيخبرك رواد الفضاء الذين ذهبوا إلى القمر بأنه لا سبيل لأحد أن يذهب إلى المريخ دون أن تكون لديه خبرة ميدانية على القمر أولاً". 

إنذار بخطورة السفر في الفضاء

تلقى العالم مؤخراً تذكيراً بخطورة وصعوبة الرحلات الفضائية عندما اكتشف تسرب الهيليوم ومشاكل أخرى في مركبة "بوينغ ستارلاينر" أثناء أول مهمة لها وهي مأهولة. وقد تأخر رائدا الفضاء اللذان كانا على متن المركبة لأسابيع عالقين في محطة الفضاء الدولية.

وقالت شركة "بوينغ" هذا الشهر إن رائدي الفضاء ليسا في خطر، ويمكن أن يعودا في أي وقت، لكن الشركة تقوم ببعض الإصلاحات الإضافية في منشأة "وايت ساندز" للاختبارات في نيو مكسيكو، بعد ظهور مشكلة جديدة مع تسرب الهيليوم مرة أخرى وإغلاق غير متوقع لبعض أجهزة الدفع.

هذه الأعطال مخيفة، لأنها تنطوي على احتجاز الناس أحياءً في الفضاء. وأي مشاكل من هذا النوع ستكون أكثر صعوبة على القمر، الذي تبلغ المسافة بينه وبين الأرض 1000 ضعف المسافة بينها وبين المحطة الفضائية الدولية. ستكون العملية أكثر أماناً للجميع إذا تعاونت الصين والولايات المتحدة ولم يندفع أحد في مهمة خطيرة.

تظل الأسبقية للولايات المتحدة دائماً في فوزها بسباق الفضاء منذ أكثر من نصف قرن، وهناك مساحة شاسعة من سطح القمر لم تستكشف بعد. 

إن انتصار الصين على القمر لا يعني بالضرورة كارثة بالنسبة لبقية العالم، على الرغم من أنه من سوء الحظ فعلاً أن توجد مساحة واحدة فقط من بين ملايين الأميال المربعة من سطح القمر صالحة لإنشاء قاعدة. 

استكشاف القمر مع رواد الفضاء أمر صعب وخطير. والتعاون يمنح كل دولة أفضل الفرص. لكن الجمهور غالباً ما يستجيب للتنافس، لذلك فمن المفارقات أن تصور المنافسة مع الصين هو الذي يمكن أن يساعد في حشد ما يكفي من الدعم الشعبي لانطلاق هذه العملية.

بالمختصر

المقال يتناول التنافس المتزايد بين الصين والولايات المتحدة لاستكشاف القمر، مع التركيز على احتمالية نشوب "سباق فضائي" جديد. يشير الكاتب إلى أن الصين أحرزت تقدماً كبيراً في برنامجها الفضائي، مثل إحضار عينات من الجانب البعيد من القمر، مما يعزز مخاوف من أن الصين قد تكون بصدد إنشاء قاعدة دائمة على سطح القمر، وهو ما قد يثير توترات سياسية دولية.

رغم هذه المخاوف، يشدد المقال على أن هذا التنافس لا يجب أن يتحول إلى صراع مبكر، بل من الأفضل أن تتعاون الدول، مثل الولايات المتحدة والصين، في استكشاف القمر. فالتعاون في هذه البعثات يمكن أن يزيد من الأمان ويحقق فوائد علمية أكبر، خصوصاً في ظل المخاطر العالية التي تواجهها الرحلات الفضائية، مثل الأعطال التي قد تعرض حياة رواد الفضاء للخطر.

في النهاية، يشير المقال إلى أن التنافس الفضائي قد يكون ضرورياً أحياناً لحشد الدعم الشعبي والسياسي، لكنه يؤكد أن التعاون الدولي هو الخيار الأفضل لضمان نجاح واستدامة عمليات استكشاف الفضاء.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة