الحكومة والشركات تتعاون مع التحقيق في قضية الدعم وتتراجع عن تصريحات نارية سابقة

الصين تحاول الحفاظ على صادرات سياراتها الكهربائية إلى أوروبا

سيارة كهربائية من طراز "كوبرا بورن" إنتاج شركة "سيات" (Cupra Born) في محطة شحن في موقف للسيارات بمحطة قطار في فولفسبورغ، ألمانيا، يوم الثلاثاء 28 فبراير 2023. - المصدر: بلومبرغ
سيارة كهربائية من طراز "كوبرا بورن" إنتاج شركة "سيات" (Cupra Born) في محطة شحن في موقف للسيارات بمحطة قطار في فولفسبورغ، ألمانيا، يوم الثلاثاء 28 فبراير 2023. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما بدأ الاتحاد الأوروبي تحقيقاً في الدعم الذي تقدمه الصين لقطاع السيارات الكهربائية، استعدت شركات صناعة السيارات في أوروبا لانتقام مؤلم من هذه القوة العظمى صاحبة النفوذ المتزايد.

لم يحدث الانتقام الرهيب كما كان متوقعاً، على الأقل حتى الآن. وبعيداً عن التصريحات النارية التي أطلقتها في البداية، أبدت الحكومة الصينية وشركات مثل "بي واي دي" و"إس إيه آي سي موتور" (SAIC Motor) تعاوناً منذ بداية التحقيق في قضية الدعم. وهذه الاستجابة الهادئة في التعاون مع التحقيقات، تكشف عن الضغوط التي تتعرض لها سوق السيارات الكهربائية في الصين التي تعاني فائضاً في الإنتاج، والتي ازدادت حالتها سوءاً بسبب حرب الأسعار التي أشعلتها شركة "تسلا" على مدى السنة الماضية.

فبعد سنوات من التطور المتسارع في الصين، تمكّنت شركات تصنيع السيارات الكهربائية من تصدير إنتاجها إلى أوروبا وبشكل متزايد، وذلك بعد محاولات عدة فاشلة لكسب عملاء في موطن شركتي "فولكس فاجن" و"رينو". وعلى الرغم من أن حصة شركات صناعة السيارات الصينية في أسواق أوروبا لا تزال منخفضة، فإن تفوّق الصين في إنتاج السيارات القابلة للشحن، يضعها في موقف يسمح لها بمنافسة اليابان على الريادة العالمية في تصدير السيارات.

قال ماتياس شميدت، محلل مستقل لسوق السيارات قريب من هامبورغ: "إذا أقدم الصينيون على الانتقام وتدهورت العلاقات مع واحد من أكبر شركائهم التجاريين، فإنهم بذلك يطلقون النار على أقدامهم. فقد وصلت الصين إلى نقطة تحتاج فيها إلى زيادة مبيعاتها من السيارات خارج حدودها".

اقرأ أيضاً: الصين تنتقد تحقيق الاتحاد الأوروبي بشأن سياراتها الكهربائية وصحيفة تحذر من الرد

أسعار مضاعفة

تُباع السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين في أوروبا بضعف الأسعار تقريباً التي تُباع بها في موطن إنتاجها، ويظهر ذلك من أرقام الجمارك الخاصة بسيارات مثل سيارة "دولفين كروس أوفر" صغيرة الحجم التي تنتجها شركة "بي واي دي"، والسيارة "إم جي 4" التي تنتجها "إم جي موتور" التابعة لشركة "إس إيه آي سي". وينبع هذا التفاوت في الأسعار من عوامل تشمل انخفاض تكلفة العمالة في الصين، وأشكال الدعم السخية، إضافة إلى التكلفة الإضافية التي تتحملها الشركات عند تصدير السيارات إلى الأسواق الخارجية، والتي تشمل تكلفة الجمارك ومصاريف الشحن.

يبلغ سعر التجزئة للسيارة دولفين في الصين 111 ألف يوان (15500 دولار)، وهي نفس السيارة التي عرضت في سبتمبر الماضي بأحد معارض السيارات في ميونيخ بسعر يبلغ 35990 يورو (38780 دولاراً) للمستهلكين في ألمانيا، ورغم ذلك فإن سعرها يقل كثيراً عن السعر الأدنى لسيارة "آي دي 3" (ID.3) من إنتاج شركة "فولكس فاجن". وفي تايلندا، حيث يبدأ انتشار السيارات الكهربائية، يدفع المستهلكون ما يعادل 19560 دولاراً للفئة الأدنى من سيارة دولفين.

نفس الأمر مع شركة "إم جي موتور". فهذه العلامة التجارية الصينية ذات الطابع البريطاني تعمل على تعزيز تواجدها في أسواق أوروبا منذ ما يزيد على 10 سنوات، وهي رائدة بين العلامات الصينية في المنطقة. وتباع السيارة "MG4"، المصنوعة في مدينة نينغدي بمقاطعة فوجيان، بسعر 37700 يورو في ألمانيا، وهو ما يزيد بنحو 20000 يورو عن سعرها في الصين. يزيد سعر سيارة تسلا "موديل 3" المصنوعة في شنغهاي بحوالي 13000 يورو في أسواق الاتحاد الأوروبي عن سعرها في الصين.

الحفاظ على سوق مربحة

أصبح الآن حفاظ الصين على أسواقها المربحة في أوروبا بالغ الأهمية مقارنة بأي وقت مضى، لاسيما وقد باتت السوق الأميركية شبه محظورة أمام إنتاجها بسبب رسوم الاستيراد بنسبة 25%، وحوافز الشراء المغرية المتاحة فقط للسيارات الكهربائية المصنوعة في أميركا الشمالية. أضف إلى ذلك ضرورة الحفاظ على مستقبل المئات من شركات صناعة السيارات الكهربائية غير الرابحة والتي نشأت بعد إقرار أشكال الدعم والشاملة ومع فرض قيود على قيادة السيارات داخل المدن.

الصراع من أجل البقاء يجري على قدم وساق، إذ تدرس شركة "نيو" (Nio) تخفيض عدد العاملين بعد جولة أولى استغنت خلالها عن 10% من عمالها، وقد كانت "نيو" رائدة بين الشركات الجديدة في سوق السيارات الكهربائية في الصين، وهي تصدر إلى أوروبا طرازات مثل السيارة "ET5" بسعر 59900 يورو. وقد حصلت هذا الأسبوع على تدفقات نقدية أخرى من الشرق الأوسط. أما شركة "دبليو إم موتور" (WM Motor) فقد تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس بعد أن تم تنحيتها جانباً مع اشتداد المنافسة.

من غير المرجح أن تنحسر تلك الوفرة في معروض السيارات الكهربائية في الصين، حتى مع زيادة مبيعات "بي واي دي" من المركبات الكهربائية والهجينة بنسبة 65% حتى نوفمبر، والتي وصلت بحجم إنتاج الشركة المحلية الرائدة إلى 3 ملايين مركبة هذا العام. وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع الديون الشخصية وتباطؤ نمو الدخل نتيجة عمليات الإغلاق الطويلة بسبب الوباء وأزمة قطاع العقارات في البلاد إلى تراجع الإنفاق.

قال شو هاي دونغ، نائب كبير المهندسين في "رابطة مصنعي السيارات في الصين": "قدمت الحكومة الصينية بعض الدعم في المراحل الأولى من تطور هذه الصناعة، لكنها تسحب هذا الدعم تدريجياً في الوقت الراهن". وأضاف: "الشركات المصنعة في الخارج بدأت في وقت لاحق، ولذلك فإن منتجاتها وتقنياتها متأخرة نسبياً".

رسوم جمركية حمائية وحوافز

بدأ الاتحاد الأوروبي تحقيقاته بشكل جدي في أكتوبر، وذلك بفتح ملف ممارسات شركات "بي واي دي" و"إس إيه آي سي" و"جيلي"، مما جعل الكتلة الأوروبية تعمل بتناغم مع الولايات المتحدة في السعي إلى حماية صناعة توظف ملايين العمال. وفي حين يسعى الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم إضافية، تقدم الولايات المتحدة مجموعة من أشكال الدعم لجذب الاستثمارات، ولكن بقواعد صارمة على سلاسل التوريد المحلية وعملية تصنيع المركبات الكهربائية يجب على الشركات الالتزام بها لتحصل على تلك الحوافز المالية.

قال براد سيتسر، وهو باحث أول في "مجلس العلاقات الخارجية": "إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتّحدان في أنهما لا يريدان أن يكون الانتقال إلى السيارات الكهربائية انتقالاً إلى السيارات الكهربائية الصينية. فقانون خفض التضخم الذي جرى تعديله في الولايات المتحدة حتى يسمح لشركات صناعة السيارات الأوروبية بنفس الحقوق سيساعد في ردود فعل متماسكة ومشتركة".

من المحتمل أن تُفرض الرسوم الجمركية الأولى في بداية شهر يوليو القادم، مع ضرورة موافقة الدول الأعضاء على أي قرار نهائي. وفي تحقيقات حديثة بشأن قطاعات أخرى مثل الدراجات الكهربائية وكابلات الألياف الضوئية، اكتشف الاتحاد الأوروبي هوامش دعم تتراوح بين 4% و17%. وسوف تضاف أي رسوم جمركية عقابية على واردات السيارات الكهربائية إلى رسوم الاستيراد الحالية التي تبلغ نسبتها 10% من قيمة الواردات.

علاقات تجارية متوترة

يمثّل التحقيق في دعم الصين للسيارات الكهربائية تراجعاً في علاقات البلاد التجارية المتوترة مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة. واشتعلت التوترات بين بكين وبروكسل بسبب جهود أوروبا "لإزالة المخاطر" التي تتعرض لها سلاسل التوريد الخاصة بها، ومع تفاقم العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين بما يتجاوز 400 مليار دولار العام الماضي.

اتخذ المسؤولون الصينيون موقفاً غير عدواني في المحادثات التجارية هذا الشهر، وهي أول قمة تعقد بحضور شخصي منذ أربع سنوات. وقال الرئيس شي جين بينغ لقادة الاتحاد الأوروبي إنه يريد شراكة تجارية قوية بين الجانبين قادرة على بناء الثقة بشأن سلاسل التوريد. وقالت وزارة التجارة الصينية بشكل منفصل إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوقف عن نزعة الحمائية التجارية خلال التحقيق في قضية السيارات الكهربائية.

بالتأكيد ستتعرض شركات صناعة السيارات الغربية، بما في ذلك "تسلا" و"رينو" و"بي إم دبليو"، أيضاً لزيادة في الرسوم الجمركية لأنها تُصدر السيارات من أكبر سوق للسيارات في العالم إلى أوروبا.

ورغم ذلك، فقد يتغير موقف الصين أيضا في حالة فرض الرسوم الجمركية، ما قد يترتب عليه عواقب مؤلمة على صناعة السيارات العالمية. تبيع شركات "بي إم دبليو" و"مرسيدس بنز" و"فولكس فاجن" ما بين 33% و40% من إنتاجها من السيارات في الصين، كما لا يمكن لأي مصنع أن يتخلّى عن بطاريات السيارات الكهربائية الصينية ومكوناتها الأخرى. وفي إشارة استباقية، فرضت الصين في أكتوبر قيوداً على صادرات الجرافيت الذي يستخدم في صناعة البطاريات.

اقرأ أيضا: هيمنة صينية على سوق بطاريات السيارات الكهربائية

قال سيتسر: "خيار الانتقام الأشد وضوحاً سيكون رفع تعريفة الاستيراد إلى الصين من 15% والعودة بها إلى مستوى 25%. ولن تكون الصين متجاوزة في ممارسة حقها عندما تفعل ذلك".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك