يحاجج أنتوني فوتشي، كبير مستشاري الرئيس جو بايدن الطبيّين والمدير المخضرم للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، قائلاً إن منتقديه "حقيقة ينتقدون العلم لأنني أمُثّل العلم". ربما يصدق هو تلك المقولة، لكن قد يكون الوقت حان ليبحث العلم عن ناطق آخر باسمه.
لسنا مضطرين لتحميل فوتشي أي سوء نية، كأن نظن أنه يفضل على مصالح الأميريكيين ما سواها أو أن نقبل تلميح لارا لوغان الجنوني بأنه يُمكن تشبيهه بجوزيف مينغيله، كي نتساءل عمّا إذا كانت تصريحاته تضر أكثر مما تنفع في هذه المرحلة.
يُمكن القول أن فوتشي أدى وظيفة قيّمة في بداية الوباء عبر شرح الوضع وتقديم الطمأنينة لهؤلاء الأمريكيين الذين لم يثقوا بالرئيس السابق دونالد ترامب. لا يستطيع فوتشي أن يقوم بذات الدور تجاه عديد من الأمريكيين، الذين لا يثقون ببايدن لأنهم لا يميلون لوضع ثقتهم بالكثير مما يقوله هذا الطبيب أيضاً. من الصعب تخيّل أن أياً من المتردّدين بالحصول على اللقاح ينتظرون ظهوره مرة أخرى في برنامج يوم الأحد قبل الذهاب للحصول على الجرعة، التي يجب أن يحصل عليها الجميع تقريباً. هناك كثير من الأطباء والعلماء الآخرين الذين يُمكنهم التحدّث بمعرفة ورؤية ثاقبة حول التطوّرات الجديدة في الوباء.
تضليل العامة
وجّه فوتشي بعض اللكمات لمصداقيته أيضاً. يقر المدافعون عنه من الصحفيين فقط بأنه ليس "مثالياً"، لكن الحقيقة مقلقة بما يفوق ذلك. يستشهد مناهضو فوتشي بنقطة رئيسية تتعلّق بتأرجح آرائه حول أقنعة الوجه إذ لم يُشجّع على استخدامها في أوائل 2020، ثم أصبح داعية لها. لم يطرأ هذا التغيير نتيجة لأي كشف علمي جديد حول فعّالية الأقنعة، حيث قال إن ما أراده هو التأكّد من عدم نفاد الأقنعة لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية رغم قوله حينها بأنها غير فعّالة. يُشير تفسيره في أحسن الأحوال إلى أنه كان يضلل العامة فيما اعتقد أنه يخدم مصلحتهم.
ليست هذه هي المرة الوحيدة التي هدفت فيها ملاحظاته حول كوفيد-19 لاستنباط رد الفعل المرغوب من العامة، أو أنه قال كذلك. أعلن فوتشي تقديرات متزايدة بانتظام حول معدل اللقاح اللازم لتحقيق مناعة القطيع، قائلاً إنه فعل ذلك لتشجيع مزيد من اللقاح جزئياً لأن استطلاعات الرأي على الجانب الآخر أشارت إلى أن العامة أصبحوا أكثر ثقة باللقاحات. سواء كان عنده مبرر أم لا، أو على الأقل عذر، فإن هذا النوع من التلاعب يقوّض نفسه لأن نجاحه يقل كلما أعار الأشخاص المستهدفون به اهتمامهم نحوه.
أصبح غوغائياً
من الواضح أنه ليس العلم، سواء أكان منهجاً ومعرفة كلية، هو ما أجبر فوتشي على ما قاله حول الأقنعة ومناعة القطيع، ولا ينبغي أن تكون قراراته مُحصّنة ضد الانتقاد لأنه "يُمثّل العلم". بل أنه أصبح غوغائياً بحد ذاته فيما كان يُجادل السياسيين.
لكن الموقف الذي عبّر عنه هو مجرد شكل مبالغ فيه مما يسود عالم الصحة العامة وله تأثير كبير يتجاوزه. ما عدد المرات التي كانت عبارة "اتبّاع العلم" إجابة مناسبة لتحديات كوفيد-19؟ أنتج العلم لقاحات معجزة تقريباً، لكنه لا يستطيع إلزامنا بتلقّيها لأنه لا يستطيع إجبارنا على الاهتمام بصحتنا أو بصحة الآخرين.
لا يُمكن للعلم بالتأكيد أن يُخبرنا ما هو المسار في ظل بروز الشكوك، ولا يمكنه تحديد كيفية الحكم على المفاضلات سواء كانت حول تناول شرائح اللحم، مع العلم أن إرشادات مراكز السيطرة على الأمراض تحظر تناول اللحوم متوسطة السواء، أو وضع السياسات المتعلقة بكوفيد-19.
نحتاج الآن من الصحة العامة البيروقراطية أن تعمل لا أن تهول حول سلوكنا، أو أن تحاضر حول قيمة العلم، لا سيما توفير اختبارات مولدات الأجسام المناعية على نطاق واسع وخفض تكلفتها. يتطلب هذا النوع من المهام مساهمات كبيرة من الخبراء والقيام بالقليل جداً منها على شاشات التلفزيون.