كان يُنظر إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره الهدف المنشود لدول غرب البلقان على مدى عقود. لكن بالنسبة لمعظمهم، يظل هذا الحلم بعيد المنال، بالتالي بدأوا في البحث عن بدائل.
بات سكان ألبانيا وصربيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك ومونتينيغرو يعبرون أكثر عن خيبة أملهم هذا العام وسط معاناة أوروبا من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة تكلفة المعيشة.
قال رئيس مقدونيا الشمالية، ستيفو بنداروفسكي الأسبوع الماضي: "تظهر استطلاعات الرأي في الأشهر الـ18 الماضية، سواء في بلادنا أو المنطقة، انخفاضاً في دعم الاتحاد الأوروبي". وأوضح أن بروكسل هي المسؤولة بشكل أساسي عن ذلك، مضيفاً: "لا نرى بشكل موضوعي أن عملية التكامل الأوروبي تمضي قدماً".
لاحظ الاتحاد الأوروبي هذا الأمر، لذا سيتم عقد قمة يوم الثلاثاء مع زعماء الدول الـ27 الأعضاء في العاصمة الألبانية تيرانا لإظهار أنه ما يزال يؤمن بأن دول البلقان ستلحق يوماً ما بالركب.
يعد هذا أول اجتماع رسمي من نوعه يُعقد في المنطقة، والخيار الملحوظ، فقد كانت ألبانيا من بين أكثر المؤيدين علناً لعضوية الاتحاد الأوروبي.
قال رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما في مقابلة يوم الاثنين: "إنها المرة الأولى في تاريخنا التي يمكننا فيها الاختيار.. بالنسبة لنا، فإن أوروبا تمثل لنا تماماً ما كانت تمثله لمن أسسوها، ملاذاً من الحرب ومن الأنظمة الديكتاتورية ومن الصراعات، ومكاناً للسلام والأمان".
تخلف اقتصادي
لم تأت الشكاوى بشأن تأخر الاندماج فقط من الدول التي ما يزال فيها الأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قوياً. حتى البرلمان الأوروبي انتقد قادة الكتلة "لعدم وفائهم بوعود الاتحاد الأوروبي التي طال أمدها". فقد قال إن "افتقار الاتحاد الأوروبي إلى المشاركة والمصداقية على مدى الأعوام القليلة الماضية خلق فراغاً، بالتالي أتاح المجال لروسيا والصين والأطراف الثالثة الخبيثة الأخرى".
لا شك أن الاستبعاد يعني التخلف عن الركب اقتصادياً. تقل مستويات المعيشة في دول البلقان الست التي لم تفز بعضوية الاتحاد الأوروبي عن 50% من متوسط الكتلة العام الماضي، فيما تجاوزت الدول الشيوعية الـ12 السابقة التي انضمت منذ عام 2004 هذا المستوى.
مثال على ذلك، مقدونيا الشمالية، التي بدأت مع ألبانيا محادثات الانضمام في يوليو بعد انتظار 17 عاماً لفعل ذلك بعد عملية صاخبة غيرت خلالها اسمها حتى تصبح مؤهلة.
بعد التغلب على هذه العقبة، ما يزال تقدمها متوقفاً بسبب خلاف نشب مع جارتها بلغاريا التي تطالب بتغيير دستور مقدونيا الشمالية قبل التمكن من المضي قدماً في عملية العضوية.
كان يصعب على سكان مقدونيا الشمالية استيعاب الأمر لأن التأخير قد يضيف أعواماً أخرى إلى فرصهم في حياة أكثر ثراءً من شأنها أن تكون أكثر تشابهاً مع معايير الاتحاد الأوروبي.
قال المبعوث الأميركي الخاص للبلقان غابرييل إسكوبار الأسبوع الماضي: "هناك دول عدة تعتقد أن العملية يجب أن تكون أسرع".
الموقف من روسيا
في تيرانا، من المقرر أن يؤكد قادة الاتحاد الأوروبي على أهمية مواءمة موقف الكتلة بشأن العقوبات ضد روسيا مع دول غرب البلقان، وفق مسؤول في الاتحاد الأوروبي مطلع على الأمر. فوتشيتش، الذي سعى للاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع روسيا، رفض مراراً الانضمام للاتحاد الأوروبي في فرض تلك العقوبات.
لكن في وقت كان فيه وضع صربيا غامضاً أيضاً فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإنها ساعدت في محاولة زيادة نفوذها في منطقة كانت تسيطر عليها ذات يوم من بلغراد قبل تفكك يوغوسلافيا الدموي.
كان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي يوفق بين العلاقات الوثيقة مع روسيا والرغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أول من أرسل لقاحات كوفيد-19 إلى مقدونيا الشمالية قبل عامين. كما غيرت حكومته القوانين في أكتوبر حتى تتمكن من البدء في تصدير الغاز الطبيعي إلى جارتها الجنوبية.
يسعى فوتشيتش أيضاً إلى تعزيز منتدى "فتح البلقان" (Open Balkans)، الذي يسهل التجارة والسفر ويخفف رسوم تجوال الهاتف. كما أنه يقول إن دول البلقان ينبغي عليها تعزيز العلاقات الاقتصادية في ظل عدم وجود موعد مستهدف واضح للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
انتقد الاتحاد الأوروبي المبادرة، بجانب مسؤولين من عدة دول في البلقان التي ابتعدوا عنها، في ظل قلقهم من أن الدول التي خاضت حروباً لتصبح مستقلة بعضها عن بعض في التسعينيات قد تفقد التركيز على الانضمام.
لكن في النهاية، يجب أن يتحمل الاتحاد الأوروبي العبء الأكبر من اللوم لعدم إحراز تقدم نحو العضوية، حسبما قال المحلل السياسي المقيم في إسكوبيه ليوبكو بوبوفسكي، وأضاف: "في ظل غياب المكافآت الكبيرة، تسعى الدول للبحث عن بعض الفوائد الفورية حتى لو كانت أصغر".