قد يغير التطبيق قواعد اللعبة في عالم التجارة الاجتماعية خلال السنوات المقبلة

هل يغير "فليب" عالم التجارة الإلكترونية وينافس مؤسسات راسخة؟

يأمل تطبيق "فليب" في الجمع بين أفضل ما تقدمه كل من "أمازون" و"تيك توك"  - المصدر: بلومبرغ
يأمل تطبيق "فليب" في الجمع بين أفضل ما تقدمه كل من "أمازون" و"تيك توك" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لم أقتنع بعد بفكرة "التجارة الاجتماعية" اقتناعاً كاملاً. فهذا المفهوم، الذي يلقى رواجاً فعلاً في آسيا، يعتمد على تطبيق الدور الذي لعبه المؤثرون المبتسمون سابقاً على نطاق واسع، بحيث يمكن لأي شخص أن يشتري منتجاً ويصور مقطع فيديو يقنع فيه الأصدقاء بشرائه ويكسب المال ثم يعيد الكرّة. أعتقد أنها فكرة كريهة. وقال محللون إن مستقبل هذه الفكرة أن تتشكل سوق حجمها 100 مليار دولار بحلول 2025.

في الولايات المتحدة، يُقال إن اقتناص هذه الفرصة ينطوي على معركة بين شركتين عملاقتين قائمتين بالفعل تملك كل منهما ما تود الأخرى أن تحصل عليه. فلدى شركة "أمازون دوت كوم" عنصر التسوق، لكنها لا تملك منصة اجتماعية جذابة. أما "تيك توك" المملوكة لـ"بايت دانس"، فلديها تركيبة مسببة للإدمان كمنصة للتواصل الاجتماعي، لكنها شقت طريقها في عالم التسوق بشكل محدود. تبذل الشركتان جهدهما للتخلص من نقاط الضعف.

لكن هناك لاعب جديد مرجّح ظهوره في ذلك العالم: "فليب" (Flip). حظيت الشركة الناشئة الأكثر تفككاً التي أسسها نور أغا، اللاجئ العراقي البالغ من العمر 37 عاماً، باهتمام محدود على الساحة العامة، لكنها تثير ضجة في أوساط معينة بشكل لم أشهده مع تطبيقات أخرى منذ فترة.

في ضوء أن التطبيق ليس لديه نشاط قائم ليعمل على حمايته، فإن "فليب" يحاول أن يحل بعض مشكلات قطاع التجارة الإلكترونية. كما أنه قد يمثل حالة اختبار مثيرة للاهتمام. ففي وقت يجري فيه التدقيق في نفوذ منصات التقنية الضخمة، هل يمكن للاعب جديد يقدم أفكاراً جديدة أن يتنافس فعلاً مع مؤسسات راسخة تتمتع بوفرة في السيولة؟

كيف يعمل "فليب"؟

الطريقة التي يعمل بها "فليب" تشبه "تيك توك" إلى حد كبير. يرى المستخدم مقطع فيديو في وضع رأسي ويتصفح المقاطع عبر التنقل بينها بالسحب لأعلى. تروج كل المقاطع لمنتجات يمكن شراؤها مباشرة عبر زر "أضف للسلة" الموجود على المقطع. يشير عداد في الركن الأيمن العلوي من الشاشة إلى مبلغ بالدولار يزداد ببضع سنتات مع مشاهدة كل فيديو، ويمكن استخدام هذا المبلغ للحصول على خصومات.

اقرأ أيضاً: "تيك توك شوب" منافس حقيقي للتجارة الإلكترونية

حصل تطبيق "فليب" على زخم بفضل برنامج حديث قوي قائم على الإحالة من خلال المستخدم، وما تزال تفاصيله سراً، يحرص أغا، الذي تواصلت معه مؤخراً، على عدم الكشف عنه. زعم أغا أن "هذا محرك قائم على النمو من خلال إحالات المستخدم"، مشيراً إلى أنه "سيتفوق على كل المحركات من هذا النوع في التاريخ"، لكنه رفض تقديم أي تفاصيل.

قال أغا إنه قلق من احتمال أن تسرقه شركة أخرى.

من الناحية الظاهرية، يبدو المحرك وكأنه مزيج ما من عملية جمع أرقام الهاتف بموافقة المستخدم، والخصومات الكبيرة لكل من المستخدمين والفئة التي يقنعونها بالانضمام للتطبيق. قال البعض إنه أشبه بالتسويق على مستويات متعددة.

تحدث أغا بحماسة رجل لم يخض الكثير من المقابلات الصحافية بعد، قائلاً إن خطته للمحرك القائم على الإحالة من خلال المستخدم دفعت الإيرادات للزيادة بخمسين مرة على مدى الشهر الماضي، لكنه لم يعلن الأرقام الفعلية لهذه الزيادة.

في ضوء ذلك، تشير بيانات مستقلة من "سنسور تاور" (SensorTower) فعلاً إلى زيادة في الإيرادات، إذ قالت شركة الأبحاث إن تطبيق "فليب" جرى تنزيله 3.6 مليون مرة على مستوى العالم، بارتفاع كبير خلال أكتوبر، مما يتزامن مع التوجه نحو برنامج الإحالة من خلال المستخدم، وتوسع الشركة في مجالات أخرى بعيداً عن التجميل.

قالت "داتا إيه آي" (Data.ai)، وهي شركة أخرى تقدم التحليلات، إن "فليب" كان ثاني أسرع تطبيقات التسوق نمواً على الأجهزة التي تعمل بنظامي التشغيل "iOS" و"أندرويد" خلال أكتوبر.

استغلال الفجوة السوقية

ما يزال تطبيق "فليب" لاعباً صغيراً مقارنة بـ"أمازون" و"تيك توك". لكن تطبيق أغا قد يجد فرصة عبر استغلال الضعف المتأصل لدى تلك الشركات المنافسة الأكبر حجماً. كما كتبت في مقال آخر حديثاً، فإن تجربة المستخدم لدى "أمازون" قد تدهورت بعد أن أمضت الشركة السنوات القليلة الماضية في التركيز بقوة على توسيع تشكيلتها من البائعين الأجانب وتقديم مجموعة من السلع المدرجة غير الموثوقة.

اقرأ أيضاً: "أمازون" تتصدى لبائعين صينيين بسبب تزويرهم تعليقات الزبائن على المنتجات

في هذه الأثناء، فإن ملكية "تيك توك" الصينية تمثل مصدر قلق مستمر. وعلى مستوى أكثر عملية، يواجه "تيك توك" تحدياً في إدخال وظائف التسوق في تطبيق يشتهر بأنه منصة لمقاطع الرقص والكوميديا. إن المستهلكين من الجيل "زد"، ممن نشأوا في العهد الذي شهد صعود نجم المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، يتمتعون بالذكاء الكافي ليدركوا زيف التزكية لمنتج ما حين يرونها.

يعمل "فليب" بشكل مختلف قليلاً. قال أغا: "في رأيي، نحن لم نبتكر أي شيء. لقد جمعنا أفضل الأسعار التي يود الناس الحصول عليها في مكان واحد فحسب". على عكس سياسة "أمازون" التي تتيح البيع لأطراف خارجية بلا قيود، فإن "فليب" تسمح فقط للعلامات التجارية الموثقة بالبيع المباشر.

قال أغا إن نحو ألف علامة تجارية انضمت للتطبيق، لكنه يتوقع ارتفاع هذا الرقم إلى نحو سبعة آلاف بحلول نهاية العام الجاري. العلامات التجارية المؤهلة هي تلك التي تشحن منتجاتها من داخل الولايات المتحدة. الأهم من ذلك هو أنه على عكس "شراكات العلامات التجارية" المربحة التي تموّل صناعة المؤثرين، فإن العلامات التجارية ممنوعة بشكل صارم من التواصل المباشر مع مستخدمي "فليب"، ليحاولوا دفعهم إلى تقييم منتجاتهم.

لا بد أن تكون التزكية لمنتجات اشتراها المستخدمون أنفسهم، ويضم التطبيق آلية للإبلاغ عن العلامات التجارية التي تتجاوز الحدود المسموح بها. قال أغا إن هناك نحو أربعة أو خمسة علامات تجارية حُظرت من المنصة حتى الآن، لكنه رفض تقديم مزيد من التفاصيل.

مدفوعات للمستخدمين

حين ينجز المستخدم عملية بيع، فهو يحصل على عمولة متغيرة على حسب المنتج. لكن المستخدمين يتلقون مدفوعات أيضاً من التفاعل مع التطبيق، مما يجعل إضافة تقييم سلبي على نفس قدر الربحية مثل إضافة آخر إيجابي، نظرياً.

في المتوسط، فإن 70 سنتاً من كل دولار مدفوع للمستخدمين كانت مرتبطة بالتفاعل وليس بالمبيعات، وفقاً لأغا. رغم ذلك، واضح تماماً أن المنصة تمتلئ بالتقييمات الإيجابية بشكلٍ طاغ.

حين توصف أداة لتدليك الرأس وملعقة مسطحة ومفرش مائدة كلها بأنها "قادرة على تغيير واقع الحياة"، تفقد هذه العبارة ما بقي لها من معنى.

ورغم أن التطبيق لديه طموحات عريضة، إذ تشمل الفئات المعروضة عليه اليوم مشتريات البقالة والحيوانات الأليفة، فهناك تحيّز قوي تجاه المنتجات التي تلائم هذا النمط المتأثر بانتباه المستخدمين على نحو خاص.

اقرأ أيضاً: "تيك توك" يضع عينه على مكانة "أمازون" في التسوق الإلكتروني

يؤدي ذلك إلى لُبّ مخاوفي بشأن التجارة الاجتماعية بشكل عام. أشعر أن المستخدمين يشترون منتجات ليس بالضرورة لأنهم يرغبون في اقتنائها أو لأنهم يحتاجون إليها، لكن لأنهم يعلمون أن تلك المنتجات ستُباع بسهولة وبسرعة بناءً على توصياتهم. هذا أمر رائع بالنسبة للهوامش المنخفضة لأدوات الزينة البسيطة، لكنه قد لا يكون مثالياً للفئات التي يُرجّح أن تكون أعلى ربحية.

ستمثل اللوجستيات تحدياً آخر. تتولى أغلب العلامات التجارية الشحن بنفسها، رغم أن "فليب" لديها حتى الآن مخزنان تابعان لها، لتضمن سرعة إرسال أكثر المنتجات رواجاً. لكي أكتب هذا المقال، وفي ضوء حبي للمعكرونة، طلبت مجموعة مكونة من أربعة أطباق للمعكرونة من خلال "فليب". استغرق وصول الطلب ثمانية أيام، وهي ليست فترة طويلة للغاية لكنها ليست كخدمة "أمازون برايم" (Amazon Prime)، التي تُعد المنافس الفعلي لـ"فليب". أصرّ أغا على أن التسليمات ستتم بشكل أسرع مستقبلاً.

جولات تمويل مستقبلية

السؤال الآن هو حجم رأس المال الجريء الذي سيكون متاحاً لاستثماره في هذا المسعى. وفقاً لـ"بيتشبوك" (Pitchbook)، لدى "فليب" مبلغ ضئيل فقط وهو 94.7 مليون دولار جمعتها الشركة بتقييم يبلغ 500 مليون دولار.

قال أغا إنه سيقوم بجولة تمويل أكبر بكثير، واصفاً إياها بأنها ستتم في إطار تقييم أعلى بكثير. ونظراً للانتشار السريع للتطبيق، لا أشك في ذلك. وفقاً لما ذكره موقع "ذا إنفورميشن" (The Information)، فقد يقلق المستثمرون المستقبليون من أن "فليب" سيكون مصيرها كمصير تطبيقات توصيل الطلبات سريعاً التي سرعان ما خسرت عملاءها فور انتهاء الخصومات السخية.

اقرأ أيضاً: "تيك توك" تستهدف زيادة تجارتها الإلكترونية إلى 20 مليار دولار

يتعلق ذلك بالعلامات التجارية أيضاً. فقد تواصلت مع كريس ميد، المؤسس المشارك لشركة "كروسنت" (Crossnet) الصغيرة للمعدات الرياضية. حقق أحد المنتجات الأحدث للشركة، وهو مضرب متميز للعبة "بيكل بول" يبلغ سعره 59.99 دولار، نجاحاً هائلاً على "فليب"، لدرجة "أننا نسحب مضاربنا التي كانت متوفرة لدى (أمازون) ونشحنها مجدداً إلى مخازننا من أجل عملائنا على (فليب)". 

قال ميد إن حصة "فليب" من البيع، التي تتراوح بين 4% و6% تقريباً كانت مقبولة أكثر بكثير من حصة "أمازون" التي تبلغ نحو 15%. رغم ذلك، فهو قلِق إزاء السحب من المخزون بأكثر مما ينبغي حالياً: "لدي فضول قوي لأرى نسبة المستهلكين الذين كانوا يدفعون من أموالهم الخاصة".

في السنوات الماضية، كانت "فليب" في رأيي جاهزة للاستحواذ عليها. لكن التدقيق الحالي في صفقات كبرى شركات التقنية بلغ حداً يبدو معه أن من الأكثر ترجيحاً أن التطبيق سيضطر لمواصلة المسيرة وحده.

وهذه مهمة صعبة، خصوصاً إذا فكرت في مستوى المنافسة. هذا إلى جانب أننا لا نعرف بعد ما إذا كان المستهلكون في الغرب سيرحبون بفكرة أن يضغط عليهم أصدقاؤهم لشراء المنتجات.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك