تحتوي السيارات والوقود ومجموعة كبيرة من المنتجات الأخرى على مكوّن غير مرئيّ وهو الحرارة، ويحتاج التصنيع عادةً إلى أفران الصهر التي تصل درجة حرارتها إلى 1500 درجة مئوية (2700 فهرنهايت) أو أكثر، ولكن إنتاج مثل تلك الدرجات من الحرارة المرتفعة للغاية، يتطلّب إحراق شيء ما، ويكون في العادة الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي. ومن هنا، فإنّ الحرارة التي تستخدمها الصناعات مسؤولة عن نحو 10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، مما يمثل أكثر من الوقود الذي تحرقه جميع سيارات وطائرات العالَم مجتمعة. وتحت ضغط متزايد من المحتجّين والمستثمرين المهتمّين بالمناخ، تجرِّب الشركات الصناعية الكبرى والحكومات ما يُطلَق عليه "الهيدروجين الأخضر".
1. لماذا الهيدروجين؟
إنّ لهب الهيدروجين ساخن ونظيف، ويخلّف بخار الماء فقط عند احتراقه بدلًا من الغازات الدفيئة التي تنتج عن الوقود الأحفوري، كما ثبتت قيمته كوقود. ولأنه أخفّ من أيّ عنصر آخر، فقد استخدمته الطائرات للاحتفاظ بقدرتها على التحليق في القرن الماضي، وإن لم يكن ذلك دون وقوع حوادث مثل كارثة هيندنبورغ عام 1937. ويمدّ الهيدروجين أيضاً محركات الصواريخ التي تحتاج إلى العمل بالطاقة في ظلّ عدم وجود الأكسجين.
2. من أين يأتي الهيدروجين؟
الهيدروجين موجود بشكل كثير حولنا في الغلاف الجوي، ولكن تسخيره للأغراض الصناعية أمر مختلف، إذ يُشتقّ معظم الهيدروجين المستخدم ليكون وقوداً عن طريق فصله عن جزيئات الغاز الطبيعي، ويتطلب ذلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، وينتج أيضًا ثاني أكسيد الكربون في الوقت نفسه، مما يجعل العملية غير نظيفة دون شكّ، ولذلك فإنّ التغيير يكمن في كون بعض أهمّ أسماء أوروبا في مجال الطاقة والصناعة يتسابقون لتطوير طرق لإنتاج الغاز دون تلك الانبعاثات، وهذا هو المقصود بالهيدروجين الأخضر.
3. كيف يُستخلَص؟
يستخلص عن طريق التحليل الكهربائي، بتمرير تيار كهربيّ عبر الماء لفصل ذرّات الهيدروجين عن الأكسجين. وهي عكس العملية المستخدَمة في خلايا الوقود، إذ يُجمَع بين الهيدروجين والأكسجين لإنتاج الماء والكهرباء. إنّ إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي، يقضي على ثاني أكسيد الكربون المنبعث عن طريق فصل جزيئات الغاز الطبيعي. وإذا كانت الكهرباء تأتي من مصادر متجددة للطاقة، فإن الهيدروجين يُصنَّع دون أيّ انبعاثات. وتمتلك شركة صناعة الغاز الصناعي "آير ليكويد"، و"ثايسينكراب" لصناعة الصلب، و"رويال داتش شيل" إحدى كبريات شركات النفط، بعضًا من أشهَر المشاريع التجريبية، بالإضافة إلى أنّ الجهود المبذولة لجعل التكنولوجيا حقيقة تجارية هي الأكثر تقدُّماً في أوروبا، إذ يضيِّق صانعو السياسة الخناق بسرعة على الشركات الصناعية للحدّ من التلوُّث.
4. كيف يُستخدَم؟
هناك مئات استخدامات للهيدروجين الأخضر، إن لم يكن الآلاف، لمساعدة الشركات الصناعية على خفض الانبعاثات. فمثلًا، يحتاج صانعو الزجاج والإسمنت إلى حرارة عالية جدًاً لتسيير عملياتهم، وينطبق الأمر نفسه على مصافي النفط والموادّ الكيميائية، ويُعد الهيدروجين مفيدًا للغاية لمصنّعي الصُّلْب، الذين يحتاجون إلى طريقة لخداع ذرّات الكربون لتخرج من خام الحديد، كما يمكن للهيدروجين أن يحلّ محلّ الفحم في هذه العملية، كعامل تنقية، وإشعال أفران الصهر التي تذيب المعدن والحجَر.
5. أيّ الشركات يستخدم الهيدروجين؟
تجرِّب شركة خطوط الأنابيب الروسية "غازبروم بي جاي إس سي" خلطَ الهيدروجين الأخضر مع غازها الطبيعي لإنتاج وقود أنظف. وفي الوقت الحاليّ، يوجد حدّ لمقدار الهيدروجين الذي يمكن مزجه مع الغاز الطبيعي في خطوط الأنابيب، ولكن إذا تم التغلُّب على المشكلات التقنية ذات الصلة، فقد تصبح هذه الأنظمة من الناحية النظرية هيدروجيناً أخضر بنسبة 100% للمنازل والصناعة. ويمكن أن تقلل حتى إضافة القليل من الهيدروجين إلى شبكة الغاز الحالية من البصمة الكربونية لجميع تلك الصناعات والمرافق التي تستخدم الغاز. وتعني الطبيعة القابلة للعكس للتحليل الكهربائي أن الهيدروجين الأخضر، يمكن أن يعمل كنوع من البطاريات، كما يمكن تحويل الكهرباء الزائدة التي تولّدها مصادر الطاقة المتجددة إلى هيدروجين وتخزينها واستخدامها في خلية وقود لإنتاج الكهرباء عند الحاجة. وتقوم شركة "يونيبر سي" الألمانية بالأمر ذاته بالتعاون مع شركة "بريتش بيتروليوم" من خلال ربط مزرعة الرياح بالمحللات الكهربائية التي يمكن أن تولّد 100 ميغاوات من الطاقة، أي ما يعادل محطة صغيرة لتوليد الطاقة.
6. فيمَ تكمن المشكلة؟
تكمن في التكلفة. ففي حين أنّ جميع الشركات المشاركة واثقة من نجاح التقنية، تبقى علامات الاستفهام فيما لو كان يمكن أن يكون الهيدروجين مربحًا، إذ يكلّف الهيدروجين الأخضر بين 2.50 دولار و6.80 دولاراً للكيلوغرام بسبب التكاليف العالية نسبياً للتحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتجددة. ووفق تحليل "نيو إنرجي فاينانس"، فإنه ينبغي خفض تلك التكلفة إلى أقل من دولارين لجعل الهيدروجين المتجدد قادرًا على المنافسة مع الفحم، ونحو 60 سنتًا لتجاوز أرخص إنتاج قائم على الغاز الطبيعي. أمّا القضية الأخرى في هذا الإطار فتتعلق بأنّ إنتاج كمّيات كبيرة من الهيدروجين الأخضر، قد يُجهِد شبكات الكهرباء التي تواجه بالفعل تحدياً كبيراً في الاستعداد لتحوّلٍ مجتمعيٍّ واسعٍ إلى تشغيل مزيد من الأشياء بالكهرباء بدلًا من الوقود الأحفوري، وعلى الأخص السيارات الكهربائية.
7. متى تنتشر تقنية الهيدروجين الأخضر؟
وفق تقارير "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" فإنه من الممكن أن يصبح الهيدروجين الأخضر اقتصادياً بحلول ثلاثينيات القرن الحاليّ، ومن المفترض أن يجعل ذلك صُنّاع السياسة يقدّمون حوافز لدعمه. ومن المتوقع أن تنخفض التكاليف مع زيادة كفاءة تقنية التحليل الكهربائي وزيادة الإنتاج، كما يمكن لتحركات الحكومات الأوروبية لزيادة تكلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أن تزيد من إمالة اقتصادات السوق لصالح الهيدروجين. وتعدُّ تقنية احتجاز الكربون وتخزينه بمثابة المنافس الرئيسي لصُنع الحرارة الصناعية النظيفة من الهيدروجين، التي قد تكون ذات تكلفة أعلى. وفي ألمانيا، قال مجلس الوزراء المصغَّر المعنيّ بحماية المناخ برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل، في سبتمبر،" إنّ الهيدروجين الأخضر سيلعب دوراً محورياً في "إعادة بناء" القاعدة الصناعية في ألمانيا، مع تحوّلها إلى قاعدة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2050.