كتاب جديد يقدم دروساً مهمة حول كيفية استمرار الشركات في عالم خطير يرفع شعار "تحقيق النجاح عبر فعل الخير"

الرؤساء التنفيذيون مطالبون بالتفكير ملياً بشأن الشفافية

بعض الصفقات يجب أن تتم خلف الأبواب المغلقة - المصدر: بلومبرغ
بعض الصفقات يجب أن تتم خلف الأبواب المغلقة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تتعرض الشركات لضغوط شديدة كي تلتزم بالمسؤولية المجتمعية، إذ بات مديرو الأصول يوجهون المليارات بناءً على مدى التزام الهدف الاستثماري بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

كما أن الناس يثقون بقدرة رجال الأعمال على حل المشكلات الاجتماعية أكثر من ثقتهم بالساسة، فيما تزيد أصوات الناشطين المؤيدين لالتزام الشركات للمسؤولية المجتمعية علواً كل يوم.

مع ذلك، تُعد فكرة الشركات الملتزمة أخلاقياً حقل ألغام على الصعيدين النظري والعملي، إذ غالباً ما تتعرض الشركات الرائدة في هذ الصدد مثل "يونيليفلر" (Unilever) لانتقادات، ليس من مستثمرين فحسب؛ بل أيضاً من النشطاء. المحافظون منهم حانقون بشأن مفهوم الشركات التي تتبنى عدم التحيز العرقي أو المرتبط بالاختيارات الجنسية لدرجة ولوج صراعات مكاسبها للخصوم، والحكومات تستغل عمل النشطاء لتدفع بعبء المشكلات الاجتماعية عن كاهلها وتنقله إلى القطاع الخاص.

إذاً كيف يمكن للعقلاء أن يجدوا طريقهم عبر هذه المتاهة؟ يقدم كتاب جديد من تأليف أليسون تيلور بعنوان "مكانة أعلى: صوابية الشركات في عالم مضطرب"، أفضل دليل قرأته حتى الآن.

اقرأ أيضاً: رهان العملات المشفرة ينتج أفضل صناديق الحوكمة البيئية أداءً في العالم

يزعم معظم الرؤساء التنفيذيين هذه الأيام أنهم يؤمنون بنهج "رأسمالية الأطراف المعنية"، وهي فكرة أن تجعل الشركات جميع الأطراف ذات العلاقة منخرطةً كي تحصل على صلاحية لعملها. لكن من الذي لا يُعتبر طرفاً معنياً وفق هذا السيناريو؟ وكيف يمكن الموازنة بين جماعة مصالح وأخرى؟ يخاطر هذا النهج بتحميل كل شركة مسؤولية لا محدودة عن مشكلات العالم.

فوضى المفاهيم

يشوب المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات نفس العيب. في مارس 2022، وصف فيليب زواتي، الرئيس التنفيذي لشركة "ميروفا" (Mirova)، وهي ذراع الاستثمار وفق المعايير الأخلاقية في "ناتيكسيس إنفستمنت مانجرز" (Natixis Investment Managers)، الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه "أحد أهم القضايا المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التي واجهناها على الإطلاق".

تعتمد تلك المعايير على الدقة الزائفة للمؤشرات والأرقام، لكنها في الواقع عبارة عن فوضى مفاهيم تجمع بين قضايا لا تتوافق بالضرورة مع بعضها البعض، ثم تقحم معها أي شيء آخر يتبادر إلى الذهن مثل الأمن السيبراني والعدالة الجنائية والهجرة والصحة العامة.

لقد تجاوز بعض الرؤساء التنفيذيين رأسمالية أصحاب المصلحة ليتبنوا أيضاً النشاط السياسي، حتى أن مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة "سيلزفورس" (Salesforce) قال لشبكة "سي إن بي سي" (CNBC) إن قادة الشركات "بحاجة إلى اتخاذ إجراءات مباشرة" بشأن القضايا الاجتماعية مثل سلامة الأسلحة وحقوق الإجهاض، بغض النظر عما قد يعنيه ذلك.

لا تقتصر هذه الاستراتيجية على خطر التعرض لمصير يشابه ما حصل مع بوب تشابيك، الرئيس التنفيذي لشركة "ديزني" الذي خسر وظيفته إثر خوضه في قضية سياسية في فلوريدا، بل إنها تتسم بالنفاق أيضاً، إذ عادةً ما تنفق الشركات مبالغ ضخمة عبر اللجان السياسية والاتحادات التجارية على دعم سياسيين يروجون لسياسات مغايرة تماماً لأجندات اليقظة ضد التحيز.

مصلحة مباشرة

نظراً للتهديد المتمثل في ملاقاة مصير الرئيس التنفيذي لشركة "ديزني" بسبب مكر سياسي أو أن ترغمهم جماعات الضغط الشرسة على توقيع شيك مفتوح للمجتمع، فقد يكون من المغري أن ننسى المسؤولية الاجتماعية للشركات برمتها، ونعود إلى أيام ميلتون فريدمان الخوالي. يرى فريدمان أن مسؤولية الشركات تقتصر على تعظيم أموال المساهمين، إذ لا يعدو "السعي لتحقيق الصالح العام" كونه ذريعة لإرضاء غرور الرئيس التنفيذي على حساب المساهمين.

تتمثل أكبر مشكلات العودة إلى عالم فريدمان في أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية. على سبيل المثال، يكمن نحو 60% من القيمة السوقية للشركات المدرجة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في أصول غير ملموسة مثل السمعة والثقة. بالتالي، للمساهمين مصلحة مباشرة في مراعاة القضايا الأخلاقية. كان فريدمان قد عدل آراءه حول تقديم مصلحة المساهمين على ما سواها، بقوله إن الشركات ملزمة بالامتثال للقانون.

غير أن "الامتثال للقانون" لا يشكل ضمانة للشركات كما يبدو، نظراً للفوضى المتشابكة التي تعم قانون الولايات المتحدة من جهة، ونتيجة النشاط في عشرات البلدان من جهةٍ أخرى. على سبيل المثال، يتعين على شركات الخدمات المالية التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها احترام القواعد التنظيمية الصينية والأميركية المتضاربة.

دليل مميز

لا يخلو المسار الذي ترسمه تايلور بين هذين النقيضين من بعض التوجيهات الخاطئة، فهي ألطف مني تجاه الكلمات الطنانة العصرية مثل "الغرض المؤسسي". كما تعتقد أن مفهوم "حقوق الإنسان" يوفر نظاماً أعدل للتفكير الأخلاقي في مجال الأعمال مقارنةً بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، برغم أنه منتقص بنفس العيب، ألا وهو الغموض.

اقرأ أيضاً: تضييق تباين الأجور بين الجنسين يتطلب اقتران الحزم بالشفافية

مع ذلك، ينقذها ذكاؤها العملي كلما كاد الحماس يغلبها. أمضت تايلور، الأستاذة المعينة بناءً على خبرتها المهنية في كلية "ستيرن" لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، عقوداً في تقديم المشورة للمؤسسات التجارية بشأن أخلاقيات الشركات، بدل أن تمضي وقتها تتأمل الحرم الجامعي. وهي تناهض بألق الكلام المعسول عن تحقيق النجاح عبر عمل الخير.

دائماً ما تنطوي قرارات العمل على مقايضات، وحتماً ستعني القرارات الأخلاقية تقديم تضحيات. لذا، أثرت تايلور كتابها بأمثلة عملية لشركات تعاني ضغوطاً ومشكلات أخلاقية. كما قدمت، أحياناً بشكل عابر، اقتراحات منطقية بشأن كيفية المضي قدماً في العالم الحقيقي، الذي ينطوي على مقايضات مستمرة ومعضلات حقيقية بعيداً عن "عقلية القرارات التي تحقق مصالح للجميع".

فيما يلي خمسة اقتراحات وجدتها ملفتةً على نحو خاص:

[object Promise][object Promise][object Promise][object Promise][object Promise]

لا تقتصر مشكلة الجدل القائم حول المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنه يؤدي إلى استقطاب الرأي العام فيما يفاقم التهكم بشأن أداء كافة المؤسسات، بل إنه يصرف الانتباه عن المسؤولية الأساسية للشركات. تفوقْ في منتجاتك الأساسية وأصلحْ ما أفسدت وتجنبْ إلحاق الأذى بالبيئة والآخرين واعتن بموظفيك، عندئذ تكون قد نجحت في اختبار الأخلاقيات.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة