احتفال مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بأول 100 عام لها يمزج بين قيمها التي لا تقدر بثمن وتلك سريعة الزوال

خمس أفكار تعيد تشكيل القرن القادم للرأسمالية

مجلات متخصصة في مجال الأعمال، واشنطن، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مجلات متخصصة في مجال الأعمال، واشنطن، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تحتفل مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (The Harvard Business Review) بعيد ميلادها المائة من خلال إصدارها لكتاب ضخم يضم أكثر مقالاتها تأثيراً وابتكاراً بالإضافة إلى مجموعة إلكترونية من مقاطع الفيديو، والرسوم البيانية، والمقالات عبر الإنترنت.

النشأة والمآل

تأسست مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بعد 14 عاماً من المؤسسة الأم "كلية هارفارد للأعمال"، لتوفير قدر من الثقل الأكاديمي للحقل المعرفي الناشئ. وواجه مجال المعرفة الجديد هذا الكثير من السخرية من نخبة "براهمة بوسطن" التي أدارت "هارفارد" في تلك الأيام لافتقاره إلى الصرامة الأكاديمية بالإضافة إلى طابعه الاجتماعي. كان والاس بريت دونهام، عميد "كلية هارفارد للأعمال" من عام 1919 إلى عام 1942، يأمل في أن تعالج المجلة إحدى هذه الشكاوى من خلال المبادرة في إنتاج "نظرية أعمال" قائمة على بحث دقيق وقادرة على تعليم رجال الأعمال الناشئين الحكم السليم. وقد كتب في العدد الافتتاحي أنه بدون مثل هذه النظرية، ستكون ممارسة الأعمال "غير منهجية وعشوائية ومقامرة مثيرة للشفقة بالنسبة للكثير من الناس".

نجحت فكرة دونهام بدرجة تفوق أحلام أي شخص. وأطلقت مقالات مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" أفكاراً إدارية بمليارات الدولارات، مثل إعادة هندسة إدارة الأصول أو الإدارة خفيفة الأصول، التي غيرت صناعات بأكملها. أما القلائل من نخبة "براهمة بوسطن" الذين ظلوا في "هارفارد"، فكانوا ينظرون من حجيراتهم الصغيرة في كلية إدارة الأعمال في الجانب الآخر من النهر ويصرّون أسنانهم حسداً. إن المجلة التي وصفها أحد محرريها ذات مرة بأنها مجلة يكتبها أشخاص لا يستطيعون الكتابة لأشخاص لا يستطيعون القراءة أصبحت الآن كتاباً مرجعياً للشركات الأمريكية.

هذا هو السبب في أن المُجلّد الحالي مخيب للآمال. إذ تطرح مقدمته المختصرة بعض النقاط المثيرة للاهتمام - لا سيما أن تركيز المجلة قد تحول من الجوانب الملموسة للإدارة، مثل كيفية تخصيص الموارد المالية أو تنظيم الإنتاج، إلى الموضوعات غير الملموسة مثل كيفية تحقيق أقصى استفادة من العاملين لديك أو كيفية جذب عملائك. لكنه فشل في معالجة أي من الأسئلة الصعبة.

لماذا يخضع النظام المعرفي الذي من المفترض أن يقلل من طابع المقامرة العشوائية في الأعمال التجارية للعديد من البدع والخداع بالفعل؟ وكيف تشرح مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" دورها في الترويج لأفكار مثل إعادة التنظيم أو لشركات مثل "إنرون" (Enron)؟ لا تدين لنا "هارفارد بزنس ريفيو" بالضرورة بالتواضع، لكنها تدين لنا بمراجعة الذات.

تتضمن المجموعة بعض المقالات الرائعة التي من الجيد أن تكون موجودة في مكان واحد (اثنتان من المقالات المفضلة لدي هي المقالات التي كانت على جانبي غلاف المجموعة، إحداها لبيتر دراكر عن "إدارة الذات"، والثانية لغاري هامل وسي.كيه.براهالاد عن "المقصد الاستراتيجي"). لكنها تحتوي أيضاً على بعض الثغرات التي لا يمكن تفسيرها. فكيف يمكنك إصدار مجموعة من المقالات الأكثر إثارة وإبداعاً في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" دون تضمين مقال "كسوف الشركات العامة" لمايكل جنسن، الذي هو بمثابة إنجاز فكري ذي نتيجة إيجابية رائعة تضع تعريفاً لحقبة كاملة؟

بشكل عام، المجموعة غزيرة بشكل مثير للسخرية بالانشغالات الحالية (مثل الأصالة) مع قليل من معالجة اهتمامات الأمس (العولمة وكذلك الاستثمار المباشر). يتحاشى الكتاب التسلسل الزمني دون تبنيه أي بديل موضوعي يمكنني استنباطه.

أما المُلحقات فهي أكثر تنوعاً من ناحية الجودة. طلبت "هارفارد بزنس ريفيو" من بعض كبار المفكرين التكهن بما هو قادم في بعض الموضوعات الكبيرة. كان بعض ما قالوه مثيراً للاهتمام (رام شارام حول مستقبل المنظمات)؛ وكان البعض تافه فحسب (ماركوس باكنغهام حول شكل "الوظيفة الجيدة"). حيث وصلت المجموعة إلى أدنى مستوى لها في المقال الذي يتعلق بمستقبل الإدارة.

مستقبل الإدارة

سألت "هارفارد بزنس ريفيو" "فريقاً من الخبراء العالميين" عن الشكل الذي ستبدو عليه الإدارة في المائة عام القادمة. كانت الإجابة التي جاءت من كل الخبراء متطابقة تقريباً: ستصبح الإدارة أكثر لطفاً وأقل تحكماً وسيطرة. فتقول سات آي ونغ من "كلية إدارة الأعمال النرويجية" إن الإدارة ستتمحور حول "التعاطف"، بينما يرى فريدريك فريري من "كلية الأعمال التابعة للكلية العليا للتجارة في باريس" أن الإدارة سوف/ يجب أن "تنسى فن الحرب وتركز بدلاً من ذلك على فن الإغواء". وبدورها تقول راشيل سبيفي، رئيسة فريق "ستاي آند ثرايف" (Stay & Thrive) في "غوغل"، إن المستقبل سيتمحور حول "إنشاء نهج إدارة مباشر وشفاف ومتعاطف".

هذه ثرثرة فارغة! وأشك في أن "نهج التعاطف أولاً" الذي يهيمن على كليات إدارة الأعمال اليوم سيصمد خلال السنوات الخمس المقبلة على حاله، ناهيك عن الخمسين أو المائة القادمة، وإلا سيصبح متحجراً جداً بحيث لا أحد خارج زمرة صغيرة سيصغي إليه. ينصب التركيز اليوم على الإدماج والتعاطف من خلال مزيج غريب من صعود السوق لفترة طويلة من ناحية وصدمة الانقسامات المجتمعية التي استغلتها ووسعت نطاقها رئاسة ترمب.

سيتحول التركيز بشكل كبير في المستقبل مع تحول الاهتمامات المستجدة، لا سيما تحول التنوع إلى بيروقراطية، وتتكيف الشركات بشكل يائس مع تصدع الاقتصاد العالمي، وصعود آسيا، والانخفاض طويل الأجل في الإنتاجية.

سيكون أمراً فظاً بالنسبة لي أن أكون قاسياً للغاية بشأن تنبؤات فريق خبراء "هارفارد بزنس ريفيو" دون تقديم بعض التنبؤات البديلة الخاصة بي (ومعهم رأسي - على الأقل مجازياً - لأي شخص يريد قطعها). أعتقد أن حياة قطاع الأعمال خلال العقود القادمة ستهيمن عليها خمسة اتجاهات كبرى ستعيد تشكيل الإدارة بشكل كبير كما فعلت الحروب العالمية، سواء كانت ساخنة أو باردة، أو اختراع الكمبيوتر.

عودة اقتصاد الحرب

فتح غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا حقبة جديدة في شؤون الأعمال، ليس فقط لأنه أجبر الشركات على الرد على العدوان الروسي المباشر، ولكن أيضاً لأنه أجبرها على التنبه لطموحات الصين الجيواستراتيجية. سيتجرأ الرئيس شي جين بينغ أكثر إذا أصبح رئيساً مدى الحياة عند انعقاد المؤتمر الوطني لـ"الحزب الشيوعي الصيني"، كما هو متوقع على نطاق واسع.

ستشتد المنافسة بين الصين والغرب على الموارد، بدءاً من الغذاء والأسماك والماء إلى المعادن النادرة، مع تحول العالم إلى طاقة البطارية واستمرار الحرب في أوكرانيا في تهديد إمدادات الحبوب.

حتى الآن، جاءت معظم المبادرات الضخمة من الحكومات، لا سيما من حكومة الولايات المتحدة. أصدر الرئيس جو بايدن " قانون الرقائق" لتقليل الاعتماد على أشباه الموصلات الصينية. بينما أشادت وزيرة الخزانة جانيت يلين بنهج "دعم الأصدقاء". لا تزال الشركات تلعب دور اللحاق بالركب - إنشاء سلاسل توريد جديدة متأخرة في الهند أو فيتنام لتكملة سلاسلها الحالية في الصين على سبيل المثال.

من المؤكد أن الشركات ستصبح أكثر استباقية لأنها تتأقلم مع عالم جديد يكون فيه الإنفاق العسكري محركاً قوياً بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي وفي عالم يمثل فيه الصراع المحتمل خطراً دائماً. سيحول عدد متزايد من الشركات الناشئة تركيزه من السلع الاستهلاكية إلى الإمدادات العسكرية. وستحذو شركات التكنولوجيا المتقدمة حذو شركة "بالانتير تكنولوجيز" (Palantir Technologies) وتتحدى قوة شركات مثل "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) و"جنرال ديناميكس" (General Dynamics) التي ولدت قبل العصر الرقمي.

في الواقع، على المدى الطويل، من المرجح أن يحل المجمع العسكري الرقمي محل المجمع الصناعي العسكري القديم. ستعمل الشركات من جميع الأنواع، سواء كانت جزءاً رسمياً من المجمع الصناعي الرقمي أم لا، على تعزيز أقسام المخاطر السياسية لديها لإيلاء المزيد من الاهتمام للمخاطر العسكرية والاستراتيجية. يسخر فريدريك فريري من الأيام الخوالي عندما "كان يتم تدريس استراتيجية الأعمال في كثير من الأحيان من قبل ضباط الجيش الذين كانوا يتطلعون إلى الجنرالات مثل سون تزو وكارل فون كلاوزفيتز للحصول على رؤى إدارية". في الواقع، ستلجأ الشركات إلى العسكريين والعسكريات - الذين تعلموا الحقائق الصعبة في "ويست بوينت" وعلى خط الجبهة – للحصول على القيادة والاستشارة.

مذبحة العمال الكبرى

أولاً، جاءوا من أجل العمال الزراعيين. ثم جاءوا للعمال الصناعيين. الآن يأتون من أجل عمال المعرفة. يتمثل الموضوع الكبير لعلاقات العمل في بقية القرن الحالي في أن الآلات الذكية ستفعل بالعمال الذين يؤدون عملاً ذهنياً ما فعلته الآلات الأغبى في السابق بالعمال اليدويين - أي تدمير وظائفهم، وتخفيض أجورهم، وضرب نفسياتهم، وبشكل عام دفعهم إلى هامش المجتمع.

يحب المتفائلون بالتكنولوجيا تقديم نظرة إيجابية لمسيرة الآلات. إذ قالوا إن العاملين في مجال المعرفة سيصبحون أكثر إنتاجية من خلال العمل بالآلات بدلاً من العمل ضدها؛ ستتوقف الآلات عند أكثر الوظائف تعقيداً - مما سيؤدي إلى حدوث طفرات في الخيال وإنتاج أفكار عميقة - مما يترك البشر يفعلون ما يفعلونه بشكل أفضل بينما تتولى أجهزة الكمبيوتر الأعمال الشاقة.

لا تصدق أي كلمة من ذلك.

لقد انتقلت الآلات الذكية بالفعل من الوظائف التي تقتصر على معالجة الكثير من البيانات (تجميع الإقرارات الضريبية أو قراءة المخططات الطبية أو البحث عن أفضل الأسهم قيمة) إلى الوظائف التي تتطلب ما كان يُنظر إليه على أنه "لمسة بشرية".

يمكن للآلات إنتاج تقارير إخبارية تبدو معقولة. طورت شركة "آي بي إم" (IBM) و"كلية بايلور للطب" نظاماً يسمى (KnIT) "مجموعة أدوات تكامل المعرفة" يقوم بمسح الأدبيات الطبية ويخلق فرضيات جديدة لمشاكل البحث. تتفوق البرامج بشكل منتظم على البشر في التنبؤ بنتائج قضايا المحاكم التي تتراوح من نزاعات براءات الاختراع إلى القرارات التاريخية الصادرة عن المحكمة العليا.

ستنتقل مشكلة الإدارة الكبيرة دون رحمة من كيفية إدارة العاملين في مجال المعرفة (الذين سيتم "التفوق عليهم" بشكل تدريجي) إلى كيفية إدارة تهميش العاملين في مجال المعرفة. المزيد من الشخصيات الكبيرة التي أمضت حياتها في الاحتفال بالتقدم التكنولوجي وشجب "المناهِضين للتطوّر التكنولوجي" ستجد نفسها زائدة عن الحاجة (تخيل الانتحاب الذي سيصدر من كتاب الأعمدة لأن الأعمدة مؤتمتة!) سيجد المزيد من خريجي الجامعات أنفسهم يعملون في أحشاء اقتصاد الخدمات.

وسيتعين على المزيد من أقسام الجامعة، بعد أن استفادت لفترة وجيزة من سباق التسلح الأكاديمي، أن تغلق أبوابها حيث يدرك الطلاب المحتملون أنه لن ينقذهم أي عدد من المؤهلات من المذبحة الكبرى لعمال إنتاج المعرفة.

لطالما قدم العمال الذهنيون المحبطون وقوداً قابلاً للاشتعال في الثورات في الماضي: انظر إلى الدور الذي لعبه المثقفون المغتربون في قيادة الثورة الروسية أو من هم أدنى من ذلك، دور الخريجين في صعود النازية في ألمانيا. من وجهة نظر اجتماعية، من المرجح أن تكون الموجة التالية من التقدم التكنولوجي هي الأكثر اضطراباً حتى الآن.

ورثة التريليون دولار

في العقد القادم أو نحو ذلك سنشهد ولادة نوع جديد من الأطفال: أطفال الصناديق التي تحسب قيمتها بالتريليون دولار الذين ينتظر أن يرثوا ثروات أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الصغيرة أو تقييمات سوق الأسهم للشركات الكبيرة.

هؤلاء الأثرياء الصغار الذين بحوزتهم تريليون دولار هم نتاج اتجاهين. الأول هو عودة الثروات العملاقة التي تضاهي ثروات روكفلر وكارنيغي. والثاني هو حملة منسقة من اليمين، لا سيما في الولايات المتحدة، لتقليل أو حتى إلغاء ضريبة الميراث (التي أعاد المحافظون تسميتها ببراعة "ضريبة الموت").

"فقط الحمقى يدفعون ضريبة التركات"، كان هذا هو التبجح بفخر الذي صدر عن غاري كون، أحد المستشارين الاقتصاديين لدونالد ترمب، بشأن ضريبة ظلت بمقدار 77% لمدة 35 عاماً بعد عام 1941. على مدى السنوات الـ25 المقبلة، سيأتي حوالي نصف الـ72 مليار دولار التي سيتم نقلها من جيل إلى آخر من قبل أغنى 1.5% من الأسر.

سيؤدي ظهور أطفال الصناديق ذات التريليون دولار إلى مزيد من الضغط على فكرة الكفاءة والمهارة التي هي وقود صواريخ الرأسمالية. فكيف يمكن التحدث عن تكافؤ الفرص عندما يرث بعض الناس ثروات تفوق أوقاف جامعات بأكملها؟ وكيف يمكن الإشادة بأخلاقيات العمل عندما يكون لدينا طبقة مرفهة دائمة تتوسع باستمرار؟

سيؤدي صعود الأطفال ذوي التريليون الدولار إلى مزيد من حرف الاقتصاد العام بعيداً عن إنتاج الثروة ونحو تنظيم الميراث: لماذا تخاطر بيدك في ريادة الأعمال بينما يمكنك الحصول على مهنة عالية الأجر كـ"خادم مال" لفاحشي الثراء، إما كمحام يبتكر المزيد من الصناديق الأكثر تعقيداً، أو مستشار سياسي يخفّض ضريبة الميراث أكثر أو مصرفي خاص يجعل الثروات العملاقة أكبر.

علم الوراثة

منذ حدوث فظائع الهولوكوست، يمكن تفهم قلق الغرب الدائم بشأن استغلال إمكانات علم الوراثة. من المحتمل أن يتغير هذا في العقود القادمة - في الواقع قد يكون علم الوراثة للأربعين عاماً القادمة مثلما كان عليه علم الكمبيوتر على مدار الأربعين عاماً الماضية.

هناك الكثير من الأسباب لذلك. تقدم علم الوراثة بوتيرة مذهلة منذ تسلسل الجينوم البشري، ليس فقط كعلم مُجرّد بل كمجموعة من التقنيات. بدأ القلق الذي أحدثته ذكريات الأربعينيات يتلاشى. أصبح الفحص الجيني للتشوهات أمراً شائعاً الآن، ويتبعه أحياناً إنهاء الحمل. تنتشر موضة تحسين الجسم بمكونات الكمبيوتر من الثقافات الفرعية في الجامعات إلى المجتمع الأوسع.

مع ذلك، من سيقلب التوازن فعلياً هو الصين، التي تغاضت بالفعل عن الإجهاض الانتقائي لملايين الأجنة الإناث، وحيث أثار الباحثون الجدل من خلال تعديل الجينوم للجنين البشري. على الرغم من الإدانة الرسمية اللاحقة لهذا العمل، فمن المؤكد أن الصين ستميل إلى استغلال الإمكانات العسكرية، وربما التجارية، للعلوم الجينية.

سيجلب ذلك سلسلة من الأسئلة الجذرية إلى قلب الأعمال (ويخلق تخصصاً فرعياً مزدهراً في أخلاقيات الإدارة). ما هي الحدود التي يجب أن يضعها الغرب على البحث الجيني؟ هل يجب أن نفرض قيوداً أكثر صرامة على صناعة التلقيح في المختبر؟ أم هل يجب أن يكونوا أحراراً في بيع ذرية متفوقة وراثياً؟ هل ينبغي منح شركات التأمين إمكانية الوصول إلى اختبارات الحمض النووي التي تتنبأ بإمكانية إصابة الفرد بالمرض؟

وهل يجب أن تكون الشركات العادية قادرة على اختيار موظفيها بناءً على "درجات المخاطر متعددة الجينات"، بناءً على مسوحات محوسبة لآلاف الاختلافات الجينية التي تتنبأ بقدرة الموظفين على النجاح في وظائفهم؟ هل يمكن للغرب أن يحافظ على تركيزه على الحقوق الفردية في مواجهة منافس اقتصادي وعسكري قد يستخدم الفحص الجيني لاكتشاف وحتى خلق كائنات بشرية متفوقة؟ أم أن المزيد من التخلي عن الفردية الليبرالية سيكون مجرد ثمن آخر يتعين علينا دفعه حتى نبقى قادرين على المنافسة؟

الطريق الجديدة للعبودية

إن النداء الكبير الذي تطلقه مجتمعات السوق هو الحرية: حرية تبادل ثمار عملنا في السوق مقابل السلع وحرية التعبير عن آرائنا في سوق الأفكار. ومع ذلك، هناك خطر متزايد من أننا نفقد حرياتنا ليس فقط لجيل جديد من الرقابة الفكرية ولكن للمراقبين الذين يراقبون كل تحركاتنا.

حذر فريدريش هايك من أن الطريق إلى العبودية تم تمهيده من قبل الدولة – ودون شك قادت الحكومة الصينية الطريق إلى ديستوبيا (المدينة الكابوسية) الحالية ببنائها مجتمع المراقبة الأكثر تعقيداً في العالم. لكن أنصار السوق الحرة فشلوا في التعامل مع انتهازية القطاع الخاص.

أصبحت شركات الإنترنت الكبرى أضخم عن طريق تجميع المعلومات حول عادات الإنفاق لدينا وبيعها لأطراف ثالثة. استخدمت الشركات بشكل متزايد برامج التجسس من مختلف الأنواع لمراقبة موظفيها عن كثب ومعاقبتهم إذا توقفوا مؤقتاً عن إنتاجيتهم.

إذا كانت الطريق إلى الجحيم مرصوفة بالنوايا الحسنة، فإن الطريق إلى العبودية مرصوفة بوسائل الراحة البسيطة. أراد المستهلكون "الخدمات المجانية" التي تقدمها "غوغل" ورفاقها الرأسماليون في مجال المراقبة (المبتسمون الذين يمسكون بالسكاكين تحت معاطفهم، كما يقول الشاعر تشوسر في إحدى عباراته). لذلك، أعطوهم الحق في التجسس على حياتهم. أراد العمال الراحة في العمل من المنزل. لذلك، سمحوا لأصحاب العمل بمراقبة إنتاجيتهم من بعيد.

هل يمكن تجديد الرأسمالية حتى نتمكن من استعادة حرياتنا المفقودة دون فقدان الاستفادة من قدرتنا المحسّنة، على سبيل المثال، لمحاربة الجريمة أو تحسين الإنتاجية؟ نحن بحاجة إلى جيل جديد من المفكرين الإداريين لتكريس أنفسهم للتفكير في هذا الموضوع. هل يجب أن نسمح للأفراد بفرض رسوم على الشركات لاستخدام بياناتهم؟ أم هل ينبغي لنا أن نتبع نهجاً معاكساً وأن نقوم ببساطة بتأميم عمالقة تكنولوجيا المعلومات على أساس أنه لا ينبغي الوثوق بالكيانات الخاصة في مثل هذه المعرفة الحساسة؟

لكن للأسف في الوقت الحالي، يعمل عدد قليل من الأشخاص الذين لديهم القوة الفكرية والخبرة الفنية للإجابة على هذه الأسئلة إما لصالح شركات تكنولوجيا المعلومات نفسها أو لمراكز الأبحاث التي تعتمد على أموال وادي السيليكون.

لقد لعب أفضل معلمي الإدارة دوراً بارزاً ليس فقط في تحديد مشاكل العمل ولكن أيضاً في المساعدة على حلها. فقد أقنع بيتر دراكر قراءه بتحمل المزيد من المسؤولية في "إدارة أنفسهم" من أجل التكيف مع اختفاء الوظائف الدائمة مدى الحياة وإطالة متوسط العمر المتوقع.

يمكن القول إن مايكل جنسن قد أخر بداية الركود الأخير من خلال إطلاق العنان للقوة الإبداعية المتمثلة في عمليات الاستحواذ الممولة بالديون والاستثمار المباشر (طالع هذا الكتاب لنيكولاس ليمان إن أردت الحصول على وجهة النظر المعاكسة). وساعد كلاي كريستنسن الشركات الناشئة على الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة المسببة للاضطراب التي غيرت الطريقة التي تعمل بها الشركات.

مستقبل "هارفارد بزنس ريفيو"

خلال المائة عام الأولى لها، كانت مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" جسراً لا يقدر بثمن بين صناعة نظرية الإدارة من ناحية وجمهور الأعمال الأوسع من ناحية أخرى. ستكون هناك حاجة إلى هذا الجسر أكثر من أي وقت مضى، نظراً لميل الأكاديميين إلى الانعزال في عالمهم ومع هوس الشركات بالمدى الطويل.

لكن من أجل تحقيق النجاح، يجب أن تكون مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" أكثر صدقاً بشأن سبب ارتكابها مثل هذه الأخطاء الصارخة في الماضي. سيتعين عليها أيضاً توسيع نطاق تركيزها الحالي الضئيل إلى حد ما - ليس فقط إعطاء مساحة لمجموعة واسعة من الأصوات حول موضوعات عصرية مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، ولكن أيضاً النظر إلى القوى الأكثر قتامة التي من المرجح أن تغير الأعمال في القرن المقبل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة